وحدهم الحمقى والأغبياء والمغفلون من يكرّرون التجارب الفاشلة، وينتظرون بسذاجة نتائج إيجابية مع كلّ محاولة ومغامرة. فأيّ عاقل ومستبصر ومتابع لما حصل في غزّة، والضفة الغربية، عبر مغامرة «طوفان الأقصى» كان يتوقّع استدراكًا ومعالجة توقف حمّام الدم الجاري، وتضع حدًّا لعملية الإبادة الجماعية التي يمارسها الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني الأعزل، بعد أن هيّأت له «حركة حماس» المسوغات لهذه المجزرة، التي ما زالت تقضي على الأخضر واليابس في «القطاع» ومن فعلها هارباً في أنفاق الأرض. وخلافًا لهذا التوقع المنطقي، نهض «حزب الله» بذات المغامرة الطائشة ليضع مصير لبنان في «كف عفريت»، ويجعله رهنًا لتقديرات الآلة العسكرية الإسرائيلية، وتقديراتها الأمنية، وأجندتها السياسية لينتهي بنا المشهد إلى كارثة توشك أن تتحوّل إلى حرب إقليمية إن لم تكن حربًا عالمية ثالثة، بالنّظر إلى كافة الأطراف الإقليمية التي تراقب المشهد بحذر مشوب بتحفّز، ويدها على الزناد. وقناعتي المطلقة بأن تسارع الأحداث الجارية، وتقلّبها، يجعل من العسير وضع نهايات منطقية، أو يرسم مقاربات واقعية قد تنتهي إليها، وذلك لأن خيوط تحريك الأحداث في الأصل مرتهنة بشكل أساسي إلى أجندة خارجية، وبشكل واضح للأجندة «الصفوية» عبر أذرعها الثلاثة «حماس» و«حزب الله» و«جماعة الحوثي» بالعمل على جعلها قوى موازية للسلطات الأساسية في غزةولبنان واليمن، والمحصلة من هذا الوضع الشاذ حالة «الاختطاف» المريب لقضية فلسطين بوصفها قضية العرب والمسلمين المركزية والمتاجرة بها عبر خطاب ديماجوجي مخاتل، تستغله إيران أسوأ استغلال، بتحريك عناصره متى ما أرادت لتحقيق مكاسب ترتبط بمصالحها الخاصة، وأجندتها البرغماتية، راهنة كل المنطقة لنذر حرب بغير أخلاق، وبسقف مفتوح لاحتمالات القضاء على القضية الفلسطينية برمتها وتصفيتها بالكامل. فوحدهم الحمقى والأغبياء والمغفلون من ينتظرون نصرة للقضية الفلسطينية من «الصفوية» والشواهد على ذلك ماثلة على أرض الواقع، فقد ورّطت «حماس» في حرب ماحقة أمام العدو الإسرائيلي، بخطاب التهييج العصابي والنفخ الأجوف والوعود بالنصرة، لينتهي المشهد البائس إلى مسارعة «حماس» إلى المجتمع الدولي بحثًا عمّن «يقنع» إسرائيل بوقف الحرب، وإنهاء هذه الكارثة الإنسانية غير المسبوقة، وكأنّها لم «توقظ الفتنة»، ولم تبدأ الحرب، ولم ترهن شعبها لمصير بالغ الفظاعة والضبابية. وها هو «حزب الله» بذات محركات «العمالة» يضع مصير لبنان بما يماثل الوضع في غزة وربما أكثر فداحة وكارثية حسب مقولات حسن نصر الله الذي دغدغ أحلام المغفلين أنه يطول بيد المعممين حيفا وتل أبيب. من غير المعقول جدلًا أو منطقًا أن يظلّ مصير القضية الفلسطينية ومجريات الأحداث في لبنان رهنًا بيد تنظيمات حزبية. وليتها كانت أحزابًا مرتبطة بتراب بلدانها، ومتماهية مع قضاياها، ومستشعرة لتطلعات شعوبها؛ بل على العكس، فإنها مجرد بيادق في رقعة الشطرنج