أعاد مؤرخ وغطاس لبنانيان الى الوجود، مدينة أدت دوراً كبيراً في تاريخ المنطقة، قبل ثلاثة آلاف سنة، وكانت معارضة للفراعنة، وهذا هو الاكتشاف الثاني من نوعه في سنتين على ساحل الجنوب اللبناني. المؤرخ يوسف الحوراني ونقيب الغطاسين المحترفين في لبنان محمد السارجي اعلنا اكتشاف مدينة "يرموتا"، في البحر، قبالة منطقة تل البراك بين مدينتي صيدا وصور. وقالا، في مؤتمر صحافي عقداه أمس، في مكتب "الشركة اللبنانية للسينما والتلفزيون" في حارة صيدا: "قبل سنتين تقريباً، أثبتت لنا آثار صيدون القديمة تحت الماء ان الساحل اللبناني آخذ في الغوص البطيء في البحر، مع حدوث انخسافات موضعية احياناً بفعل زلازل كبرى تحدث على مراحل متباعدة، كل بضعة قرون، فشجعنا اكتشاف هذه الظاهرة على البحث عن آثار مدن قديمة تحت الماء، فكانت مدينة "يرموتا" هدفنا الأول، لما كان لها من أهمية ودور قبل ثلاثة آلاف سنة، ولوجود قرائن تشير الى موقعها على البر". وعدّد الحوراني أدلة واثباتات تاريخية متوافرة عن هذه المدينة، منها ورود ذكرها مرة في رسائل تل العمارنة بين حاكم جبيل "ربهدا" والحاكم الفرعوني، في عام 1370 قبل الميلاد. فقبل أكثر من ثمانية وثلاثين قرناً ورد ذكر "يرموتا" في النصوص الفرعونية مدينة "معارضة للفراعنة" الى جانب مدن لبنانية أخرى باسم شيت وسلم وجبيل وعرقة، وأخرى لا تزال مجهولة الموقع. ولم يرد ذكر لصور وصيدون وبيروت بينها، مما يعني أنها كانت مع جبيل الوجه المعروف للشاطئ اللبناني، قبل بروز المدن الأخيرة. وفي "رسائل تل العمارنة" وُصفت "يرموتا" بأراضيها الخصبة المنتجة للحبوب وبثرائها، اذ كان أبناء جبيل يقصدونها، إما لبيع أبنائهم وأثاث بيوتهم للتموُّن وإما لأخذ أموال مودعة فيها. وغاب ذكر هذه المدينة بعد زمن هذه الرسائل، لكن نصاً فرعونياً في أوائل القرن الثالث عشر قبل الميلاد ذكر "جبل يرموتا"، حيث توجد مدن باسم "طير..." و"روم"، مما جعل المؤرخ الحوراني يرجح حصول حادث كبير للمدينة الساحلية غيّب دورها وازدهارها، قبل ذلك التاريخ. أما النقيب السارجي فأشار الى ان المدينة تقع على عمق يتراوح بين ثلاثة امتار وسبعة عشر متراً "مما يثبت نظرية الغرق التدريجي للحوض الشرقي للبحر المتوسط"، مذكراً بما يتحقق من اكتشافات مهمة للآثار الغارقة في ميناء الاسكندرية. وأرفِق المؤتمر بصور التقطها السارجي وفريق من الغطاسين للمدينة الغارقة، تثبت انها موقع أثري واسع غني بانشاءاته الباقية، وهي خزانات للمياه وتل عال يرجح انه قلعة قديمة، وتماثيل وحجارة منحوتة كانت تزين ساحاتها العامة. وطالب السارجي الحكومة اللبنانية بعملية مسح شاملة للشاطئ اللبناني، لما يحتويه من كنوز أثرية وحضارية، متمنياً عدم تجاهل "يرموتا" كما حصل لمدينة "صيدون" الغارقة. وختم الحوراني والسارجي: "البحث عن المدن الغارقة غدا من همومنا، لا بسبب فضول أو رغبة في انتحال دور، بل لادراكنا أهمية ذلك وطنياً وبحكم خبرتنا واختصاصنا العلمي والعملي معاً".