شكّل حاكم تكساس جورج ووكر بوش لجنة لاستكشاف فرصه في الانتخابات الرئاسية الأميركية للسنة ألفين. وضمت اللجنة عشرة اشخاص من اتجاهات متنوعة ومن النخبة في الحزب الجمهوري بينهم جورج شولتز، الذي تولى حقيبة الخارجية في عهد الرئيس السابق رونالد ريغان. وبذلك اطلق بوش الإبن حملته الطويلة للفوز بترشيح الحزب الجمهوري في الانتخابات. وتشير الاستطلاعات الى انه الأبرز للفوز بهذا الترشيح كما انه مرشح لإلحاق الهزيمة بمنافسه الديموقراطي المحتمل نائب الرئيس الاميركي آل غور، فمن هو جورج بوش وما هي سياساته؟ يرى كثيرون ان جورج ووكر بوش يمثل افضل فرصة للحزب الجمهوري لاستعادة السيطرة على البيت الابيض في انتخابات السنة ألفين. فهو سياسي ناجح اصبح في تشرين الثاني نوفمبر الماضي اول حاكم لولاية تكساس يُعاد انتخابه. واستطاع ان يحقق ذلك بالتوجه الى الناخبين من اصل اسباني والنساء وأقليات اخرى، بينما احتفظ بولاء الجمهوريين البيض الذكور الذي يمثلون مركز الثقل الاساسي التقليدي في الحزب. وحقق جورج بوش الابن النجاح بمحاكاة فلسفة الرئيس بيل كلينتون باحتلال موقع وسطي بين الحزبين السياسيين. انه النسخة الجمهورية لبيل كلينتون. كان كلينتون توصل الى توليفة سياسية ناجحة عبر التعاون مع الجمهوريين الليبراليين، الذين يُعرفون ب "اتباع كلينتون الجمهوريين"، لتمرير موازنات تحقق التوازن مع خفض الضريبة لخدمة قضايا يؤيدها الديموقراطيون الليبراليون مثل الرعاية الصحية والتقاعد والتعليم. وتمكن جورج ووكر بوش من الفوز في تكساس عبر إستمالة "اتباع بوش الديموقراطيين"، بتمرير موازنات تحقق التوازن مع خفوضات في الضرائب تدعم ايضاً قضايا ليبرالية، مثل زيادة تمويل المدارس العامة في الاحياء الفقيرة. كما تجنب بوش القضايا الاجتماعية التي تثير اشكالات وتستفز المشاعر وتسبب الانقسام، مثل موقف الحزب الجمهوري المتشدد ضد الاجهاض الذي أدى الى ابتعاد اعداد كبيرة من الناخبين على المستوى الوطني. وتمكن كلا الرجلين، بوش وكلينتون، من المناورة بهذه المواقف المتناقضة لايجاد فضاء سياسي ملائم للتحرك والنشاط. تبدأ حكاية جورج ووكر بوش في 1946، عندما ولد في كونكتيكوت، ضمن الوجبة الاولى من جيل "الطفرة السكانية" بعد الحرب العالمية الثانية. وكان والده، الذي اصبح رئيساً لاحقاً، احد ابطال الحرب الذين قلدوا أوسمة وشارك في القتال ضد اليابانيين في المحيط الهادىء. وفي 1947، انتقل بوش الاب مع زوجته وابنه البالغ من العمر سنة واحدة الى تكساس ليبدأ العمل في قطاع النفط المزدهر. والتحق جورج ووكر بمدارس عامة في ميدلاند تكساس. وفي 1953، توفيت اخته روبن التي كان عمرها لا يتجاوز 3 سنوات بعد اصابتها بسرطان الدم. ويُرجع والداه حس الدعابة اللاذع الذي يتصف به الى تلك الفترة، عندما حاول ان يخفف من حزن والديه المكتئبين بسبب فقدان الصغيرة روبن. وهما يشيران الى ان جورج ووكر لم يكف منذ ذلك الحين عن الكلام والمزاح. ويؤكد جورج ووكر وانصاره على