بعد يوم حافل لرئيس الكنيسة الكاثوليكية البابا بينيديكتوس السادس عشر في برلين الخميس واستقباله كرئيس دولة من جانب المسؤولين الألمان، وترؤسه قداساً ضم عشرات الآلاف في ملعب لكرة القدم، وإجرائه لقاءين مع مسؤولين يهود ومسلمين، واصل البابا أمس القسم الثاني من زيارته لبلده. ولم تخل الزيارة من احتجاجات إذ تظاهر الآلاف ضده وقاطعه عشرات النواب خلال إلقاءه كلمته في البرلمان استنكاراً لمواقفه المحافظة جداً بحسب رأيهم. ووصل البابا أمس إلى ولاية تورينغن لإجراء لقاء هام فيها مع ممثلي الكنيسة البروتستانتية الألمانية في محاولة أخرى للتقريب بين الكنيستين وتأطير التعاون بينهما، وهو أمر كان يتحفظ البابا عليه كثيراً. ومن هنا فإن الترقب كبير من جانب أتباع الكنيستين، بخاصة أن اللقاء سيعقد في دير أوغوستين التاريخي حيث عاش فيه مؤسس المذهب البروتستانتي مارتين لوثر قبل 500 سنة كراهب كاثوليكي قبل أن ينقلب على الفاتيكان. وأعرب رئيس مجلس الكنيسة البروتستانتية نيكولاس شنايدر عن أمله في أن يسفر اللقاء عن إرساء تفاهم أكبر بين الكنيستين. يذكر أن التعاون الكنسي بين كهنة المذهبين في ألمانيا تعزز في السنوات الماضية على رغم معارضة البابا له، وهو لم يشر في الكلمات التي ألقاها أول من أمس ولا لمرة واحدة إلى أهمية هذا التعاون على رغم تركيز كاردينال برلين الكاثوليكي بصورة واضحة على ذلك في كلمة الترحيب به قبل القداس الجماهيري. ولا يوجد بلد مسيحي في العالم أكثر انتقاداً لرئيس الكنيسة الكاثوليكية البابا بينيديكتوس السادس عشر أكثر من بلده ألمانيا التي كلما يزورها تسيَّر أطراف منتقدة له إلى جانب مظاهر الترحيب الرسمي والشعبي به التي بدأت أول من أمس تظاهرات ضده بسبب مواقفه المحافظة جداً إزاء الدين والحياة، وزواج الكهنة، وموانع الحمل والإجهاض، والتعاطي مع المثليين وصمته عن الاعتداءات الجنسية على الأطفال من جانب كهنة. ومنذ اعتلاء البابا الحالي سدة الفاتيكان غادر آلاف الكاثوليك الألمان كنيستهم احتجاجاً على مواقفها الجامدة. وإذا كان البابا زار بلده ألمانيا ثلاث مرات حتى الآن فان زيارته الرابعة هذه تأتي في إطار زيارة دولة شاءتها الحكومة الألمانية لكي تعطيه فرصة التحدث أمام البرلمان الاتحادي على رغم اعتراض من نواب كثر على ذلك، تجلى في مقاطعة نحو 70 نائباً عن سماع كلمته وانضمام الكثيرين منهم للمحتجين على مواقفه التي يعتبرون أنها لا تتناسب مع تطورات العصر ومتطلباته. وبغض النظر عن الترحيب البروتوكولي بالخطاب الذي ألقاه في البرلمان فقد خيّبت كلمته التي تناول فيها الدين والإيمان من وجهة نظر فلسفية بحتة، أمل الكثيرين الذين كانوا ينتظرون سماع أجوبة الفاتيكان عن أسئلة العصر. ولم يرد البابا بكلمة واحدة على بعض هذه الأسئلة التي طرحها رئيس البرلمان نوربرت لامرت في كلمته الترحيبية، الأمر الذي أثار استغراب النواب الحاضرين. ورأى مطلعون هنا على أسلوب البابا أن هذه هي طريقته في التهرب من خوض المواضيع الساخنة التي يرفض المساومة فيها. لقاء مع المسلمين وعلم أن اللقاء الذي حصل مع ممثلي المسلمين في ألمانيا بعيداً عن الإعلام تميّز بروح التفاهم والانفتاح على الآخر. وجاء في الكلمة المعدة التي ألقاها البابا في اللقاء إن المسلمين في ألمانيا «أصبحوا ملمحاً متميزاً في هذا المجتمع منذ سبعينات القرن الماضي». وذكّرت هذه الكلمات بكلام مماثل قاله رئيس الدولة كريستيان فولف العام الماضي أثار غضب المحافظين الشديد ورفضهم له في حينه. وحضّ البابا الجميع على «تعميق التعارف بصورة أفضل باستمرار، وفهم الآخر». وشدد «على الأهمية الكبيرة التي يعيرها المسلمون للبعد الديني في حياتهم في وقت يعتبرها البعض استفزازاً»، مشيراً إلى أن الكاثوليك يعطون البعد الديني بدورهم ذات النظرة، لكنه شدد في هذا المجال على أهمية احترام الآخر مهما كان الأمر. وشارك في اللقاء رئيس المجلس الأعلى للمسلمين أيمن مزيّك وأعضاء مجلس اتحاد المسلمين الأتراك.