الإنترنت وسيلة ليس إلاّ. والنزعة السائدة إلى إحصاء عدد "مواطني الشبكة"، قد توحي بأنها متجسّدة، مادياً، كأي منطقة مأهولة. وفي ذلك ميل نحو افتعال مجتمع ذي معالم اجتماعية وثقافية واقتصادية معيّنة. والحال أن الشبكة المترامية الأطراف، من جهة، تشبه خريطة ما، لكنها، قطعاً، ليست بلاداً ولا أرضاً، تماماً كصورة "الغليون"، للرسام المعاصر رينيه ماغريت التي ذيّلها بعبارة: "هذا ليس غليوناً". وعليه، فإن مستخدميها ليسوا "مواطنيها"، إذ كل ينتمي إلى كيان جغرافي أو ثقافي مختلف. إلاّ أنها، من جهة أخرى، تفسح مجالاً رحباً للاتصال والتلاقي والتواصل. وقد شرع كثر، منذ قيام الانتفاضة الثانية في فسلطين، في إنشاء مواقع هدفها مناهضة الاعلام الإسرائيلي والاعلام الغربي المنحاز، وتعزيز التغطية الإعلامية، وتجاوز العقم السياسي. والأهم، كشف الأهوال التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني أمام الرأي العام العالمي، علّ البعض يأخذ بوجهة نظر "الطرف" الآخر، أي الضحية في هذه الحال، ويحاول كل بدوره التأثير في قرارات حكومته. فلا يبقى الأمر رهناً بعدد أصوات الأقليات الفاعلة في مجتمع معيّن، مثلما نُسب إلى الرئيس الأميركي الراحل هاري ترومان تلميحه إلى ناخبيه من اليهود، في معرض ردّ على استيضاح موقفه من الحرب العربية - الإسرائيلية، عام 1948. ويلبّي بعض من تلك المواقع المعلومات والمواد والتحليلات، على وتيرة رمي الحجارة والاستشهاد. كذلك، أتاحت الإنترنت اتصال فلسطينيي الشتات بأهلهم في الداخل، وعزّزت دوافعهم الى استئناف الصراع أنّى وُجدوا. وهو صراع صعب، لأنه محكوم بازدواجية تأمين مستلزمات العيش واختراق عقليات مغايرة تحمل آراء مسبقة أو مصابة باللامبالاة. ويبدو أن الانتفاضة الفلسطينية الأخيرة نجحت في استقطاب عدد كبير من المتعاطفين والداعمين، أفراداً ومنظّمات، ومن كل أنحاء العالم. وتتحوّل تلك الازدواجية تعدّدية عند فلسطينيّ الداخل الذي يحيك دربه، كل يوم، بين محاولات تأمين لقمة العيش ومجاراة إيقاع التطوّر خارج بوتقته المحكمة السد، وتشييع الشهداء، ومحاولة اختراق الحصار وضرب الحجر. ومن الداخل أيضاً، برزت مواقع "ويب" فلسطينية تتّسم بمقدار كبير من التنظيم والتوجّه والموضوعية والاتّزان. فعلى سبيل المثال، موقع "فلسطين أرض التاريخ"، باللغتين العربية والانكليزية، أشبه بموسوعة شاملة عن فسلطين، ماضياً وحاضراً، منذ العام 1900. ويتّصل مباشرة بالراهن، من خلال جداول ثابتة ولوائح متحرّكة تتراكم فيها الأحداث والصور وأسماء الشهداء والجرحى، يوماً بعد يوم. وهناك موقع "هيبرون"، عن مؤسسة الخليل للدراسات السياسية والدينية. وهو موقع شخصي، اختار صاحبه عدم كشف اسمه لدواع أمنية. ويبدو مخصّصاً لمجزرة الحرم الإبراهيمي، إذ يشمل تفاصيلها ومجرياتها كافة، نصاً وصورة، والمحاكمات وأقوال الشهود والصحف المحلية والعالمية، والمواقف الدولية منها... والفيتو الأميركي الوحيد ضد قرار نشر مراقبين دوليين للبحث في المسألة. أما موقع "بالستايْن ريبورت أونلايْن"، تقرير عن فلسطين على الشبكة، فيشكّل جزءاً من موقع مركز القدس للاعلام والاتصال. وهو نسخة إلكترونية عن مطبوعة "بالستايْن ريبورت"، باللغة الانكليزية، التي ظهرت قبل عشر سنوات. ويلبّي الحاجة الماسّة إلى تقارير إخبارية سريعة عن أحوال الضفة الغربية وقطاع غزّة. أما المركز فقد أنشأته مجموعة من الصحافيين والباحثين الفلسطينيين عام 1988، في بدايات الانتفاضة الأولى. وهو يوفّر معلومات عن الأحداث التي تشهدها الأراضي المحتلّة. أخيراً، الانتفاضة عبر الإنترنت خير سند للانتفاضة في أرض الواقع، شرط أن تظلّ الثانية منبعاً لصدقية الأولى وزخمها. وقد يصطدم هذا الغليان الشبكي وكل أبعاده وتأثيراته وديناميكيته، في نهاية المطاف، بحائط الفيتو الأميركي. لكن وقع الفيتو في النفوس، الذي قد يشكّل دافعاً الى المضي قدماً، يبقى أخفّ وطأة بكثير مما لو أطفئت شعلة الانتفاضة الثانية. عندئذٍ، يذهب كل شيء هباءً، حتى أرواح الشهداء الأطفال. كُثرٌ هم الذين يراهنون على ذلك، مستندين إلى محطات كثيرة من تاريخنا العربي. عناوين إنترنت ذات صلة: www.palestinehistory.com www.hebron.com www.jmcc.org [email protected]