سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
التباين في الحكومة فرز جديد أم رسالة الى رئيسها بعد تأجيل لقائه مع الأسد ؟ . لحود يعتبر ان من يحكي بغير لغة الدولة يتحدث باسمه والحريري يدعو الى تحمل الجميع مسؤولية المواجهة حتى اقتصادياً
شهدت جلسة مجلس الوزراء اللبناني التي انعقدت عصر أول من أمس فرزاً سياسياً في المواقف والتوجهات بين حلفاء سورية المقربين والرئيس اللبناني اميل لحود من جهة، ورئيس الحكومة رفيق الحريري وحلفائه من جهة ثانية، فيما حاول بعض الوزراء اتخاذ موقف توفيقي، في سجال دار على مفاعيل الوضع الاقليمي. وإذ وجد العارفون ببواطن الأمور ان هذا الفرز طبيعي بعد تأجيل القيادة السورية موعداً للحريري مع الرئيس بشار الأسد كان مقرراً في اليوم نفسه لانعقاد الجلسة، وهو تأجيل جاء عقب اعتبار الحريري أن عملية "حزب الله" في مزارع شبعا السبت الماضي جاءت في توقيت خاطئ، عبر جريدة "المستقبل" فإن مصادر وزارية رجحت أن يكون السجال الذي دار في مجلس الوزراء رسالة بديلة من اللقاء، وأن الفرز السياسي تأجّل ربما الى جلسة أخرى، في انتظار التطورات خصوصاً أن اتصالات التنسيق مستمرة بين الأسد ولحود. ولكن في كل الأحوال، ما حصل يذكّر بأيام خلت من التجاذب داخل الحكومة، أواخر التسعينات. غمز عدد من الوزراء المؤيدين للرئيس اميل لحود وسورية خلال جلسة مجلس الوزراء، عصر الخميس الماضي، من مواقف رئيس الحكومة رفيق الحريري من عملية المقاومة الاسلامية - الجناح العسكري ل"حزب الله" السبت الماضي في منطقة مزارع شبعا. ورد عليهم الحريري ووزراء حلفاء له في الجلسة بعدما ارتفعت حدة الانتقاد المباشر لسياسته على كل الصعد، على رغم ان البيانات الرسمية التي صدرت عقب ارفضاضها تضمنت موقفاً متقارباً لرئيس الجمهورية والحكومة. وإذ تسربت فصول من المناقشات الى وسائل الاعلام بعد ارفضاض الجلسة، على رغم انتهائها بتمنٍ على الوزراء عدم تسريبها، علمت "الحياة" ان رئيس الجمهورية اكتفى ببعض التلميحات حين افتتح الجلسة كاشفاً عن تلقي لبنان وسورية عرضاً بمقايضة الوجود السوري الدائم في لبنان بحماية أمن اسرائيل، رفضاه. وإذ أكد لحود الموقف اللبناني الرسمي المعلن، مع المقاومة وبالتحالف مع سورية، شدد على أن لكل رأيه في التطورات الأخيرة. لكن موقف الدولة معروف وهو اننا ما زلنا في حال حرب مع اسرائيل، ومذكراً بما كان أشار اليه وزير الخارجية الاسرائيلي شمعون بيريز عن سعيه الى مقايضة الوجود السوري بالأمن على حدود اسرائيل، وبأن رئيس الحكومة الحالي آرييل شارون مثل سلفه إيهود باراك. واستند الى تصريحات اسرائيلية للاشارة الى أنهم يعرفون ان ضرب لبنان سيستدرج رداً على شمال اسرائيل. وانتهى لحود الى "التمني على الجميع التزام البيان الوزاري. فإذا تحدث أحد في الشأن الخارجي، بغير موقف الدولة، يكون بذلك يعبّر عن رأيه الشخصي...". وذكّر الحريري بأن القمة العربية في عمان أكدت دعم لبنان في موقفه ودعم سورية ودعم الانتفاضة في فلسطين. وإذ ركز في مداخلته على تقويم الوضع الاقليمي وعلى موضوع الانتفاضة تجنباً للسجال، اعتبر أن العدوان الذي شنه شارون على الرادار السوري هدفه توسيع المواجهة. ودعا الى درس الاحتمالات بدقة، مشدداً على ان التوجهات المقبلة يفترض ان تكون مسؤولية الجميع نظراً الى حراجة الوضع، وبالتالي فإن مجلس الوزراء ككل يفترض ان يكون مطلعاً على كل الأمور ومشاركاً فيها خصوصاً أن المواجهة التي نتوقعها يفترض أن تكون أمنية وعسكرية وسياسية واقتصادية وعلى كل الصعد وبالتنسيق مع سورية. وامتدح كلام لحود في هذا السياق مؤكداً استمرار التزام البيان الوزاري. وأعقبه وزير العمل علي قانصو الحزب السوري القومي الاجتماعي فدعا الى التضامن الوزاري، ملاحظاً وجود التباس في الموقف خلال هذا الاسبوع من خلال ما صدر عن عمليات المقاومة واستمرارها، ما أظهرها كأنها من دون حاضن شرعي، فيما البيان الوزاري يؤكد تبنيها. ودعا الى صدور موقف واضح عن الجلسة في التشديد على دعم المقاومة. وانتقد قانصو وضعنا في خيار بين المقاومة والوضع الاقتصادي أو الرغيف، مطالباً بتأكيد التحالف مع سورية وحق استمرار المقاومة لتحرير مزارع شبعا باعتبارها أرضاً لبنانية محتلة. ورد وزير المهجرين مروان حمادة مذكراً بأن الوحدة الوطنية كانت أمضى سلاح ساعد في انجاح التحرير، داعياً الى بذل الجهد لابقائها. وأوضح