بدا واضحاً امس ان التصعيد الاسرائيلي الاخير، بما في ذلك محاولة اغتيال القادة الامنيين الفلسطينيين، استهدف بشكل خاص ضرب المساعي المصرية والاردنية لاطلاق معالجة سياسية للوضع الراهن بين الاسرائيليين والفلسطينيين. وتخللت هذا التصعيد تسريبات اسرائيلية مبرمجة عن "زيارة سرية" قام بها رئيس المخابرات المصرية لاسرائيل حيث التقى رئيس الوزراء ارييل شارون. لكن القاهرة نفت بشدة حصول مثل هذه الزيارة. وعكست تصريحات لوزير الخارجية الاسرائيلي شمعون بيريز هاجم فيها مصر والاردن، واعتبرهما غير مؤهلين "كراعيين لعملية السلام"، ضيقاً اسرائيلياً من توصل الرئيس المصري حسني مبارك الى اقناع الرئيس الاميركي جورج بوش بالانتقال من موقف الرافض لأي تدخل الى الموافقة على المشاركة في معالجة التوتر. وتمثل ذلك بعودة الاميركيين الى حضور الاجتماعات الامنية، كما ان التغيير الطفيف الذي طرأ على الموقف الاميركي حصل رغم معارضة جناح في الادارة الاميركية خصوصاً مستشارة الامن القومي كوندوليزا رايس. وعبر وزير الخارجية الاردني عبد الاله الخطيب، في تصريح الى "الحياة" في واشنطن، عن واقع الحال بقوله ان الاردن "يرفض منطق القوة الذي تعتمده الحكومة الاسرائيلية، وادى الى تصعيد خطير للاوضاع، في وقت كان يفترض التعامل مع هذه الاوضاع وفق منظور سياسي يوجد الظروف المناسبة لاستئناف الحوار السياسي واعادة عملية السلام الى مسارها الصحيح". واضاف ان استخدام الاسلحة الثقيلة وتنشيط الاستيطان يشكلان خرقاً خطيراً لأسس عملية السلام ويهددان بنسفها، ومن شأن استمرار هذه الممارسات ان يدفع الشعب الفلسطيني الى ردود فعل تتحمل الحكومة الاسرائيلية نتائجها"، وأكد ان "لا حل امنياً للوضع الحالي والتعامل الامثل للخروج من الازمة هو سياسي وهو وحده الكفيل بمعالجة التوتر". وفي القاهرة اعلن وزير الخارجية السيد عمرو موسى إدانة مصر الكاملة للسياسات الاستيطانية الإسرائيلية، وأكد أن استئناف الحكومة الإسرائيلية للاستيطان، بإعلانها عن تقديم عطاءات لاراضٍ في الضفة الغربيةالمحتلة لبناء 700 منزل لمستوطنين يهود "يشكل استفزازاً واضحاً وفرضاً بالعنف لأوضاع على الشعب الفلسطيني في الاراضي المحتلة بالمخالفة الصريحة والواضحة لأسس السلام وللقانون الدولي". وأكد موسى أنه "ازاء ذلك الاستفزاز لا يمكن ولا يصح أن يلام الشعب الفلسطيني على رد فعله". وكان الجيش الاسرائيلي أطلق صواريخ "أرض-أرض" للمرة الاولى على مواقع لقوات الامن الفلسطينية في قطاع غزة في وقت مبكر امس، ما ادى الى اصابة شرطيين ومدني. وجاء هذا القصف رداً على سقوط 12 قذيفة "هاون" على مستوطنات على امتداد قطاع غزة وداخل اسرائيل. وهذه هي المرة الثانية التي يستخدم فيها فلسطينيون قذائف ال "هاون". وتبنى الجناح العسكري لحركة "الجهاد الاسلامي" المسؤولية عن اطلاق القذائف، معتبرا انها جاءت رداً على اغتيال المسؤول العسكري للحركة اياد حردان في جنين اول من امس. تعديلات على الورقة المصرية - الاردنية؟ وكانت صحيفتا "يديعوت احرونوت" و"هآرتس" بثتا على موقعيهما على الانترنت خبراً عاجلاً عن زيارة رئيس الاستخبارات المصرية عمر سليمان، وقالتا انه وصل سراً ليل الاربعاء الى اسرائيل والتقى شارون في مهمة شخصية كلفه بها الرئيس مبارك، لإطلاع رئيس الوزراء الاسرائيلي على ما اتفق عليه مبارك والرئيس الأميركي جورج بوش. وقالت "يديعوت احرونوت" ان اللقاء بحث في الخطوات الممكنة لتهدئة الوضع والدخول في مفاوضات. ونسبت الى مصادر سياسية في القدس قولها ان مبارك استطاع كسب تأييد بوش لصيغة وقف العنف "بصورة متبادلة" وبخطوات على الأرض متزامنة بين الطرفين. واضافت ان الصيغة تؤكد ان الرئيس الفلسطيني سيمارس كامل تأثيره لخفض مستوى العنف، وبالمقابل تخفف اسرائيل اجراءاتها ضد الفلسطينيين خصوصاً في الاغلاق والنشاطات الاقتصادية. واعتبرت الصحيفة ان مبارك نجح في تغيير الاتجاه الأميركي، فقبل لقائه مع بوش كان الأميركيون يعتبرون ان على الفلسطينيين ان يبدأوا بالخطوة الأولى لتهدئة الوضع وبعد ذلك يطالبون بخطوات اسرائيلية. ونقلت الصحيفة عن مصادر سياسية ان واشنطن تميل الى الاعتماد على دور مصري طالما انها لا تحبذ التدخل بصورة مباشرة. وفي السياق نفسه أشارت المصادر الى ان اللقاء الأمني الاسرائيلي - الفلسطيني الذي عقد ليل الأربعاء - الخميس جاء نتيجة للتدخل المصري. لكن القاهرة نفت ان تكون ارسلت مبعوثاً رفيع المستوى الى إسرائيل، وأكد مصدر مسؤول أنه "لا صحة مطلقاً لما اذاعه راديو إسرائيل نقلاً عن صحيفة "يديعوت احرونوت"، من ان الرئيس المصري حسني مبارك أوفد رئيس المخابرات المصرية سراً الى إسرائيل قبل يومين. وأوضح المصدر أن رئيس المخابرات المصرية "كان ضمن الوفد الرسمي المرافق لمبارك في زيارته لواشنطن وطوال الرحلة وحتى عودته للقاهرة أول من أمس". وحسب مصادر سياسية مطلعة تحدثت الى "الحياة" فإن وسائل الاعلام الإسرائيلية تحاول استثمار تصريح سابق لمبارك أدلى به في سياق حديث مع مجلة "نيوزويك" الاميركية وكشف فيه عن أنه أرسل رئيس المخابرات المصرية الى إسرائيل في إطار اتصالات متبادلة عقب تولي شارون. وجاء تصريح بيريز منسجماً مع معلومات الصحيفتين، إذ قال ان اسرائيل تسلمت "صيغة معدلة" للمبادرة المصرية - الأردنية. ونسبت اليه مصادر صحافية اسرائيلية قوله ان المبادرة قدمت لاسرائيل بشكل "غير رسمي"، مشيراً الى أن بندين من المبادرة "حذفا بسبب رفض الحكومة الاسرائيلية لهما". ويطلب البند الأول من حكومة شارون الاعتراف بتفاهمات طابا التي اتفق على انها تشكل أساساً للمفاوضات. أما الثاني فيتعلق "بمطالبة مصر والأردن بأن تقوما بدور في المفاوضات". وقال بيريز في هجوم حاد على المبادرة العربية ان "مصر والأردن استدعيا سفيريهما في اسرائيل والصحف المصرية والأردنية تنشر مقالات تحريضية والعلاقات التجارية لم تتطور معهما، فليس هناك أي سبب لجعلهما راعيين للعملية السلمية". من جهته رفض مصدر في مكتب شارون التعقيب على نبأ زيارة رئيس الاستخبارات المصرية عمر سليمان. وقال: "لا نعلم بهذه الزيارة".