يولد الارهاب الاسرائيلي المستمر منذ سبعة شهور ضد الشعب الفلسطيني قتلاً وحصاراً وتدميراً واستيطاناً، والنقاش بشأن سبل التصدي له، تجاذباً واستقطاباً حادين في المنطقة. ويتجلى هذا التجاذب بين قطبين تتباين مواقفهما تبايناً كبيراً، اذ ان احدهما يرى ان لا مخرج من الوضع الحالي إلا بوقف المواجهات المسلحة وعودة الطرفين الى طاولة المفاوضات، فيما يرى الثاني ان الخيار الوحيد هو مقاومة الاحتلال الاسرائيلي بالقوة وبدعم الانتفاضة. وفي واقع الاستقطاب الحالي تمثل المبادرة المصرية - الاردنية التي كانت السلطة الفلسطينية قريبة من مضمونها الاصلي محاولة طموحة لوقف بطش رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون بالفلسطينيين تمهيداً لتنفيذ الاتفاقات الموقتة بالتزامن مع التفاوض على قضايا التسوية النهائية. وتعد المبادرة العربية "طموحة" فعلاً اذا قيست بمقياس برنامج شارون وأجندته. فبعدما رفضها في بادئ الأمر، صار الآن يصفها بأنها "مهمة" ويطالب بادخال تغييرات جوهرية عليها تخلصه من متطلباتها الاساسية وتجعلها مسخاً لا صلة له بصورتها الاولى. ومن الواضح ان قصد شارون من وراء اشادته بالمبادرة ومحاولته نسفها في آن هو ايهام الرأي العام الغربي، خصوصاً الاميركي، بأنه لا يهمل العمل الديبلوماسي اهمالاً تاماً. وامعاناً منه في محاولة بث هذا الوهم فإنه يوفد شريكه في الحكم، شمعون بيريز، الى القاهرة وعمان لشرح الشروط الاسرائيلية التي تمثل مبضعاً يبتر أهم عناصر المبادرة. والصورة واضحة: اميركا تحجم عن كبح جماح اسرائيل حتى ولو كان ذلك في حدود حملها على الامتثال لقرارات الاجماع الدولي. وشارون لا يريد للمبادرة الاردنية - المصرية، او اي مبادرة أخرى ان تشترط عليه وقف الاستيطان او التفاوض على قضايا التسوية النهائية. وهو اعلن انه لا يعرض على الفلسطينيين سوى 42 في المئة من اراضيهم، وهي نسبة تخضع اصلاً لسيطرتهم بدرجات متفاوتة حسب تصنيفات اوسلو أ وب وج. اما القطب الثاني، وقد تجلت مواقفه اخيراً في المؤتمر الدولي لدعم الانتفاضة الذي اختتم للتو في طهران، فيرى ان لا بديل من المقاومة لدحر الاحتلال الاسرائيلي. وكما ان في اسرائيل شرائح كبيرة تطالب بفلسطين كلها تحت تسمية "ارض اسرائيل"، فإن بعض القوى التي شاركت في مؤتمر طهران تنادي بتحرير فلسطين من النهر الى البحر. ولا بد ان يتطرق الشك الى مواقف القطبين. ذلك ان المطالبين بالعودة الى التفاوض يبدون عاجزين عن تجنيد الدعم الاميركي لمبادرتهم وتبدو ساحة الفعل والتأثير امامهم محدودة بالخطوط التي ترسمها واشنطن المتمنعة عن التدخل مع انها طبعاً متدخلة دوماً حتى النخاع دعماً لاسرائيل، تسليحاً وتمويلاً وتغطية سياسية. كما ان دولتي المبادرة، مصر والاردن، مقيدتان ايضاً بالالتزامات المترتبة عن ارتباطهما بمعاهدتي سلام مع اسرائيل. ولا بد من سؤال القطب الداعي الى مقارعة القوة بالقوة عن خططه لتأمين خط امداد للمقاومين بالسلاح وكل اسباب الصمود، وما اذا كانت "دول الطوق" العربية سيفتح بعضها، او كلها، ثغرات في الطوق لتوفير هذا الدعم للمقاتلين. وبين الشكوك في مواقف القطبين يواصل الشعب الفلسطيني تقديم تضحياته.