انتمائه الصميم الى تكساس، في محاولة لصد الانتقادات التي تعتبر والده دخيلاً من نيو إينغلاند. ويلفت جورج ووكر باستمرار الى انه تلقى دراسته في مدرسة سان جاكينتو الثانوية، لكنه دخل بذلك فئة النخبة. واُرسل منها الى اندوفر في ولاية ماساتشوسيتس حين التحق باكاديمية فيليبس. وانتقل بعدها الى جامعة يال التي تعد من أقدم الجامعات في الولاياتالمتحدة واكثرها شهرة، كما تُعرف باجورها الدراسية الباهظة. وهي ايضاً الكلية الام بالنسبة الى جورج ووكر. والتحق فيها، مثل ابيه تماماً، بجمعية "سكال آند بونز" التي تحيط نشاطها بستار من الكتمان، واُنتخب رئيساً لها. لكنه لم يكن طالباً جيداً، ولم يكمل دراسته الاّ بصعوبة، وعُرف باسرافه في الشراب وشغفه بالنساء الجميلات. وبعد تخرجه في جامعة يال، واجه جورج ووكر بوش مصاعب في حياته. وشغل سلسلة وظائف غير مهمة، كان بينها العمل على منصة نفط في خليج المكسيك. لكنه امضى معظم وقته في التنقل من مكان الى آخر وقيادة السيارات السريعة والافراط في الشراب برفقة النساء. وجاءت نقطة التحول في حياته عندما تزوج في 1977 لورا ويلش، وهي مدرسة وامينة مكتبة من ميدلاند في ولاية تكساس. وقرر بعد زواجهما بوقت قصير ان يخوض انتخابات الكونغرس. ومُنيت حملته الانتخابية بالفشل وخسر السباق، لكنه اصبح شخصاً اكثر جدية. وبادر بعدها إلى تأسيس شركة نفط اسمها "بوش إكسبلوريشن"، وكان اداؤه متقلباً تبعاً لصعود او هبوط اسعار النفط. وبعد دمج شركته بشركة اخرى، اُعلن في 1986 دمج هذه الاخيرة بشركة اكبر هي "هاركن إينرجي كوربوريشن". وحقق الدمج ربحاً مفاجئاً لجورج ووكر جعل منه مليونيراً، لتبتدىء بذلك خرافة كونه رجل اعمال ناجح، وهي عنصر قوة اضافي كبير بالنسبة الى سياسي طموح في الحزب الجمهوري. وعندما فازت شركة "هاركن" التي كانت لا تزال صغيرة بعقد للتنقيب عن النفط في البحرين، خمّن كثيرون ان السبب يرجع الى والد جورج ووكر وهو نائب رئىس الولاياتالمتحدة آنذاك. وفي الوقت نفسه تقريباً، قرر بشكل مفاجئ ان يتوقف عن معاقرة الخمر. ويبدو حسب كل التقارير ان جورج ووكر لم يتناول أي شراب منذ 1986. وابلغ ابن عمه جون إيليس صحيفة "نيويورك تايمز" العام الماضي ان جورج ووكر غيّر نمط حياته بين عشية وضحاها. "كان جورج يواجه مستقبلاً مجهولاً وهو في سن الاربعين. وعندما بلغ عمره 52 عاماً، اصبح يتصدر لائحة المتنافسين على الفوز بترشيح الحزب الجمهوري لخوض الانتخابات الرئاسية. انه تحول مدهش تماماً". ويقلل والده الرئيس السابق بوش ووالدته باربرا من شأن الحديث عن حدوث تحول في حياته، ويشيران الى انهما لم يشعرا اطلاقاً بقلق كبير في شأن جورج ووكر. وقال الرئىس بوش ان ابنه "لم يفقد ابداً وجهته". ويبدي جورج ووكر صراحة في التحدث عن إفراطه في الشراب، لكن تعيّن عليه، حسب ما يبدو، ان يواجه ايضاً مصاعب اخرى. وهو يرفض الاجابة بشكل مباشر كلما سُئل اذا كان تعاطى اطلاقاً مخدرات محظورة. وقال خلال حملته الانتخابية العام