ان الموقف من عملية مزارع شبعا الأخيرة ليس ضد المقاومة، بل أن المطلوب التنسيق المتواصل وأخذ مصالح لبنان في المواجهة، فإذا كانت ستكون شاملة يفترض أن تتم على المستويات كافة العسكري والأمني والاجتماعي والسياسي والاقتصادي. ففي المواجهة المستمرة، كما حصل حين استمرت المقاومة لتحرير الجنوب، يفترض تكييف خطواتنا الاقتصادية مع الوضع الذي يتطلب مواصلة المقاومة عملياته. وعليه فنحن كتلة النائب وليد جنبلاط سبق ان طالبنا بتعديل في أولويات الخطوات الاقتصادية في العهد السابق وقد يتطلب الوضع الآن البحث في تغيير الأولويات انسجاماً مع ما تتطلبه المواجهة. وأدلى وزير الداخلية الياس المر، بمداخلة طويلة قال فيها ان وضعنا في خيار بين استمرار المقاومة والقول ان لبنان لا يستطيع ان يتحمل اقتصادياً غير صحيح وغير سليم، ويناقض موقف الدولة. وأضاف: لا أريد أن أناقش ما صدر في جريدة "المستقبل" عن التوقيت الخاطئ لعملية مزارع شبعا لكنني لا أرى رابطاً بين الاقتصاد وعمليات المقاومة. فديون العشرين بليون دولار التي رزح تحتها لبنان، لم تأت خلال عهدك يا فخامة الرئيس، بل في العهد السابق وهي ناجمة ليس عن المقاومة، بل عن الانفاق الكبير والمرتفع والمناخ السياسي السيئ وبالتالي يجب توضيح هذا الأمر. وشدد على التزام موقف الدولة دعم المقاومة وتأييدها، مطالباً بموقف واضح من مجلس الوزراء. وتردد أن الجلسة رفعت، دقائق، إثر هذه المداخلة. وفي وقت تدخل حمادة للتأكيد انه لم يقل ان المقاومة هي وراء التأزم الاقتصادي وذكّر بأن مداخلته شددت على مواصلة دعم المقاومة وتبنيها وليس هذا موضوع نقاش، أدلى وزير الطاقة محمد عبدالحميد بيضون بمداخلة - طويلة بدوره - ضمّنها رؤيته للتطورات في المنطقة، معتبراً ان شارون "خلق وضعاً هو أقرب الى عملية عض اصابع بين اسرائيل والعرب والفلسطينيين وسورية والقضية هي من يتعب أولاً". وأضاف: "نحن واجبنا تعزيز الموقف السوري والثبات على موقفنا وهناك توافق على ذلك من خلال المواقف كلها". وأشار في هذا السياق الى أن المقاومة لا تأتي بقرار حكومي. وانتقد وزير الصحة سليمان فرنجية بدوره موقف الحريري، سائلاً: ما المقصود بالمقاومة الاقتصادية إذا كنا نسمع الحديث عن الوضع الاقتصادي وإعطائه الأولوية على المقاومة العسكرية؟ وكرر ما قاله المر ان التأزم الاقتصادي سببه السياسات السابقة والديون الباهظة وكلفة البنى التحتية. وردّ الحريري على فرنجية مدافعاً عن سياسة اعادة الاعمار التي اتبعها سابقاً ودعا الى المزيد من التضامن الوزاري وعدم تصوير الأمور كأن هناك خلافاً بين من هم على الطاولة، بين فريق مع المقاومة وفريق ضدها. فجميعنا هنا مع المقاومة. وثمة من هم موجودون لم يكونوا في السابق مع المقاومة وهم الآن معها. ولكل منا تاريخ معروف. واذا اعتقدتم ان بهذه الطريقة من نكء الخلافات نواجه اسرائيل فهذا ليس صحيحاً بل علينا تحصين الوضع الداخلي وعبر التضامن داخل الحكومة. وختم انه متفق مع لحود على الموقف الذي أكده، مشيراً الى ان لا علم له بالعرض الذي تلقاه لبنان وتحدث عنه لحود عن مقايضة وجود سورية بحماية أمنها... وأسهب في التحدث عن الجهود التي تبذل لمعالجة الوضع الاقتصادي، مكرراً الحديث عن الحاجة الى ان تشمل حسابات المواجهة الميادين كافة، بما فيها اقتصادياً. وشدد وزير الصناعة جورج افرام على دعم المقاومة لتحرير مزارع شبعا، والسياسة المعلنة للدولة، داعياً الى عدم نسيان وجوب تحقيق المصالحة الوطنية والوفاق وتحقيق النمو الاقتصادي. واقترح وزير الدفاع خليل الهراوي أن يصدر كلام لحود والحريري اللذين عبرا عن سياسة واحدة في بيان مجلس الوزراء، كذلك اعتبر وزير الدولة نزيه بيضون ان هناك تلازماً بين كلام الرئيسين، لكنه اقترح صدور بيان باسم الحكومة لا من وزير الاعلام غازي العريضي. لكن قانصو رأى ان صدوره عن وزير الاعلام يكفي. وأعلن العريضي رفضه التشكيك في موقف الحكومة ورئيسها والخطوات الاقتصادية، معتبراً ان ما دار في الجلسة يخالف مناخ الانفراج الذي خلفته مبادرات عدة منها زيارة لحود بكركي، حيث باتت المبادرة لديه وأصبح الفريق الذي خاض حملة على سورية يسعى الى الحوار، مثلما سبق وقلنا. واعترض على تصوير الأمر على انه انقسام بين من هم مع المقاومة ومع سورية، ومن هم ضدهما. وختم لحود السجال بالدعوة الى عدم ظهور الحكومة منقسمة... مشدداً على التضامن.