كعادتهم في حرق الدمي الكريهة يوم شم النسيم، من كل عام، أعد شباب مدينتي بورسعيد والاسماعيلية المتاخمتين لقناة السويس دمية لرئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون للطواف بها في الشوارع ثم حرقها. وهي عادة أخلص لها أهل المدينتين، خصوصاً بورسعيد على مدى 84 عاماً، ولم تشغلهم عنها حتى حرب الفسيخ المتكررة سنوياً مع الحكومة. بدأت عادة "حرق أعداء الشعب المصري" بدمية اللورد الانكليزي اللنبي منذ عُين عام 1917 قائداً عاماً للقوات البريطانية في الشرق الاوسط واتخذ من القاهرة مركزاً له. واذا كانت بريطانيا اعتبرت اللنبي عسكرياً ناجحاً، فإن حرق دميته في شوارع بورسعيد كان رد فعل مصرياً على السلوك العدواني لجنود اللنبي ضد أهل المدينة. وقد فشل اللنبي في مهمته الرئيسية، وهي قمع ثورة 1919، وصادفت مغادرته مصر يوم الاثنين 15 نيسان ابريل 1925 من ميناء بورسعيد وفي يوم شم النسيم نفسه. ويرجع مؤرخون هذه العادة الى خبرات اكتسبها أهل المدينة من ابناء الجالية اليونانية في بورسعيد الذين كانوا يحرقون دمية يهوذا أمام كنيسة سان جورج في الحي الافرنجي ليلة عيد القيامة وشم النسيم هو اليوم التالي للعيد وهي العادة التي منعها الانكليز بعد احتلالهم مصر عام 1882، ولم تستثن دمية اللنبي من الحرق إلا مرات، وهي بالتحديد عندما يحل شم النسيم في شهر رمضان المبارك لاعتقاد المسلمين المصريين بأن الشياطين، ومنها دمية اللنبي، تحبس في رمضان بأمر إلهي. وعلى هذا لم تحرق دميته اعوام 89 و90 و1991 وهي الاعوام التي ارتاحت فيها شرطة المدينة من حال الطوارئ خشية حدوث حرائق. ومنذ العام 1995 ومع دخول الغاز الطبيعي الى 95 في المئة من المنازل دأبت الشرطة على توجيه نداءات للمواطنين للتخلي عن عادة حرق الدمى التي شملت في سنوات كثيرة شخصيات كريهة اخرى مع اللنبي، مثل غولدا مائير وموشي دايان وغيرهما. وتحبذ السلطات اقامة مهرجانات فولكلورية في الحدائق والشواطئ بدلاً من حرق الدمى المصنوعة من بقايا أقمشة وأوراق بعد وضعها في أقفاص خشبية واستخدام مكبرات الصوت "ميكروفونات" لسب اللنبي "يا اللنبي يا ابن النبوحه ومراتك حلوة ومفضوحة". وكانت شرطة بورسعيد نفذت خطة أمنية محكمة العام الماضي لإلغاء "كرنفال اللنبي"، فيما امتدت عادة حرق دميته الى مدن القناة الاخرى مثل الاسماعيلية. وقد حافظت هذه المدن على عادتها رغم التطورات، التي طرأت عليها، كما ان رموزها المشؤومة تتغير. و"اللنبي" السنة الحالية هو شارون الذي تذكره هذه المدن جيداً، فهو نفسه قائد القوات الاسرائيلية التي أحدثت ثغرة الدفرسوار شمال الاسماعيلية في حرب تشرين الاول اكتوبر 1973 وسفاح صبرا وشاتيلا في لبنان عام 1982 ودميته لن تحرق لهذا السبب وحده إنما لتأجج مشاعر الكراهية ضده منذ زيارته المشؤومة لساحة المسجد الاقصى. ويقول نائب بورسعيد البدري فرغلي إن أحداً "لا يخطط لاختيار من يحرقونه إنما هي مشاعر شعبية عفوية ضد من يشعر المصريون بكراهيته بسبب عدوانه علىهم"، من هنا وحسب فرغلي فإن "شارون مثل بن غوريون الذي سبق وحرقه أهالي بورسعيد عقب العدوان الثلاثي العام 1956 على مصر". وإذا كان كرنفال حرق "اللنبي" شارون يخضع لمحاصرة الشرطة ومطارداتها، فإن حرب الفسيخ في بر مصر على قدم وساق منذ أكثر من اسبوع. وتعود عادة أكل الفسيخ والبيض الملون والبصل الى خمسة آلاف عام، بدأها الفراعنة واستمرت بعدهم، إلا أن وزير الصحة الدكتور اسماعيل سلام وجه تحذيراً من الاسماك المملحة والمدخنة الرنجة ومن بينها الفسيخ، ودعا الى تشديد وتكثيف الرقابة الصحية على محلات عرضها فصودرت اطنان من الفسيخ وأغلقت محال تجارية متخصصة في بيعها. ورغم ذلك فإن أهل القناة حرقوا الدمية وأكلوا الفسيخ وفتحت أقسام الطوارئ في المستشفيات أبوابها الواسعة.