بات مصير الحكومة الروسية غامضاً بعد ان انضمت كتلة "الوحدة" الموالية للكرملين الى الشيوعيين في الدعوة الى حجب الثقة عن حكومة رئيس الوزراء ميخائيل كاسيانوف، إلا ان قادة الكتلة قالوا إن هدفهم النهائي هو حل البرلمان وليس إسقاط الحكومة. وهذا السيناريو الذي يعد أقرب الى المسرح العبثي منه الى الحياة السياسية، سيكون محوراً لمناقشات حجب الثقة التي قررت رئاسة مجلس الدوما النواب ان تجرى في 14 الشهر الجاري. ومعلوم ان الشيوعيين كانوا اعلنوا نيتهم طرح حجب الثقة عن الحكومة التي اتهموها بالتقصير والفشل في معالجة الأوضاع الاقتصادية وحملوها مسؤولية انقطاع الكهرباء عن مناطق شمالية. وذكروا انها اتخذت قراراً ب"إعدام" المحطة الفضائية "مير" إكراماً للأميركيين. واعتبر المراقبون ان الشيوعيين قاموا بمناورة هدفها كسب أصوات الناخبين ووقف التصدع داخل حزبهم من دون ان يخسروا شيئاً فهم يعرفون سلفاً انهما لا يملكون غالبية ال226 صوتاً المطلوبة في المجلس النيابي لاستصدار قرار بإسقاط الحكومة. ورأى محللون ان الشيوعيين كانوا يعرفون ان الرئيس فلاديمير بوتين ينوي إجراء تعديل وزاري، لذا فإنهم عقدوا الآمال على تصوير هذا التعديل وكأنه تم تحت "ضغط" القوى اليسارية التي ترغب في ان يكون لها موقع في التشكيلة الوزارية الجديدة. وبدا ان الأمور تسير ضمن هذا السيناريو "الباهت" إلا ان تحولاً مفاجئاً طرأ بعد ان أعلن زعيم "الوحدة" بوريس غويزلوف انه ينوي "تأديب" الشيوعيين... بالانضمام اليهم. وفكرة هذه الكتلة الموالية للكرملين تتلخص في معادلة غريبة هي: نؤيد الحكومة ولذا سنصوت لحجب الثقة عنها بغية حل البرلمان. وأوضح غريزلوف ان الشيوعيين إذا لم يتراجعوا عن قرارهم فإن قرار حجب الثقة سيحصل على الغالبية، بتأييد من "الوحدة" وسيكون رئيس الدولة مخيراً، بموجب الدستور بين إقالة الحكومة وحل البرلمان وسيختار "الحل" الثاني. وأضاف غريزلوف ان انتخابات برلمانية مبكرة تجرى في ايلول سبتمبر ستجعل "الوحدة" التي حصلت في انتخابات 1999 على زهاء 24 في المئة، تزيد حصتها الى 40 أو 45 في المئة على حساب الشيوعيين وحلفائهم. ولكن الشيوعيين لم يتراجعوا وأصروا في اجتماع لقيادة البرلمان امس على الاستمرار في إجراءات حجب الثقة وأعلن زعيم الحزب غينادي زيوغانوف انه "يشعر بالامتنان" للكتلة الموالية للسلطة لأنها سوف تعينه في إسقاط "حكومة العشائر والتكتلات والعائلة اليلتسينية". وظهر خلاف داخل قيادة "الوحدة"، إذ اعلنت ليوبوف سليسكا نائبة رئيس البرلمان وهي من أبرز كوادر الكتلة انها تعارض بشدة "الهزات الاجتماعية". وأشار غينادي رايكوف زعيم كتلة "نواب الشعب" الحليفة ل"الوحدة" انه يعتبر مشاركة القوى الموالية للحكومة في إسقاطها "عملاً لا يقوم على منطق". والتزم الكرملين الصمت المطبق حيال المبادرة الصادرة عن كتلة تعتبر ركيزته الأساسية، وأشار سيرغي ايفانينكو نائب رئيس كتلة "يابلوكو" الليبرالية الى أن الكرملين ربما أراد "توريط" حلفائه بهدف التخلص من الحكومة والبرلمان معاً. وأشارت مصادر مطلعة الى أنه وراء هذه المناورة مستشار الرئيس غليب بافلوفسكي الذي أراد على حد تعبير المعلقين "الانتقال من لعبة الشطرنج السياسي الى البوكر" وحاول أن يخيف الشيوعيين باحتمالات حل البرلمان لثنيهم عن المطالبة بحجب الثقة. لكن بافلوفسكي نفسه دعا امس رئيس الدولة الى "استثمار الفرصة". وقال إن حل المجلس النيابي وإجراء انتخابات مبكرة سيؤدي الى قيام برلمان يميني "يمثل الوجه الجديد لروسيا بوتين" ويكون "بداية النهاية" للحزب الشيوعي. إلا أن ساسة كثيرين حذروا من اللعب بالنار وقال النائب الكسندر شوخين إن حساب الحقل قد لا يطابق حساب البيدر.