دفع الثري الاميركي دينيس تيتو عشرين مليون دولار في مقابل سياحة في الفضاء لمدة اسبوع، وانطلق امس مع اثنين من "المحترفين" على متن سفينة روسية ينتظر ان تلتحم غداً بالمحطة الفضائية العالمية. ويغطي المبلغ المدفوع نفقات السفر ذهاباً واياباً واجور الاقامة وثمن الطعام لكنه لا يعطي تيتو حق دخول القسم الاميركي من المحطة، اذ ان وكالة "ناسا" للفضاء رفضت منحه "فيزا" على رغم انه يحمل الجنسية الاميركية. وكان الثري الايطالي الاصل تعاقد مع وكالة الفضاء الروسية على "سياحة" تنقله الى محطة "مير" لكن قراراً بإغراق "مير" في المحيط الهادئ أفشل الخطط. ولم ييأس تيتو، بل وضع موسكو في موقف حرج، فهي قبضت سلفاً وعليها تنفيذ العقد، لذلك تقرر ادراج اسم السائح الفضائي ضمن طاقم روسي يتجه الى المحطة العالمية التي تتحمل الولاياتالمتحدة الجزء الاكبر من نفقاتها تقدر في حال انجاز كل الاعمال ب114 بليون دولار. واحتج الاميركيون متذرعين بأن تيتو لم يتلق التدريب الكافي وقد يمد يده خطأ الى جهاز ما فيعطله، فمن سيتحمل المسؤولية ويدفع الكلفة؟ الروس اعتبروا ذلك حجّة من واشنطن كي تثبت انها صاحبة الكلمة الفضل وكي تستأثر لاحقاً بفتح سجل السياحة الفضائية. وأصرّت موسكو على ان تيتو الذي كان عمل في مختبر فضائي في باسادن في الولاياتالمتحدة ليس رجلاً "جديداً على الكار" وهددت بوقف مشاركتها في البرامج الدولية، مما اضطر واشنطن الى التراجع لكن "ناسا" طلبت تعهداً خطياً من تيتو بتعويض اضرار قد يتسبب فيها، وردّت روسيا هذا الطلب ايضاً، وقال كبير مسؤولي البرامج الفضائية يوري سيميونوف لتيتو لدى توديعه: "أوصيك بألا تفتح بوابة القسم الاميركي" من المحطة الذي لم يحصل على "فيزا" لدخوله، وقد يبقى في السفينة الروسية اذا لم ترق قلوب مواطنيه. ويشارك تيتو الايطالي في الرحلة رائدا فضاء محنّكان هما طلعت موسى بايف ويوري باتورين الذي كان مستشاراً سياسياً لدى الرئيس السابق بوريس يلتسن، لكنه هرب كما يبدو من الكرملين وهمومه ولجأ الى الفضاء على رغم اخطاره. وسيتولى الرواد الثلاثة نقل سفينة انقاذ روسية من طراز "سيوز TM" ستلتحم بالمحطة وتبقى متصلة بها، فيما سيعود تيتو وزميلاه على متن سفينة اخرى من طراز "سيوز 31"، كانت نقلت اول طاقم الى المحطة العالمية. ولن يشارك "السائح" في بحوث علمية لكنه سيلتقط صوراً فوتوغرافية ويصوّر افلاماً عن رحلته يعرضها لاحقاً على اقاربه الذين ودّعوه في مطار بايكونور الفضائي في كازاخستان. وكانت هناك زوجته السابقة وولداه وعشيقته الحسناء دون ابراكان، وسيكون هؤلاء في استقباله عند عودته في 6 ايار مايو اذا لم تحصل مضاعفات، فالسفينة الروسية يجب ان تكون بديلاً من السفينة الاميركية "انديفير" التي كان ينبغي ان تنفصل عن المحطة لكن قراراً اتخذ ببقائها بعد تعطّل ثلاثة اجهزة كومبيوتر مما أعاق الاتصالات بالطاقم الاساسي. ويلمح المسؤولون عن برنامج الفضاء الروسي الى ان هذه "الاعطال" ربما كانت حجّة لمنع سياحة تيتو، لكن انطلاقه في الموعد المحدد جعل الطرف الآخر امام الامر الواقع. وبذلك فتحت روسيا صفحة جديدة في عالم السياحة، وأخذ الراغبون يعربون عن نياتهم في الانضمام الى مواكب السيّاح، وذُكرَ ان السينمائي جيمس كامرون مخرج فيلم "تيتانيك" الشهير أعرب عن رغبته في غزو الفضاء. السياحة الفضائية باتت "باب رزق" لروسيا التي تواجه مصاعب مالية، بعدما كانت موسكو توجه دعوات الى مواطني الدول الحليفة والصديقة، من منغوليا الى سورية وكوبا، للمشاركة في "سياحة" على متن السفن الفضائية من دون المساهمة عملياً في البحوث العلمية التي كان الكثير منها ذا أبعاد عسكرية. وثمة نكتة متداولة تقول ان رائد الفضاء المنغولي عاد من الرحلة بكفّين متورمتين، وحين سُئل عن السبب اجاب: "كلما مددت يدي الى جهاز كان زميلي السوفياتي يضربني ويقول: هذا ليس شغلك". ترى، بأي كفّ سيعود تيتو؟