المئة يوم الأولى علامة مهمة في طريق أي رئيس أميركي، والأميركيون اليوم يراجعون ما انجز الرئيس جورج بوش وما لم ينجز في تلك الأيام المئة الأولى التي بدأت مع الرئيس فرانكلن ديلانو روزفلت في ولايته الأولى سنة 1933، عندما وعد بإجراءات وقرارات تخرج البلاد من الانهيار الاقتصادي الرهيب الذي عانت منه سنوات. روزفلت انجز ما وعد، وعندما جاء كنيدي الى الحكم سنة 1960 رفض ان يحاسب على المئة يوم الأولى من ولايته خشية المقارنة مع روزفلت، وتحدث في خطاب تسلمه الرئاسة عن "الف يوم" فكان ان دامت رئاسته حوالى ثلاث سنوات، لأنه اغتيل في تشرين الثاني نوفمبر 1963. جورج بوش لم يعد بشيء يحققه في المئة يوم الأولى، وهي فترة يتفق أيضاً على انها شهر عسل بين الرئيس وحزب المعارضة، والصحافة. غير انه وجد نفسه من دون شهر عسل، فقد هاجمه الديموقراطيون عندما أصر على ان الانتعاش الاقتصادي انتهى قبل ان يترك بيل كلينتون البيت الأبيض، ثم اتخذ قرارات، أو مواقف، جعلت الحزب المعارض يدرك انه أمام رئيس يميني، يعتزم ان ينفذ "أجندة" يمينية، فأول قرار له في يومه الأول في البيت الأبيض كان رفض تقديم مساعدات فيدرالية لأي جهات أو مؤسسات تشجع على الاجهاض، وهو موقف يميني أميركي لا يأخذ في الاعتبار دول العالم الثالث الفقيرة حيث تحديد النسل وسيلة أساسية، وربما أولى، لمحاربة الفقر والجهل والمرض. آل فروم، رئيس مجلس القيادة للحزب الديموقراطي، كتب يقول ان بوش "يحكم كمحافظ تقليدي، ايديولوجيته الى يمين الرؤساء الجمهوريين في العقود الأخيرة، بمن فيهم رونالد ريغان. انه يتكلم بتعاطف، ولكن أعماله محافظة". القارئ لا بد يذكر ان احد أشهر شعارات الحملة الانتخابية لبوش كان انه "محافظ متعاطف"، بمعنى انه محافظ يشعر مع الناس، غير ان الديموقراطيين لا يرونه كذلك، ورئيس الأقلية الجمهورية في مجلس النواب ريتشارد غيبهارت، واسمه مطروح لانتخابات 2004، يقول ان الانتخابات الأخيرة انتهت "بالتعادل" بين الحزبين، وافترض الديمقراطيون ان الرئيس الجمهوري سيكون "موحِّداً" الا انه ليس كذلك، وهو يعمل للمصالح الخاصة ولخدمة قاعدته المحافظة. أما السناتور توم داشل، زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، فهو يقول انه بالنظر الى قرارات الرئيس واجراءاته في المئة يوم الأولى، فالديموقراطيون يشعرون بقلق ازاء الالف وثلاثمئة وستين يوماً الباقية من ولايته. الواقع ان بوش يسعى منذ الآن لتهيئة أجواء حملة 2004، أو ان كارل روف، مدير حملته الأخيرة، وهو الآن مستشاره السياسي الأول، بدأ يعد للحملة المقبلة، وقد أنشأ روف فريقاً باسم "فريق الاستراتيجية" من اركان الادارة الجديدة داخل البيت الأبيض، وهم يبحثون في القضايا الكبرى، وما قد يحدث غداً أو بعد غد، أو شهر أو سنة. ورشح عن الفريق انه بدأ يدرس فعلاً موازنة 2003، وانتخابات 2004. ربما كان سبب التبكير في الاستعداد للحملة المقبلة الدرس الذي تركه بوش الأب لابنه، فالأب خسر المعركة لولاية ثانية لأنه بعد حرب تحرير الكويت اعتقد انه "ىستحق" ولاية ثانية، فأهمل الناخبين وترك بيل كلينتون يتقدم عليه. ثم ان الأب كان من وسط الحزب الجمهوري، فلم يتحمس المحافظون له كثيراً. بوش الابن من يمين الحزب، وقد أثبت انه لا ينظر الى هذا اليمين كأقلية متطرفة، ثم انه لا يهمل القضايا المحلية، وقد زار 26 ولاية في الأيام المئة الأولى له في الحكم، وزار المكسيك وكندا. وهو سيزور السويد في حزيران يونيو ليصبح أول رئيس أميركي يزور تلك البلاد. أين الشرق الأوسط والعرب من كل هذا؟ مواقف الادارة من المواجهة بين الفلسطينيين وإسرائيل معروفة، وقد تحدث الرئيس بوش عن "دائرة العنف"، أي العنف من الجانبين، الا انه دعا الفلسطينيين وحدهم الى وقف العنف، وادارته لن تنشط بين الفلسطينيين وإسرائيل الا مضطرة، وبما انه لا يعرف الموضوع، ولا يستطيع الالمام به بسرعة كلينتون، فهو مصرّ على عدم التدخل حتى يرغمه انفجار يهدد المصالح الأميركية على تغيير سياسته. الواقع ان للولايات المتحدة مصالح كثيرة مع العرب، والرئيس بوش، مع خلفيته في العمل في قطاع النفط وكحاكم ولاية تكساس، يهمه الموضوع النفطي كثيراً. وهو كان أعلن اخيراً ان رفع العقوبات الأميركية على ايران وليبيا الآن لتخفيف الضغط على سوق النفط، غير وارد الآن، ما يعني انه وارد في المستقبل، وما يعني كذلك انه يقدم النفط على الأسباب التي جعلت الولاياتالمتحدة تقاطع ايران وليبيا، فهذه الأسباب باقية، كما حددها الأميركيون في حينه، مع اننا نرى فيها عدواناً على البلدين. ربما يصح القول، وقد اكمل جورج بوش الابن مئة يوم في الحكم انه بقي صادقاً مع نفسه وقناعاته، ومخلصاً للجناح المحافظ في حزبه، وهو استفاد كثيراً من خلافات الديموقراطيين، وعدم وجود قيادة واضحة للمعارضة إلا ان الحظ الحسن الذي أوصله الى الحكم قد لا يبقى معه حتى نهاية السنة، أو نهاية سنوات أربع. وأكمل غداً.