لا يتوقع جميع الشباب العراقيين السكن في بيت مستقل بعد الزواج. فالغرفة الفارغة في منزل عائلة الشاب غالباً ما تقدم إنقاذاً موقتاً له في بداية الزواج قبل التفكير بالاستقلال. التفكير بالحصول على بيت مستقل يتطلب في كثير من الأحيان التضحية بأكثر من نصف الراتب الذي يحصل عليه الشاب أو زوجته مقابل غرفة نوم ومطبخ وصالة صغيرة لاستقبال الضيوف. وصحيح أن العيش في بيت مستقل شعار يرفعه كثيرون من العزّاب قبل زواجهم، لا سيما أن غالبية الزوجات يفضلن العيش بعيداً من عائلات ازواجهن وعيون حمواتهن، لكن هذا الأمر لا يتحقق دوماً. الحصول على السكن يمكن ان يكون متيسراً فقط حينما يملك الزوجان وظائف برواتب تتعدى 600 دولار لكل منهما، أما إذا كان أحد الزوجين فقط هو من يعمل، فإن العيش بعيداً من منزل العائلة ليس سوى حلم بعيد المنال، إلا إذا تبرّع أهل العروس بمنزل يملكونه لإسكان عريس ابنتهم وهي خطوة تقوم بها العائلات الميسورة. أزمة السكن للشباب في العراق اعترفت بها أطراف برلمانية ووزارية كثيرة، فيما تعلن وزارة الإسكان والتعمير بين الحين والآخر عن حاجة العراق إلى مئات الآلاف من الوحدات السكنية للقضاء على الأزمة. ويبدو إقليم كردستان أكثر جدية في التحرك لحل أزمة السكن اذ باشرت شركات الاسكان التي تعمل داخل الإقليم بدعم من الحكومة، منح الشباب شققاً سكنية بالتقسيط بحيث يدفع الشاب مبلغاً يتراوح بين 8 و20 ألف دولار كمقدم ويتم تقسيط المبالغ على خمس أو ست سنوات. هذا النظام فتح الباب لتمليك الشباب شققاً سكنية تتناسب مع إمكاناتهم المادية، لكنه لم يصل إلى مرحلة التطبيق في بغداد التي تعاني أزمة خانقة في السكن تسببت في انشطارات أفقية داخل الأسرة دفعت الشباب إلى حجز غرفهم في بيت العائلة للزواج فيها. وتبدو الفتيات أكثر ميلاً للاستقلالية من الشباب، فالمطالبة بالاستقلال والبحث عن منزل مستقل وإن كان صغيراً غالباً ما يكون هدفاً للمتزوجات حديثاً، لا سيما العاملات منهن، وقد تتطوع كثيرات لدفع إيجار منزل صغير يستنزف نصف أو ثلاثة أرباع راتبها لكنها لن تتردد في البحث عن مكان صغير يجمعها بزوجها. وعلى النقيض من ذلك، فإن غالبية الأزواج الشباب يفضلون العيش في غرفة صغيرة في منزل الأهل على تحمّل المسؤولية والبحث عن بيت يكلفهم نسبة كبيرة من الراتب، بل لا يتردد بعضهم في لوم الزوجة عندما تشتكي من إصرار المؤجر على رفع الإيجار الشهري بين الحين والآخر. «أنت من طلب الخروج من بيت أهلي ويجب أن تتحملي النتائج»، عبارة تسمعها آلاف الزوجات اللواتي خرجن الى بيوت مستقلة، من أزواجهن. وحدها المشكلات التي تنشب بين الزوجات الشابات وحمواتهن هي ما يدفع الشباب إلى التفكير بالبحث عن منزل، وفي أحيان كثيرة تصل المشكلة إلى مرحلة الطلاق قبل الانتقال إلى بيت مستقل. وزارة العدل العراقية أكدت في تقاريرها الصادرة بداية العام حول ارتفاع نسب الطلاق بين الشباب في العراق، أن ازمة السكن هي احد أهم أسباب الطلاق في العراق، وأن سكن الأزواج مع أسرة الزوج أو أسرة الزوجة وعدم تمكنهم من الانفصال في سكن مستقل بسبب الوضع الاقتصادي، من اسباب حدوث الانفصال. شباب آخرون يلجأون إلى نقل وظائفهم إلى محافظات ومدن خارج العاصمة لأن تكاليف إيجارات السكن هناك تنخفض إلى النصف أو أكثر مقارنة بما هي عليه في العاصمة، فضلاً عن أن تكاليف المعيشة تمكنهم من مواصلة حياتهم بيسر هناك.