قتلت قذائف الجيش الاسرائيلي الطفلة الفلسطينية ذات الاربعة شهور ايمان حجو وهي في حضن أمها. أم الطفلة اصيبت ايضاً ونُقلت الى المستشفى، وكذلك جدّتها. ثلاثة أجيال في ضربة واحدة. اسرائيل اعتذرت عن الجريمة، الجيش الاسرائيلي اعتذر عن الجريمة، ارييل شارون اعتذر عن الجريمة، ويا ليتهم جميعاً لم يعتذروا، لأن اعتذارهم جاء أفدح من الجريمة نفسها. اعتذارهم يقول ان الفلسطينيين مسؤولون عن مقتل الطفلة، واذا كنتم لا تصدّقون فاسمعوا الحجج: الناطقة باسم الجيش الاسرائيلي الكابتن شارون فينغولد قالت بعد كلمات الأسف التقليدية: "ان هذا الحادث هو نتيجة المواجهة المتواصلة التي دفعنا اليها الفلسطينيون"، وهكذا تقع مسؤولية قتل الطفلة على الفلسطينيين وليس على الجنود الاسرائيليين. ورئيس الوزراء ارييل شارون قال بعد كلمات الاسف التقليدية، ان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات مسؤول عن مقتل الطفلة لأنه "يترك ارهابيين مسلحين يطلقون النار من اماكن مأهولة بالسكان... ويجب عدم السماح لإرهابيين مسلحين بالتخفي وراء الاطفال لإطلاق النار"، وهكذا تقع مسؤولية قتل الطفلة على عاتق ياسر عرفات. ما الذي يفعله الجيش الاسرائيلي اذاً؟ انه يحمي المدنيين الاسرائيليين، انه يقتحم رفح ويحتل بيت حانون ويقتل الاطفال ويجرف الاشجار ليحمي المدنيين الاسرائيليين، وهو لذلك بريء كل البراءة من دم الفلسطينيين ومن دم الاطفال. لقد كانت صورة الطفلة الشهيدة ايمان حجو، وهي معروضة امس على شاشات التلفزيون، قادرة على ان تدمي كل قلب، ولكن شارون شاهد الصور، ثم تناول عشاءه، وشرب الشاي، وذهب لينام بكل هدوء. لماذا؟ لان الفلسطينيين هم المسؤولون عن قتل الطفلة وليس الجيش الاسرائيلي، فالجيش الاسرائيلي نزيه ونظيف واسلحته لا تصيب غير الاشرار الارهابيين. اما أوامر شارون بالرد بقنابل الدبابات، وبالاقتحام والاحتلال والتدمير، وبالمبادرة الى الهجوم بدل الرد على الهجمات فقط... فلا تصيب احداً ولا تضرّ احداً. توجيهات شارون بأن يبادر الضباط الى التصرف في كل موقع من دون انتظار للأوامر، لا تقتل طفلاً ولا تدمّر مدرسة. واذا كانت هذه الوقاحة الاسرائيلية مكشوفة ومفضوحة، فإن الامر الآخر المعيب هو هذا السكوت الاعلامي المريب في الغرب وفي الولاياتالمتحدة بالذات، السكوت عن العنف الاسرائيلي، والاصرار على الحديث عن "العنف الفلسطيني". لقد قدم مفهوم "العنف الفلسطيني" هذا، افضل تغطية اميركية لجرائم شارون، وافضل تشجيع اوروبي لكي لا يرتدع شارون عن غيّه. وبالمقابل فإن الرفض الاميركي والاوروبي للمطلب الفلسطيني بتأمين حماية دولية للشعب الفلسطيني من مدافع شارون ودباباته، شكّل الوجه الآخر لعملية تشجيع شارون على تجريب سياسته، لعلها تمكنه من كسر ارادة الشعب الفلسطيني، وجرّه جرّاً الى طاولة المفاوضات، ليوقّع على "الحل السلمي" الذي تريده اسرائيل، وليتخلى عن القضية الفلسطينية التي تقلق بال اسرائيل وتتحدى وجودها منذ ان وجدت. وتقيم اسرائيل الآن ضجّة اعلامية خصوصاً حول سفينة السلاح التي صادرتها، وتشير بشكل خاص الى ان ارسال هذا السلاح يشكل تطوراً خطيراً جديداً. ولكن لماذا الاستغراب؟ هل يتوقع شارون ان يمارس كل هذا العنف ضد الفلسطينيين في الضفة وغزة، ثم يبقى الفلسطينيون في مناطق اللجوء ساكتين صامتين؟ هل يتوقع شارون ان يضرب الفلسطينيين، وان يمارس قتل الاطفال، من دون ان يتحرك الشارع العربي لنصرة الفلسطينيين؟ لقد أطلق شارون موجة العنف الأعمى وعليه الآن ان يحصد النتائج. والكتّاب الاسرائيليون هم الذين كتبوا وقالوا: لقد هزمناهم عام 1948، وهزمناهم عام 1967، ولكن الشعب الفلسطيني اثبت انه عصي على الكسر.