حين يصدر بلد ما طابعاً ينطق بحدث ما، فإن هذا الحدث يعتبر من الأحداث المهمة بالنسبة لهذا البلد. فالطابع يرتبط بالتاريخ ويحيل على الحقائق الواقعة في البلاد التي تصدره، سياسياً واجتماعياً... وتكمن أهميته في أنه يشير الى الوقائع من دون الدخول في باب التأريخ والتحليل والسرد، سواء أكانت هذه الوقائع تنضوي في فترات السلم والرفاه والمجد، أو الحرب والمآسي والنكبات. تمتلئ المكتبات في كثير من البلدان بالألبومات والكتب التي تسجل وتحفظ تاريخ وأنواع الطوابع، فميا نجد عدداً غير قليل من الأشخاص يعتبرون جمع الطوابع هواية حميمة، لا بل يمكن القول إنها هواية عالمية عابرة للحدود، وهي منتشرة عربياً. ولكن قليلة هي الألبومات و"الكتالوغات" والكتب التي تختص بالطوابع داخل المكتبة العربية. كتاب "فلسطين طوابع وأختام" لميشيل سمعان اسطفان الصادر أخيراً غُفِلَ تاريخ النشر ومكانه. يؤرخ لنشوء الطوابع الفلسطينية ويقدم دراسة مسهبة عنها منذ البدء حتى إغلاق البريد المصري في غزة والبريد الأردني في الضفة، ويلحقه ب"كتالوغ" لجميع الطوابع الفلسطينية مع بيان عن كل ما اعتراها من فروق وأخطاء. يقدم ميشيل اسطفان دراسة تاريخية في الفصل الأول من الكتاب عن البريد في فلسطين، متناولاً مراحل تأسيسه الأولى، مشيراً الى اقتصار البريد الفلسطيني على رسائل الدولة، قبل ظهور الطوابع البريدية عام 1840 على ما كان سارياً في أراضي الامبراطورية العثمانية. أما رسائل المدنيين فينقلها المسافرون، أو ساعٍ يرسله صاحب الرسالة. في عام 1840 افتتح أول مكتب بريد عثماني في القدس وكان ينطلق مرة واحدة في الاسبوع الى يافا، فحيفا، فعكا، فصور، فصيدا، فبيروت، ثم يعود أدراجه. وكان موعد الانطلاق في كلتا المدينتين القدسوبيروت يوم الأربعاء من كل اسبوع، لكي يكون يوم الأحد موعداً للوصول. ولم يكن هناك مكاتب للبريد في المدن الساحلية باستثناء بيروت. في عام 1863 طبعت تركيا أولى طوابعها بمساعدة الخبير البريطاني سميث مدير البريد العسكري خلال حرب القرم، وقد افتتحت بين عامي 1862 و1870 تسعة مكاتب بريدية في القدس، يافا، عكا، بيت لحم، غزة، الخليل، نابلس، طبريا، حيفا. وتتوزع هذه المكاتب متفرعة الى مكاتب أخرى داخل هذه المدن. وهذا ما يقدمه اسطفان بدقة وشمولية مستفيداً من خبرته وتجربته الطويلة في العمل ضمن بريد فلسطين في الفصل الثاني من الكتاب المعنون ب"المكاتب البريدية بالصور والتفاصيل"، مشيراً الى تكاثر المكاتب البريدية الفلسطينية إذ بلغت 29 مكتباً اساسياً توزعت على مختلف المدن. فضلاً عن المكاتب البريدية الأجنبية التي كانت تلاقي اقبالاً ملحوظاً من المواطنين وتتبع دولاً هي: فرنسا، روسيا، النمسا، ايطاليا، ألمانيا، مصر. وقد توقفت هذه المكاتب عن العمل نهائياً عام 1923 على إثر معاهدة لوزان، ولم تفلح تركيا في إقفال هذه المكاتب سنة 1867 على رغم كل ما بذلت طوال نصف قرن، بسبب عدم وجود مصلحة بريدية مع الخارج على رغم انها بدأت عام 1881 بيع طوابعها الخارجية بنصف قيمتها المثبتة من اتحاد البريد العالمي. وعملت في تلك الفترة خطوط اتصال بريدية ما بين القدس ونابلس، نابلس ويافا، القدس والجليل، طبريا وعكا من طريق الناصرة وشفا عمرو. كان لكل مكتب بريدي عدد كبير من الأختام، أكثرها عدداً أختام مدينة القدس إذ بلغ عددها 26 ختماً. أما البريد المسافر بين دمشق ويافا بواسطة القطار فله 7 أختام خاصة. ودمشق ويافا له ختمان،... الخ. كان شكل الأختام مدوراً أو مربعاً أو بيضوياً. ويكتب عليه اسم البلد