قبل أن تنسحب إسرائيل من جنوبلبنان العام الماضي، كان "حزب الله" يصر على أن توقيت عملياته لا يرتبط بالاحداث السياسية في المنطقة وانما بواقع مسرح العمليات وقدرة رجال المقاومة على الوصول الى قوات الاحتلال ومواقع "جيش لبنانالجنوبي". وطوال فترة الاحتلال كانت حكومات اسرائيل المتتالية في حيرة دائمة، كما عبر وزراء الخارجية الاميركيون عن هذه الحيرة، وانعكس ذلك في عدم فهم الرسائل التي توجهها سورية وطهران، أو "حزب الله" باسمهما. هذا ما جعل الولاياتالمتحدة واسرائيل تعتقدان بأن الحزب يخدم السياسة الايرانية، ولكن في استطاعة سورية ان توقف الامدادات العسكرية له عبر أراضيها والحد من سيطرته من خلال استخدام نفوذها الواسع في لبنان. ولكن بعد انسحاب اسرائيل من معظم الاراضي اللبنانية التي كانت تحتلها وقبول لبنان ب"الخط الازرق" التي رسمته الاممالمتحدة مع تسجيله تحفظاً عن ابقاء مزارع شبعا محتلة، باتت الدولة العبرية تنظر الى عمليات المقاومة الاسلامية، الذراع العسكرية ل"حزب الله"، نظرة مختلفة. ومن الواضح ان آرييل شارون قرر التعامل مع هذا الواقع من النقطة التي توقف عندها سلفه ايهود باراك الذي كان وجّه انذاراً الى لبنان وسورية اثر احتجاز هذه المقاومة الجنود الثلاثة قبل بضعة شهور. ووجهة النظر الاسرائيلية التي تعمم في واشنطن حالياً هي أن نشاطات "حزب الله" تخضع لموافقة سورية مسبقة، لأن مواصلته ضرب المواقع الاسرائيلية من أجل تحرير مزارع شبعا "لا تخدم المصالح اللبنانية"، وفقاً لتعبير مصدر ديبلوماسي مطلع. وترى أوساط في الادارة الاميركية ان عمليات الحزب ترمي الى الابقاء على المسار اللبناني - الاسرائيلي حاراً فتتولى سورية ادارته لدعم اوراقها التفاوضية في حال استؤنفت عملية السلام. ودعمت اسرائيل حججها بالادعاء ان استخباراتها تملك تسجيلاً صوتياً لاتصال هاتفي جرى بين مرجع سوري كبير والامين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله، عشية عملية خطف الجنود الاسرائيليين الثلاثة. ومن الحجج التي استخدمتها لاقناع واشنطن بطبيعة العلاقة بين الطرفين المهرجان الحاشد الذي أقامه الحزب قبل اسبوعين في ضاحية بيروت ودافع فيه زعيمه عن الوجود السوري في لبنان. وتفيد مصادر ديبلوماسية أن حكومة شارون ابلغت واشنطن توجهها الى اعتبار سورية مسؤولة عن عمليات المقاومة، وأنها ستتصرف على هذا الاساس. وجاءت الغارات الاسرائيلية على موقع الرادار السوري في ضهر البيدر لترجمة هذا التوجه الشاروني. وهو يختلف عن توجهات الحكومات الاسرائيلية السابقة التي كانت تلوم دمشق وتنتقم من اهداف لبنانية مدنية. لكن هذه الاسلوب الاسرائيلي الجديد في التعاطي مع عمليات "حزب الله" سيشكل احراجاً لإدارة الرئيس جورج بوش في هذه المرحلة، اذ أنها تسعى إلى كسب تأييد سورية في تسويقها "العقوبات الذكية" على العراق، خصوصاً ان مساعد وزير الخارجية نيد ووكر سيزور دمشق في الايام المقبلة للبحث مع المسؤولين السوريين في الافكار الاميركية بالنسبة الى تخفيف العقوبات في ما يتعلق بالسلع المدنية وتشديدها على مواد عسكرية. وليس واضحاً حتى الآن هل اطلعت اسرائيل واشنطن سلفاً على قرارها ضرب الرادار السوري ومتى أبلغتها، ولكن من الثابت ان واشنطن ستستغل الغارة على الرادار لاقناع دمشق بضرورة وقف عمليات المقاومة في الجنوب، وايضاً للتلويح بتهديد مبطن لها إذا لم تجارِ السياسة الاميركية في ما يتعلق بالعقوبات على العراق. وكان شارون تعهد خلال زيارته واشنطن ألا تفاجئ حكومته الولاياتالمتحدة بأي خطوات، وأن تبقي الادارة الاميركية على اطلاع على خطواتها. ومع تزايد الاحداث وتسارعها في الشرق الاوسط تجد واشنطن نفسها مرغمة على الانغماس في ملف السلام في الشرق الاوسط، والانخراط مجدداً في عمليته المتعثرة. وفي هذا الاطار يتزايد الحديث عن امكان ان يعيّن الرئيس بوش مبعوثاً جديداً الى المنطقة لمتابعة ملف السلام.