لاقى الاعلان عن "مزاد فنون العالم الإسلامي" الذي تستضيفه سوذبير في لندن في 23 أيار مايو المقبل اهتماماً لدى جامعي التحف المهتمين خصوصاً بفنون الشرق الأوسط الحديثة، إذ يتضمن المزاد مجموعة لوحات زيتية غنية لرسامين عرب في القرن العشرين. وفي بيان أصدرته "سوذبيز" للمناسبة ان "المزاد هو الأول من نوعه على الصعيد العالمي وسيقام بسبب "الاهتمام المتزايد بفنون العالم العربي الحديثة". وتعود ملكية لوحات المزاد ال36 التي رسمها أشهر الفنانين العرب في القرن العشرين، الى الناشر والصحافي والكاتب رياض نجيب الريس المولود في دمشق عام 1937، والذي أمضى حياته بين بيروتولندن. جمع الريس وزوجته السيدة زينات أكثر من 270 لوحة لرسامين عرب حديثين خلال السنوات الثلاثين الماضية. واختارت سوذبيز 36 لوحة منها، لعرضها في مزاد أيار المقبل. ومن بين المعروضات الأبرز، لوحة زيتية لمنطقة عين المريسة البيروتية ببحرها الهادئ وبيوتها القديمة، للرسام اللبناني مصطفى فروخ. وتقدر سوذبيز ان تحقق اللوحة مبلغاً يتراوح بين 12 ألف جنيه استرليني و18 ألف 16 و22 ألف دولار. ويتوقع منظمو المزاد ان تتحقق لوحة للرسام اللبناني شفيق عبود عنوانها "أصفر" مبلغاً يتراوح بين 10 آلاف و15 ألف جنيه استرليني 15 و18 ألف دولار. واللوحة مزيج متفجر من الألوان الفرحة، على القماش. ومن اللوحات البارزة أيضاً، واحدة للفنان السوري لؤي كيالي عنوانها "اللاعبون"، من المتوقع ان تباع بمبلغ يتراوح بين عشرة آلاف وخمسة عشر ألف جنيه، وأخرى للعراقي ضياء العزاوي، توقع المنظمون ان تحقق مبلغاً بين سبعة آلاف وعشرة آلاف جنيه. ومن بين الفنانين الذين ستعرض لهم لوحات في المزاد، اللبنانيان صليبا الدويهي وبول غيراغوسيان، والسوري فاتح المدرس، والعراقي اسماعيل فتاح، والمصري رمسيس يونان. وسيتضمن المزاد مشغولات من البرونز ورسومات على ورق البردي للفنان المصري آدم حنين. ولا يزال الريس يمتلك قطعاً فنية أخرى لحنين الذي يعتبره فناناً عظيماً لم يعرضها المزاد. وتعود جميع لوحات المزاد لفترة القرن العشرين عدا واحدة للرسام اللبناني داود قرم رسمت في القرن التاسع عشر. ويذكر ان الريس تلقى علومه في بيروتوبريطانيا قبل ان يحترف الصحافة حيث أمضى ثلاث سنوات في صحيفة "الحياة" حين اعتمده مؤسسها كامل مروة مراسلاً متجولاً في عدد من الدول بينها فيتنام والصين. وعندما انتقل الى صحيفة "النهار" بعد اغتيال مروة، واصل الريس جولاته خصوصاً في اليمن ودول الخليج. وفي عام 1975 انتقل الى لندن ليؤسس دار نشر، وفي منتصف الثمانينات افتتح مكتبة "الكشكول" في حي نايتس بريدج الراقي وسط العاصمة البريطانية. وبعد عقد تقريباً قرر الناشر اغلاق "الكشكول"، ونقل نشاطاته الى بيروت. وآخر اسهاماته مجلة "النقاد" التي بوشر بإصدارها قبل ثمانية أشهر. وقال الريس في حديث الى "الحياة" في لندن ان مؤسس مجلة "شعر" يوسف الخال كان من أول مشجعيه لجمع اللوحات والقطع الفنية. وكان الخال افتتح صالة فنية اطلق عليها اسم "غاليري وان" في بيروت ليقدم نتاج الفنانين العرب الجدد. وفي الستينات، بحسب ما يتذكر الريس، كانت بيروت مقراً لعرض نتاج الفنانين العرب، وفيها تعرف الى العديد منهم شخصياً. وأول ما ابتاع الريس مجموعة رسوم لضياء العزاوي، لنشرها في مجلة "شعر". وقال: "لا أزال اقدر تلك الرسوم المعلقة حالياً في منزلي في بيروت". ومنذ تلك الفترة بدأ يجمع اللوحات والأعمال الفنية خلال تجواله المتواصل على الدول العربية. ويوضح ان عدداً كبيراً من مقتنياته اشتراها من الفنانين مباشرة وليس عبر وسطاء أو من معارض. ولدى السؤال عن فنانه المفضل، يسمي الريس اثنين: لؤي كيالي وشفيق عبود. ويثير اعجابه في كيالي قدرته على التعبير عن شخصيته السوداوية