حقق الحزب الحاكم في اليمن المؤتمر الشعبي العام انتصاراً سياسياً كبيراً على غريمه الاسلامي - المعارض التجمع اليمني للاصلاح بعد قرار الحكومة الثلثاء الماضي إلغاء تبعية المعاهد العلمية الدينية ل"الاصلاح" ودمج موازنتها السنوية المقدرة بأكثر من 13 بليون ريال يمني سنوياً، ايذاناً بحلها والحد من توسع نشاط "الاصلاح" عبرها بعدما استمر من دون توقف منذ منتصف السبعينات. وبدا الرئيس علي عبدالله صالح كأنه يدفع "المؤتمر" الى مرحلة جديدة بتحميله تبعات قرارات الحكومة المتعلقة بإلغاء المعاهد ودمجها في نظام التعليم العام، كخطوة لاصلاح اوضاع التعليم في البلد، بعيداً عن "الاعتبارات والحسابات الحزبية والمصالح الضيّقة"، كما جاء في كلمته الخميس خلال رئاسته اجتماعاً مشتركاً لمجلس الوزراء واللجنة العامة ل"المؤتمر" والكتلتين البرلمانية ومجلس الشورى، والامانة العامة وهو الاجتماع الاول من نوعه لهذه الهيئات منذ سنوات. وأشاد صالح بقرار الحكومة دمج موازنة المعاهد في موازنة التربية والتعليم واعتبره ايفاءً بوعود "المؤتمر" التي قطعها على نفسه في برنامجه الانتخابي لتكريس المصلحة العليا للوطن. ولم تخف أحزاب المعارضة تأييدها قرارات الحكومة بحل المعاهد، واكد ل"الحياة" مصدر في مجلس التنسيق الأعلى لهذه الاحزاب الذي يتزعمه الحزب الاشتراكي، والتنظيم الوحدوي الناصري أن قرار الحكومة كان جريئاً ومهماً على رغم انه تأخر تسع سنين منذ صدور قانون التعليم العام. وقال المصدر ان الغاء المعاهد تم في وقت اصبح فيه "الاصلاح" مهيئاً لتقبّله. واستبعد ازمة. واضاف "اذا حدثت ازمة فلن تكون قريبة او خطيرة، معتبراً ان جرأة قرار الحكومة اعتمدت على استحقاقات سياسية وحزبية فرضتها نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة والمواجهات العنيفة". وفي هذا السياق أكد ل"الحياة" مصدر مطلع في الحكومة اليمنية أن عدد المواطنين والعاملين في المعاهد العلمية حسب احصائيات 1998 تجاوز 38 ألفاً، بين موظف ومدرّس وعامل، مشيراً الى أن نسبة الموظفين الاداريين تتجاوز عدد المدرسين بحوالى الضعفين، ويؤم المعاهد نحو نصف مليون طالب، وهي منتشرة في جميع المناطق اليمنية، خصوصاً في محافظاتصنعاء وتعز وحجه وعمران وابين وإنب ومأرب وحضرموت، ويتجاوز عددها 1400 معهد يعمل فيها 8 آلاف شخص من دول عربية، خبراء ومدرّسين، وان 95 في المئة من الموظفين ينتمون الى "الاصلاح"، وتكرس تدريس المواد الدينية واللغة العربية، ونشر الدعوة الاسلامية والدفاع عن الدين الاسلامي من خطر الماسونية، والعلمانية، والصهيونية والمذاهب والطوائف الاسلامية التي تتعارض مع المناهج الأصولية السلفية. وبرز تيار معتدل في "الاصلاح" لتهدئة حال التوتر مع الحكم والحزب الحاكم، معتبراً ان هناك خللاً في الوضع التعليمي لا بد من اصلاحه، وأن المعاهد احدى المؤسسات العامة المدعومة بموازنة الدولة، ولا ينبغي تحميل قرارات الحكومة بحلها تبعات ومواقف حزبية ضيقة. وأكد ل"الحياة" عدد من القياديين المعتدلين في "الاصلاح" أن دمج المعاهد في وزارة التربية والتعليم لا يسبب ضرراً بل "نرجو أن تكون الخطوة الأولى لاصلاح المؤسسة التعليمية، والحد من ظاهرة التعليم المذهبي والحزبي المنتشرة في اليمن بحجة وجود المعاهد العلمية وتحصين الأجيال اليمنية بالمواد الدراسية الدينية والوطنية الكافية بالاضافة الى اللغة العربية وهي المواد التي كانت المعاهد تكرس تدريسها". وترى أوساط المعارضة في قرار الحكومة حل المعاهد مؤشراً ايجابياً الى الحديث عن المستقبل والتحديث والاصلاحات الشاملة التي ساهمت الحكومات السابقة في اجهاضها وعجزت عن تنفيذ قوانين بحكم الدستور كقانون التعليم العام الذي ظل مجمداً منذ 1992. وأشارت الى أن المعاهد تم انشاؤها منتصف عام 1975 باتفاق سياسي تحالفي بين حركة الاخوان المسلمين في اليمن الشمال آنذاك والحكم لمواجهة المد الشيوعي القادم من الجنوب وانتهت مبررات بقائها مع تحقيق الوحدة عام 1990 وسقوط المنظومة الاشتراكية العالمية أواخر الثمانينات. ولفتت الى أن عدم تنفيذ قانون التعليم العام الذي ينص على الغاء المعاهد ودمج موازنتها ومناهجها واداراتها منذ عام 1992 كان لاسباب سياسية تحالفية بين "المؤتمر" و"الاصلاح". وفي هذا السياق أكد المصدر الحكومي ان الحكومة ستحل جميع الاشكاليات التي يمكن أن تنتج عن القرار وقال ان موظفي المعاهد وكوادرها الادارية والعلمية والمدرسين اليمنيين ستتم تسوية أوضاعهم كجزء من موظفي الدولة في وزارة التربية والتعليم، ولن يتم اجهاض حقوقهم بل سيعاد ترتيب اوضاعهم الوظيفية في اطار الخدمة المدنية ونظام الوظائف العامة للدولة.