لحظة يرتطم نظر القارئ بعنوان هذه الحلقة، لا بد من ان يطرح السؤال الآتي: صحيفة بيروتية... ومؤسسها يهودي بيروتي من حيّ "وادي أبو جميل". فكيف تعتبر حلقة في سلسلة الدوريات الفلسطينية؟ صحيح ان احدى الحلقات تمحورت على صحافي لبناني كأحمد عباس، ولكن صحيفته "اليرموك" صدرت في فلسطين، وكان جزء كبير من أخبارها ومقالاتها فلسطينياً، وان حلقة أخرى تناولت جريدة "الشورى" التي صدرت في القاهرة. إلا ان صاحبها محمد علي الطاهر فلسطيني، وخصص للمسألة الفلسطينية حيّزاً في كل عدد من صحيفته. إذا كان مقياس ادراج الصحيفة في لائحة الدوريات الفلسطينية مضمونها، فإن "العالم الإسرائيلي"، التي خصصت معظم صفحات اعدادها من أجل "فلسطين اليهودية" على حدّ تعبير محررها الأول الياهو ساسون، فرضت نفسها على هذه السلسلة. فالصحيفة التي أعلن صاحبها سليم إلياهو منّ انها "علمية أدبية اخبارية تصدر موقتاً مرة في الأسبوع" لم تتضمن أخباراً أو مقالات أدبية أو علمية... في حين لم يخلُ عدد واحد منها، بدءاً من عددها الأول الصادر في غرة أيلول سبتمبر 1921، من أخبار ومقالات تستهدف استيطان فلسطين. فقد احتلت المقالة المعنونة "تيودور هرتزل" صفحة كاملة من باكورة أعداد المجلة أو بالأحرى الصحيفة، كل شيء فيها - ما عدا صاحبها - يؤكد انها صحيفة بدءاًَ من ترويستها ومروراً بأعمدة صفحاتها، وانتهاء بالوعد الذي تكرر بأنها أسبوعية موقتاً، إذ نقرأ الآتي "الأمل في عودة اسرائيل الى فلسطين لم يأخذ شكله العلمي ثم العملي إلا بذلك المفكر العظيم تيودور هرتزل". ومن أخبار الصحيفة التي تبعد ملايين الكيلومترات عن الأدب والفن ما نشر في العدد الصادر بتاريخ 25 كانون الثاني يناير 1923 عن يهودي عراقي من آل قدوري الذي أوصى "بمبلغ 120 ألفاً من الجنيهات السترلينية لبناء مدارس يهودية في فلسطين، ويعهد الى الحكومة الانكليزية القيام بهذا العمل... وقد تألفت لجنة من ستة أعضاء: ثلاثة من قِبل الحكومة وثلاثة من الهيئة الصهيونية". أما الافتتاحيات والمقالات المتمحورة على تهويد فلسطين، فحدّث ولا حرج حول عددها الكبير وعيار صهيونيتها الرفيع. تحت عنوان "فرنسا والصهيونية" قال الكاتب الصهيوني بوزاكلو في 10 تشرين الثاني نوفمبر 1921 ان هرتزل والدكتور نورده وغيرهما من أقطاب الحركة الصهيونية يرسمون في باريس "أدق الخطط وأبدعها لتنظيم التشكيلات والتدابير المؤيدة لليهود في صيانة حقوقهم. ولا جدال انه في أرض فرنسا، ولد فكر تحرير اسرائيل. ان تصريح بلفور قد خلّد لحكومة لويد جورج اسمها. وان مؤتمر سان ريمو قد أضاف الى بلاد ميرابو ودانتون مجداً جديداً وفخراً مأثوراً". وختم الكاتب افتتاحيته باللاءات الإيجابية: "لا مجال للقول انه لا يمكن لكل يهودي يتباهى ويفتخر إلا ان يكون صهيونياً لا يرفض مبدأ العودة الى الأرض المقدسة". ومن الافتتاحيات اللافتة، تلك التي شُنّت فيها حملات ضارية ضد الصحافي الوطني الفلسطيني عيسى العيسى وصحيفته الشهيرة "فلسطين". وأكد الياهو منّ في افتتاحية العدد 30 الصادر في 30 آذار مارس 1922 ان "في فلسطين جريدة استعارت اسمها من البلاد التي تقيم فيها لتموه على القراء وتظهر للناس انها صادقة في خدمة الوطن الذي اتخذت اسمه الجميل شعاراً لها. هذه الجريدة الرصيفة لا تترك فرصة إلا وتنتهزها في بث سمومها بالقضية الصهيونية. وآخر ما بلغ من براهينها السفسطية عن ضعف الصهيونيين انهم يولمون الولائم ولا تسفر النتيجة عن غير الأكل والشرب". أضاف صاحب "العالم الإسرائيلي": "نعم أكلنا مريئاً وشربنا هنيئاً وحسونا كأس وطننا القومي الذي جاهر الحلفاء وجاهرت بريطانيا بحفظ تعهداتها لتنفيذ وعد وزيرها بلفور". ومن الذين اشتركوا في الحملة، البيروتي الصهيوني ايلي الذي قال للعيسى في العدد 85 الصادر في 3 أيار مايو 1923: "تسأل يا حضرة الكاتب لماذا لم نرَ بقعة أخرى في العالم تصلح لإنشاء ذلك الوطن القومي سوى فلسطين؟ ولِمَ لا يقوم في شرق أفريقيا الذي منحتنا اياه بريطانيا مقام فلسطين"؟ وأجاب بالسؤال الآتي: "هل إذا هاجر رجل من لبنان الى الولاياتالمتحدة وبقي فيها 20 سنة، يفقد حقه في الحصول على مسكنه وأراضيه إذا عاد الى بلاده بعد ذلك الوقت"؟ ولكن ماذا عن القدس في "العالم الإسرائيلي" البيروتية؟ في العددين 50 و51 الصادرين في 24 و31 آب أغسطس 1922، ظهرت افتتاحيتان حول عاصمة فلسطين، أولاهما معرّبة عن مجلة رفيوف رفيوز الانكليزية، إذ تساءل كاتبها هرلد شبستون: "من يتسلم الأراضي المقدسة؟ العرب أم اليهود"؟ وأجاب: "العرب يصرخون بأن فلسطين لها حكومة صهيونية، وهذا أبعد عن الحقيقة بكثير. نعم ان المندوب السامي اسرائيلي، وهو صرّح بشعوره الصهيوني، ولكنه في أشغاله الإدارية مسؤول تجاه الحكومة الانكليزية رأساً. فالصهيونيون ليس لهم حصة في الحكومة وادارة البلاد". ولكن السؤال الذي أجاب عنه الصهيوني الانكليزي بالديبلوماسية الانكليزية المعهودة، سدّده الصهيوني البيروتي الياهو منّ بعربيته الفصيحة: "ان المركز الجديد الذي يجب أن نأخذه بديلاً هو القدس الشريف". يبقى ان "العالم الإسرائيلي" استمرت بالصدور في بيروت والتوزيع في مكتبات دمشق الى السنوات الخمس التي تلت نهاية الانتداب الفرنسي على الجمهوريتين السورية واللبنانية، وتحديداً حتى العام 1948 تاريخ نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين وولادة دولة اسرائيل. * كاتب لبناني.