في أعماله. ويتذكر كيالي بقوله "كان طويل القامة وسيماً أشقر الشعر، أصله من حلب وعانى اضطرابات نفسية حادة دفعته الى الانتحار نتيجة هزيمة العام 1967. ويصف الريس اعمال عبود بالزاهية والمبتكرة والصادرة عن القلب. ويضيف ان اللوحة "الصفراء" المعروضة في المزاد رائعة. ونقل الريس مقتنياته الفنية من بيروت الى لندن منتصف السبعينات، وواصل جمع المزيد. وكان في السابق جمع أعمالاً تعود لأكثر من دولة وحقبة، لكنه عاد وقرر التركيز على الفن العربي الحديث. وفي نهاية السبعينات باع خمس لوحات شرقية تعود للقرنين الثامن عشر والتاسع عشر في داري "كريستيز" و"سوذبيز" للمزاد، جامعاً مبلغ 30 ألف جنيه استرليني استثمرها في شراء لوحات لفنانين حديثين. ويمتلك الريس للوحاته مجموعة اطارات جميلة، صنعت باليد في بريطانيا. ويفوق ثمن بعضها اثمان اللوحات الموضوعة داخلها. وكان وزع اللوحات على جدران منزله في "باتني" جنوب غربي لندن. وعندما باع المنزل قبل نحو عام، قرر نقل اللوحات الى بيروت. ويقول باستغراب "تفاجأت كثيراً عندما اكتشفت انني لا أستطيع نقلها اللوحات الى بيروت... بسبب رسوم الجمارك الباهظة على الرسوم والإطارات... ولو قررت المضي في نقلها لكلف ذلك ثروة طائلة". وكان في امكان الريس نقل مجموعته الى حيث يسكن حالياً إذا تخلص من الإطارات الخشب لكنه فضل ان يحتفظ بها لأنه يراها جذابة بقدر جاذبية اللوحات نفسها. لذا قرر توزيع مجموعته المؤلفة من 270 لوحة على عدد من المستودعات، وبيع بعضها الآخر. وبالفعل اختارت سوذبيز 36 منها ووضعت تقديرات أولية لأثمانها. وفي حال شهد المزاد طلباً متزايداً على اللوحات فإنها ستحقق اثماناً أعلى من تلك التي قُدرت لها. ويعتبر الريس ان للمزاد اهمية خاصة بالنسبة اليه. يوضحها بقوله: "للمرة الأولى في تاريخ العرب الحديث سيكون هناك سعر لعمل كل رسام عربي. وإذا كان احدهم يمتلك لوحة لشفيق عبود أو لمصطفى فروخ فبإمكانه الآن تحديد سعرها عبر مقارنة السعر الذي بيعت به لوحة مماثلة في سوذبيز. وفي حال نجاح المزاد، ستتشجع سوذبيز لبيع لوحات أخرى من مجموعة الريس في مزاد ينظم العام المقبل. وسيتشجع أيضاً جامعو لوحات عرب آخرون لعرض مقتنياتهم للبيع. ويقول الريس انه "كلما ارتفع عدد جامعي التحف المستعدين لبيع بعض مقتنياتهم، كلما تعززت فكرة جمع الأعمال الفنية العربية". وبما انه اجبر على ترك مجموعته في لندن، يسعى الريس الى تشكيل مجموعة فنية في بيروت لفنانين من الجيل الجديد وتحديداً من لبنان وسورية والعراق. لكنه يبدي بعض الانتقاد للفنانين اللبنانيين الشبان بسبب الأسعار الباهظة التي يريدونها للوحاتهم. وينتقد أيضاً "الأثرياء اللبنانيين الجدد" نوفوريتش الذين يجمعون اللوحات للتباهي أو لتزيين جدار خالٍ. ويقول: "للأسف لا أعرف سوى عدد محدود من جامعي اللوحات الذين باستطاعتهم شراء لوحة، بسبب ادراكهم لموهبة فنية أو لجمالية لوحة جيدة من المقدر ان يرتفع ثمنها في المستقبل". ويبدي الريس اعجابه بعدد من الفنانين السوريين الشبان الذين يعتبرهم رسامين من الطراز الرفيع ويطلبون أسعاراً مقبولة ومعقولة لأعمالهم الفنية. ويبدي اعجاباً مماثلاً بعدد من الفنانين العراقيين الجدد. وأعرب عن دهشته عندما زار أخيراً معرضاً لفنان عراقي داخل قاعة اليونيسكو في بيروت واكتشف ان اعمالاً لفنانين عراقيين مشهورين معروضة بأسعار تتراوح بين 300 و500 دولار أميركي. واشترى من ذلك المعرض ثلاث لوحات بينها نسخة عن لوحة للفنان اسماعيل فتاح بلغ ثمنها مئة دولار فقط. ويواصل الريس تجواله بين المعارض، والبحث عن فنانين موهوبين خلال سفراته شبه الدائمة، ويقول انه اكتشاف نواة لفنانين جيدين في اليمن والبحرين وان بعض الفنانين القطريين لفتوا انتباهه ايضاً.