بدأ قادة الدول الأميركية اول من امس اعمال قمتهم الثالثة في كيبيك الكندية للبحث في اقامة اكبر منطقة للتجارة الحرة في العالم، فيما باشرت الجماعات المناهضة للعولمة احتجاجاتها على القمة وسط اجراءات امنية مشددة. سيتبنى قادة دول الأميركتين مجموعة من المبادرات في مجالات مهمة مثل تمويل جهود الحد من الفقر وتضييق الفجوة الرقمية. لكن المشروع العملاق الرامي إلى تحويل النصف الغربي من الكرة الأرضية أكبر منطقة تجارة حرة في العالم سيفرض نفسه باعتباره الحدث الأهم بالنسبة للدول المشاركة وكذلك المجموعات المناهضة للعولمة التي بدأت احتجاجات مناهضة للقمة. اذ تعتبر هذه المجموعات أن اتفاقات تحرير التجارة تفيد شرائح صغيرة، فيما تستغل الشركات المتعددة الجنسية العمال المحليين. لكن الرئيس المكسيكي فينسنت فوكس الذي ترتبط بلاده مع الولاياتالمتحدةوكندا باتفاق التبادل الحر لدول أميركا الشمالية دافع عقب وصوله الى كندا عن اتفاقات تحرير التجارة خصوصاً المصانع المقامة على الحدود المكسيكية - الأميركية، مشيراً إلى أن العمال المكسيكيين الذين يعملون في هذه المشاريع يتقاضون أربعة أضعاف الحد الأدنى للأجور في المكسيك التي يعيش 40 في المئة من سكانها في فقر. وتشارك في القمة دول وحكومات الأميركتين الشمالية والجنوبية ومنطقة أميركا الوسطى والبحر الكاريبي، باستثناء كوبا التي لا تزال عضويتها في أبرز التجمعات التمثيلية للأميركتين مجمدة منذ أربعة عقود. وتتركز أعمال المؤتمر في التفاوض على اقتراح قدمه الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون في القمة الأولى التي استضافها في ميامي أواخر عام 1994، يرمي إلى إقامة "منطقة تجارة حرة للأميركتين" بحلول سنة 2005 ما يعني أن نجاح المفاوضين في مهمتهم سيمهد لبروز تكتل تجاري ضخم يضم 34 بلدا بلغ تعداد سكانها في العام الماضي نحو 800 مليون نسمة واقترب حجم مبادلاتها التجارية من ثلاثة تريليونات دولار. وأكدت مصادر قريبة من مؤتمر كيبيك أن قادة الدول المشاركة سيعلنون في بيانهم الختامي مساء غد التزامهم العمل على إقامة منطقة التجارة الحرة المقترحة في الموعد المحدد وهو ما سبق أن أكده الرئيس جورج بوش الذي قال في كلمة ألقاها أمام اجتماع عقدته منظمة الدول الأميركية في واشنطن الثلثاء الماضي: "ما سنفعله في كيبيك سيضاهي أي شيء في أهميته وآثاره البعيدة المدى". وينتظر أن تنعكس تأكيدات بوش إيجاباً على القمة لا سيما تأكيده المتعلق بجهود يبذلها للحصول على تصريح من الكونغرس للتفاوض على الاتفاقات التجارية، ما من شأنه تسريع عقد الاتفاقات بموجب التزام المشرعين الأميركيين التصويت على الاتفاقات المفاوض عليها بلا تعديل. وكان كلينتون حصل على تصريح مماثل مكّنه من النجاح في مفاوضات اتفاق نافتا. وعلى رغم فشله في تجديد هذا التصريح بعدما انتهت صلاحيته عام 1994 إلا أن الصيغة الجديدة للكونغرس تجعل فرصة بوش أفضل من سابقه. لكن المراقبين لفتوا إلى عقبات كبيرة لا بد من تجاوزها لضمان التوصل إلى إتفاق منطقة التجارة الحرة المقترحة في الموعد المحدد. وقال رئيس مصرف التنمية الأميركي إنريك إليسياس في مؤتمر صحافي: "لا بد أن تكون الولاياتالمتحدةوكندا مستعدتين لفتح أسواقهما أمام أميركا اللاتينية من دون الاصرار على تضمين الاتفاق مقاييس متشددة في مجالي العمل والبيئة، ولا بد أيضاً أن تساعدا في تمويل البرامج الاجتماعية والاقتصادية لتمكين الدول الفقيرة من التنافس على قدم المساواة". وأشار مدير لجنة الأممالمتحدة في أميركا اللاتينية والكاريبي إنيس بوستيلو الذي تحدث أيضا في مؤتمر صحافي إلى عقبات تواجهها دول المنطقة، وقال: "إنه لأمر حيوي أن تعمل هذه الدول على خفض انكشافها على الأزمات المالية الدولية والتركيز على الاستثمار في التعليم وبرامج شبكة الأمان الاجتماعي الأخرى وكذلك تعديل نظمها الضريبية لاجتذاب الاستثمارات". وأبرز رئيس الوزراء الكندي جان كريتيان عاملاً إضافياً مثيراً للجدل مشيراً إلى احتمال أن يتضمن البيان الختامي لمؤتمر القمة بندا يحدد تطبيق الديموقراطية شرطاً للانضمام إلى منطقة التجارة الحرة المقترحة. وقال في تصريحات للصحافيين عقب محادثات عقدها مع الرئيس المكسيكي: "يتحتم على الدول احترام حقوق الانسان وتعميق الحريات الأساسية والدول التي لا تفعل ذلك لن تصبح أعضاء في النادي". إلا أن المراقبين يرون في المقابل أن تحقيق هدف قادة دول الأميركتين أصبح أكثر سهولة من أي وقت مضى بسبب تحمس الكثير من هذه الدول لعقد اتفاقات التبادل الحر الثنائية والمتعددة الأطراف في ما بينها، إذ علاوة على المنظمات الاقليمية الخمس القائمة في المنطقة مثل "نافتا" و"ميركسور" شهدت الاعوام الماضية توقيع اتفاق تبادل حر بين كندا وكل من كوستاريكاوتشيلي واخر بين المكسيك وكل من تشيلي والسلفادور وغواتيمالا ودول أخرى.