الماضي: "كانت هناك اشياء قمت بها تُعد اخطاءً. لكن اعتقد ان جرد الاخطاء هو شىء خاطىء. فهو يبعث باشارات غير صحيحة". واعتبر ان المهم ليس ما فعله او ما لم يفعله خلال الستينات والسبعينات، بل ان يكون الجميع استوعبوا دروس تلك الحقبة. ودعا الى الامتناع عن الشراب او تعاطي المخدرات واقامة العلاقات الجنسية. لا يبدو ان ما يتسم به هذا الموقف من نفاق يقلق جورج ووكر في الوقت الحاضر. فما يهمه فعلاً هو برنامجه في تكساس، الذي يرغب في ان يصفه ب "السياسة المحافظة الرؤوفة" التي تسعى الى اجتذاب الاقليات والفئات المحرومة الى معسكر الجمهوريين. وهو يقول: "انا محافظ. وفلسفة المحافظين لا ينبغي ان تكون مقصورة على اناس محددين ... فيمكنها ان تستقطب ذوي الاصول الاسبانية اذا وضعت بشكل مناسب، وهو بالضبط ما يحتاج الحزب الجمهوري لأن يفعله". واذا كانت هذه الرسالة تحظى بشعبية وسط الديموقراطيين المحافظين فإنها تندرج في عداد المحرمات بالنسبة الى الجمهوريين المحافظين. ويُعتبر الجمهوريون اليمينيون من أشد منتقدي جورج ووكر. فهم يتهمونه بتمرير زيادات في الضرائب في تكساس. وتغيظهم آراؤه المعتدلة والمتسامحة في ما يتعلق بحق المرأة في الاجهاض وعدم استعداده لادانة مثليي الجنس. ويعتقد الجمهوريون المحافظون بقوة ان السبب وراء خسارة مرشحهم في الانتخابات الاخيرة بوب دول هو انه اكتفى باعلان تأييد لفظي لقيم الحزب الاساسية في محاولة عقيمة لمحاكاة موقف كلينتون الوسطي. وسيبذل هؤلاء النشطاء جهوداً كبيرة لضمان فوز مرشح من معسكرهم، مثل المعلق باتريك بوكانان او غاري باوير من "الائتلاف المسيحي" او الناشر ستيف فوربس الذي يدعو الى فرض ضريبة ثابتة. لكن اذا كان هؤلاء يعتقدون انهم سيقصون جورج ووكر عن السباق فإن عليهم ان يعيدوا النظر في حساباتهم. فهو ليس خصماً يسهل التغلب عليه. وخلال ادارة بوش، كان جورج ووكر هو الشخص الذي كلّفه والده ابلاغ جون سنونو مدير موظفي البيت الابيض اللامع ولكن السريع الغضب بأن عليه ان يستقيل من منصبه. ونظم جورج ووكر حملة انتخابية في تكساس امتازت بدرجة عالية من التنظيم والتركيز، اذ تمحورت حول برنامج محكم من أربع نقاط لتحسين الحكم. ولم يحد ابداً عن هذا البرنامج، وحققت الحملة نجاحاً باهراً. كما انه لا يواجه أي صعوبة في تمويل حملته. وتتحدث تقارير كثيرة عن توافد كثير من الشخصيات السياسية والمالية النافذة على مقر الحاكم في تكساس لعرض تأييدهم وحض جورج ووكر على خوض السباق. هكذا، لن يكون المال مشكلة. اخيراً، كما يوضح شقيقه وحاكم فلوريدا جيب بوش، لا يمكن للجناح اليميني المحافظ في الحزب ان ينتصر لان مواقفه لن تمكّن الجمهوريين من استعادة السيطرة على البيت الابيض. ويقول جيب ان "هذه ليست القضايا التي تحرّك مخاوف الناس. وأنا واثق تماماً بان جورج بوش سيحقق نجاحاً كبيراً اذا تمسك بنهجه". كما يتملك جورج ووكر احساس بأن عليه ان يعوّض والده عما لحق به من حيف على ايدي وسائل الاعلام الاميركية