أول الكلام: للشاعر العراقي المغترب/ يحيى السماوي: - هوّن عليك... غداً قد يضحك الألق في مقلتيك، ويجفو جفنك الأرق ما كنت وحدك في همّ وفاجعة ولستَ وحدك من ضاقت به الطرق جفَّت على شفة الأيام: ضحكتها حين استوى بيننا الإيمان والنزق حتماً يطل - وان طال المكوث به - فجر له نحو شمس الحق: منطلق!!
يعود الينا صوت "الصديق العزيز جداً" مكتوباً... يفتتح بوح العام الهجري الجديد 1422 بكلمات يلكز فيها العقل العربي في عمق أحزان الوجدان العربي... وقد أصبح التعبير عن حبنا الشديد بواسطة: الكره البغيض، وأصبحت "رغباتنا": صنميتنا التي تعجز جماعة مثل "طالبان" عن نسفها... في وجوهنا: ملامح الاختراق، و"الحاضر" هو: الرغبة والهوية!! الصديق العزيز جداً الى نفسي: يعود من غياب سفره المتلاحق، كأنه يلتقط أنفاسه في استرخاءة هذا الحوار الذي خاطبني به فور عودته من الغياب... فكتب:
العزيز/ أبو وجدي: يا أيها الرجل الذي يكتب عن أشياء نقية في زمن قذر، كأنك تبحث عن نقطة مطر عذبة قبل ان تلامس الأرصفة... يا أيها الإنسان المصنوع من دموع ونشيج: لا أعلم حقيقة هل أصبحت تكتب خيالاً للهروب من قسوة الواقع، أم أنك تتعمد ان ترش على الجرح ملحاً ليندمل؟! الى متى ستظل تحمل كل هذا الرماد المتبقّي من وسخ العرب على كتفك وتدافع عنهم... ولمن تكتب، أيها العجوز الذي يرفض مهادنة الزمن للعربي الذي أصبح ينتشر في زوايا المعمورة يبحث عن وطن بديل، بعد ان تحول بقدرة قادر من مواطن الى متفرج، وبعد ان تم القضاء على حقه في الحياة إما بالتكفير، أو بالتخويف، أو بالتخوين، أو بالإرهاب... ام للمسلم الذي أصبح يابساً في الداخل كغصن لم يعد به ما يكسر، بعد ان أصبح بقايا انسان مبعثر على الأرض تدهسه القنابل والمصفحات والأحذية؟!! لماذا تحاول - يا أبا وجدي - ان تكتب عن مثالية لا وجود لها، وتستبدل الحقيقة الكاذبة بوهم صادق... ما فائدة الحرث في أرض سحبت عروقها؟! لقد كنت تكتب حزناً يليق بنا، وكان حزناً يجدد خلايا الحياة فينا... لماذا صرت لا أقرأ في عامودك مؤخراً سوى هذا الحزن الأسود الملون الذي يزيد الفجوات العميقة في النفس؟!! لا أستطيع فعلاًَ وصف الغبطة التي تغمرني وأنا أقرأ لك كل يوم، فقد بلغت من روعة الكلمة ومجالها حداً... لكنني سأحاول ان أقرب لك شعوري عما تكتبه مؤخراً: تخيل مشاعرك وأنت تجلس في مقهى تتأمل المراكب تتوالد في النهاية لترى محباً مات آتياً من القارة المقابلة، ماشياً فوق الماء... لك ان تتخيل ان من يموت يعود... اليس ذلك منتهى البهجة/ يا أبا وجدي؟! لكن... من يموت لا يعود، وهذه هي حال العرب الذين تكتب عنهم دائماً وتصورهم كهدير ماء، وهم في الواقع لم يعودوا سوى نباتات فطرية تتكاثر بلا جدوى!! هل تعلم - يا أبا وجدي - ما هو سعر العربي التعيس في بورصة هذه المسخرة الحياتية والذي تفاخر به كل يوم في عامودك؟! اجبني بالله عليك!! لقد قاومت صمتي الذي هو في الواقع دين لا يتطلب السداد كثيراً، لكن ما تكتبه عن العرب أخيراً من أناشيد ضائعة، وحروف من خزف: يجعل الصدر يفور كتنكة الحليب المغلي... لماذا لا تصدق الحقائق - يا أبا وجدي - التي فرضت أشكالها على ذوق الواقع وتريح قلبك الطيب وتعترف: بأن ما يحدث لنا هو تعرية لنفوسنا، وفضح لحالة الجبن والضعف التي تجتاحنا؟! لقد نفد الحب والصدق والأمانة من قلوبنا، فعاقبنا الله بأن سلط علينا أقذر خلقه... وقد كانت العلاقات بيننا كالوشم لا تمحى، واتصال بعضنا بالبعض الآخر: مغطى بذهب الصدق... لم يكن هناك قانون للمحبة ولا جدول ضرب عاطفي مطروح للحفظ، كان هناك: قالب من الأخلاق يصب فيه العرب علاقاتهم معاً... أين هو الآن؟!! ذهب مع الزمان، ومن يحاول ان يقبض على الزمان كمن يحاول اصطياد النجوم، وما أشقى اليد التي تحاول اصطياد النجوم... لقد اغتال العرب كل ما هو نبيل وجميل من تاريخهم، وحرقوا الأشجار التي غرسوها وهي لا تزال واقفة على قدميها، وانجرفوا في عبث استنزف الطاقات فكان ما كان!! يقولون: ان أكثر البشر ضياعاً - يا أبا وجدي - هم الذين يرددون الأشياء بقلوبهم فقط... ويبدو لي ان ما أكتبه لك اليوم هو ترديد لما في قلب ذلك الطفل العربي الكبير الذي ربي وترعرع يردد معكم: "بلاد العرب أوطاني"، حتى خط الشيب المبكر مفرقه وسوالفه، لكن للأسف لم يكبر بل ظل طفلاً كبيراً، لكنه أصبح أجمل أطفال الكون إحساساً وشعوراً وواقعية بأنه لن يولد من ذلك الجنين الميت أمل. أرجو - يا أبا وجدي - معذرتي والصفح عن انفعال خواطري، وتأكد بأنني لن أكتب لك في هذا الشأن مرة أخرى... ليس لأن الموضوع لم يعد يهمني، بل لأن القيء وصل الحلقوم، وعفوك!!!