المصدر، ونوع الشعبة، أما الحبر المستعمل فهو الحبر الأسود، وقد استعمل الحبر الأزرق والبنفسجي في بعض المكاتب. وتمثل الطوابع العثمانية في فلسطين صوراً لقبة الصخرة المشرّفة، أو بئراً في بئر السبع أو جندياً في موقع الحراسة بالقرب من بئر السبع وكذلك بعض الأماكن المقدسة. يستعرض المؤلف بالصور والتاريخ المكاتب البريدية في كل المدن الفلسطينية، اضافة الى أنواع اختامها، فضلاً عن افروع الكثيرة المنتشرة داخل المدينة الواحدة في الشوارع والأحياء. وبَطُل استعمال الطابع العثماني، بدخول الجيوش المصرية التابعة لقوات الحلفاء عام 1917 أراضي فلسطين. ولعدم معرفة مستقبل البلاد ارتأت السلطات العسكرية اصدار طوابع "محايدة" خاصة بالبلد تكون أكثر ملاءمة. ولم تعمد الى أي توشيح للطوابع التركية. ولكن في العام 1917 طبع مكتب المساحة المصري في الجيزة أول طابع من فئة القرش الواحد، ليستعمل في المنطقة المحتلة بأمر من الكولونيل بيتر وارن ويحمل الرسم المختار في وسط الطابع كلمتي "خالص الأجرة" وكلمة "فلسطين". وكان لونه كحلياً، ويباع في القدس ويافا وبيرسالم، لكن لا يستلمه الجمهور، بل كان موظف البريد يقبض الثمن ويلصق الطابع على الرسائل. الطوابع التي صدرت أثناء الانتداب البريطاني كانت موشحة بكلمة فلسطين باللغات العربية والانكليزية والعبرية. وفي عام 1927 أصدرت أول وآخر مجموعة مصورة من الطوابع لفلسطين، وتحمل صور الحرم الشريف وقبة راحيل وقلعة الملك داود وبحيرة طبريا مؤلفة من 22 طابعاً. وبقيت قيد الاستعمال حتى انتهاء مدة الانتداب عام 1947. وقد طبع التوشيح الأول في مطبعة دير الروم الأورثوذكسي في القدس القديمة. وصنعت سلطات الانتداب قرطاسية بريدية في لندن مؤلفة من بطاقات "كرت بوستال"، وبطاقات غلاف وأوراق رسائل وغلافات متينة للبريد المسجل... وقد وشحت بسطر اضافي باللغتين العربية والعبرية في مطبعة دير الروم الأورثوذكس. يرصد المؤلف الطوابع الاردنية المخصصة للاستعمال في الضفة الغربية - فلسطين بعد دخول القوات الأردنية الى فلسطين التي وشحت بصور الملك عبدالله. أما العملة فكانت المل والجنيه الفلسطيني. أما في قطاع غزة - فلسطين. فاستخدمت الطوابع المصرية بعد احتلال القوات المصرية الشواطئ الجنوبية بما فيها غزة. وقد مثّلت الطوابع صورة الملك فاروق تعلوه كلمة فلسطين. تبعت هذه الاصدارات مجموعة أخرى من الطوابع في الذكرى الخامسة للجمهورية. وأصدرت الجمهورية العربية المتحدة كمّاً كبيراً من الطوابع التي تمثل أحداث فلسطين، كمناسبة يوم الأرض، والسنة الدولية للاجئين. يخصص المؤلف فصلاً خاصاً يعرض فيه الطوابع التي طبعت في كثير من الدول العربية والافريقية والآسيوية وهي تمثل أعمال مجاهدي فلسطين ومآثرهم، وذكريات جرائم العدو الصهيوني، ومجازره في القرى والمدن الفلسطينية، إضافة الى القسائم التي صدرت على شكل طوابع عن بعض فصائل الثورة الفلسطينية مثل فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وتمثل مدناً وآثاراً ومشاهد فلسطينية. يشير كتاب "فلسطين طوابع وأختام" الى ان الوجود الفلسطيني لا يقتصر على صعيد واحد من صعد الحياة كالمقاومة والسياحة والفولكلور... بل هو وجود متكامل على مختلف الصعد، وليس غريباً. ويشير الى أن هناك وجوداً فلسطينياً في الطابع من جهة. من جهة أخرى فمجموعة الطوابع الفلسطينية مجموعة غنية، متنوعة ومعروفة عالمياً ومطلوبة بإلحاح ومرتفعة بقيمها، وحافلة بالأخطاء وهذا ما يشدّ هواة جمع الطوابع إليها، ويجعلهم يبحثون عنها باندفاع وحرص شديدين.