والمرشح المستقل من ولاية تكساس روس بيرو نتيجة تخريب حملته الانتخابية في 1992. وهو يصف الانتصار في حرب الخليج على صدام حسين في 1991 بأنه "كان احد انجازات القرن العشرين العظيمة، ولم يدم مفعوله اكثر من حوالى شهر". وهو يعزو ذلك الى الهجمات المتواصلة التي شنتها وسائل الاعلام واشخاص مثل باتريك بوكانان، بالاضافة طبعاً الى المرشح الثالث روس بيرو. في المقابل، يحرص الرئيس السابق جورج بوش على ان ينأى بنفسه عن مساعي ولديه السياسية، وذلك لسبب وجيه. وقال لصحيفة "نيويورك تايمز" اخيراً "جرّبت حظي. انها الآن فرصتهما، وانا مصمم على عدم التدخل. سأقدم لهما الدعم حيثما يطلبان مني ذلك، لكن لن أسبب لهما تعقيدات بشكل غير مقصود". وتكمن المفارقة في ان مجال السياسة الخارجية يمثل اكبر نقطة ضعف لدى جورج ووكر. وهو ما دفعه الى ان يحيط نفسه بمجموعة من مستشاري السياسة الخارجية، واغلبهم من الادارة الثانية لرونالد ريغان او مسؤولين صغار من ادارة بوش. ويتولى كوندوليزا رايس، وهو خبير في شؤون الاتحاد السوفياتي واوروبا الشرقية واحد موظفي مجلس الامن القومي في عهد الرئيس بوش، منصب "منسق" فريق السياسة الخارجية في حملة جورج ووكر الانتخابية. كما يقدم جورج شولتز وزير الخارجية في عهد ريغان وديك تشيني وزير الدفاع في عهد بوش النصح والمشورة له. لكن الملفت اختياره مستشارين ينتميان الى "المحافظين الجدد" و "فرسان الحرب الباردة"، هما بول وولفوفيتز وريتشارد بيرل. وكلاهما من اقوى مؤيدي دولة اسرائيل. ومن ابرز اعضاء فريقه على الجبهة الداخلية لورنس ليندسي الذي سيتولى الشؤون الاقتصادية، وهو مدير سابق لمصرف الاحتياط الفيديرالي وأحد انصار السياسة الاقتصادية الريغانية، وستيف غولدسميث رئيس بلدية إنديانابولس الذي سينسّق الجوانب غير الاقتصادية للسياسة الداخلية. ويتبنى غولدسميث الدعوة الى خصخصة الكثير من الخدمات التي توفرها الحكومة حالياً. والرسالة واضحة: يحاول جورج ووكر ان يكون محافظاً اكثر مما كان عليه حتى الآن في تكساس، او اكثر مما كان عليه والده في البيت الابيض. وسيكون لهذه الهالة المحافظة تأثير حاسم على فرص فوزه في عملية الترشيح المنهكة في الحزب الجمهوري. ويحلم جورج ووكر بأن ينال بسرعة وسهولة، وربما بالتصفيق وحده من دون الحاجة الى اجراء اقتراع، تأييد الحزب الجمهوري لتمثيله في السباق الرئاسي. لكن حقيقة الامر ان اياً من مرشحي الحزب لم يفز في الجولة الاولى من الاقتراع في المؤتمر الانتخابي منذ دوايت د. ايزنهاور في 1952. ويأمل غلاة المحافظين في اقصاء جورج ووكر خلال هذه العملية او، إن امكن، اقناعه بالعدول عن الترشيح بترهيبه من العملية ذاتها. ويتعيّن على الجمهوريين المعتدلين ان يأملوا في الاّ تدفع عملية الترشيح بوش الى اليمين الى درجة تمنعه من استعادة توازنه الوسطي قبل وقت كافٍ من السباق المتوقع في مواجهة نائب الرئيس البرت غور، الذي اختاره الرئىس كلينتون خليفة له والمرشح المحتمل للحزب الديموقراطي.