الإيرانية، ودمى في مسرح العرائس، موفّرة للكيان الصهيوني «أمثل» الظروف لتحقيق أجندته المفخخة، بمساندة دولية عنوانها «حق إسرائيل في الدفاع عن النفس»، وهو دفاع يتجاوز كل الخطوط الحمراء، وتتلاعب به إسرائيل كيفما أرادت، إلى غاية ضرب البنى التحتية المدنية، من مستشفيات، ومدارس، ومراكز إيواء، بحجة أنها مخابئ لقادة حماس وما عليها من عُزّل دروع بشرية لا مناص من إبادتهم، تحقيقًا لأمن إسرائيل، وهو عين ما سيحصل في لبنان مع استمرار الحرب، وإصرار «حزب الله» ومن خلفه إيران على المضي في طريق المغامرة الطائشة، وتمكين الكيان الصهيوني من التوغّل في العمق اللبناني، إلى أبعد ما يتوقعه الجميع، بذات الحجج التي جرف بها «القطاع»، وتحويله إلى رماد وقاعٍ صفصفا. فساذج من يظن أن «إسرائيل» ستكتفي بما فعلته ب«حزب الله»، من تصفية قيادته، واختراقه، وكشف هشاشته الأمنية، وزرع عنصر الشك القاتل بين عناصره، وتركه فريسة للتآكل الداخلي الذي سينخر عموده حد السقوط، وجعله مجرد «خيال مآتة» باذن الله. فالواقع أنها ستحرص على وجوده بهذا الشكل بما يمكنها من إيجاد الذرائع والمسوغات للذهاب أبعد من مجرد القضاء عليه، إلى احتلال لبنان بشكل كامل تحت مبرر «الأمن الإسرائيلي» وستجد الدعم والعون الدولي على هذه الخطوة، طالما هناك مغامرون حمقى ينفّذون الأجندة «الصفوية» بكامل الغباء المريب. إنّ الإسراع في سحب ملف القضية الفلسطينة من قبضة الارتهان «الصفوي»، وتحجيم دور التنظيمات والأحزاب المرتهنة له ضرورة مُلحّة لحلّ هذه القضية العادلة، حلًّا يضمن سلامة وأمن الشعب الفلسطيني في وطن ذي سيادة، كما هو حال كافة دول العالم في عصبة الأممالمتحدة، ويوقف عبث «المتاجرة» بها، والتلاعب بمصير شعب المنطقة لصالح الأجندة الخارجية. فمن غير المعقول أن «أعدل قضية دولية» اليوم يتصدّى لنصرتها العابثون بالمصائر، والمغامرون الحمقى، والمغفلون النافعون. فمن لم يحسن قراءة التوجيه والأمر الإلهي «وأعدوا» لمقابلة عدوّه، ولم يحسن التقدير وقراءة المشهد، ولم يقدّر الأمور بقدرها، ويجعل من قناعته الشخصية، ورغباتها المتبطنة قائدًا ومحركًا له في مغامرته، فلا أقل من وصفه ب«الأحمق والمغفّل»، وليس في هذا أي دعوة للتخذيل أو الارتهان أو تبرير الظلم الذي يقع على الشعب الفلسطيني، ولكنها دعوة لتحكيم العقل، ووضع الأمور في نصابها، والنظر العميق والمستبصر للأمر الرباني «وأعدوا». فإنّ أيّ مواجهة يقدم عليه من يُقدم بغير عدّة؛ فلا معنى لها إلا على اعتبارها محاولة «انتحار»، وزجّ بالشعوب في أتون محرق، ومصير مجهول، ومستقبل غائم وضبابي وهو ما آمل أن يعيه «الحكماء» في لبنان، وقد بدت خطواتهم الأولى في «سحب» الملف من «حزب الله» المترنّح، وإعادة الأمور إلى نصابها بتولّي الجيش مسؤوليته، وبسط سلطان «الدولة» في كافة ربوع الوطن، بما ينزع عن «إسرائيل» المسوغ الذي تكسب به رهان التعاضد العالمي، وتوسّع به من دوائر عملياتها العسكرية لغايات أبعد من المعلن عنها.