في كل ذكرى ل"عاصفة الصحراء" وإخراج القوات العراقية المعتدية من الكويت، يتصاعد الجدل، ويكثر الحديث، وتختلف المواقف من جديد حول حرب الخليج الثانية وتتباين التعليقات عليها. ولكن الأكثر مدعاة للدهشة، أن يتنطح بعض الكتّاب المرموقين للدفاع عن صدام حسين وتصويره كزعيم قويٍّ منتصر هزم جورج بوش، ومارغريت ثاتشر وسواهما. ومفهوما النصر والهزيمة لا علاقة لهما، طبعاً، بميادين المعركة التي جرت، وانتهت تحت خيمة صفوان، وعجزت عن ستر الهزيمة المذلّة التي نزلت بالنظام العراقي. مفهوما النصر والهزيمة، هنا، يتعلقان بخروج جورج بوش من البيت الأبيض في الانتخابات التي جرت بعد الحرب أمام المرشح الديموقراطي بيل كلينتون، وبقاء الرئيس العراقي في سدة الحكم الذي لم يأته أصلاً إلا بالاغتصاب. وحاز الزعيم في أول استفتاء شعبي، جرى في أعقاب تلك الحرب، على نسبة تزيد على 9،99 في المئة. وباقي النسبة المتممة الى 100 في المئة سقطت طبعاً ليس لأن هناك نفراً واحداً في العراق لا يعي ضرورة القائد. وإنما السبب يعود الى خطأ إداري في فرز الأصوات كأن ينظر أحد الفارزين الملهوفين الى خلف ورقة الاستفتاء بدلاً من وجهها، مثلاً. في النتيجة انهزم بوش وانتصر صدام! فالرئيس الأميركي الأسبق بوش الذي قاد التحالف الدولي وحرَّر الكويت، دشَّن مرحلة جديدة في النظام السياسي الدولي، تمثلت بقيادة الولاياتالمتحدة الاميركية القطب الدولي المنفرد دولياً، وبناء قاعدة لنظام اقليمي سياسي وعسكري وأمني متوالف مع النظام الدولي الى حد بعيد. وتحول مسارُ الصراع الدولي نحو الجانب الاقتصادي. ولذلك، عندما وقف الناخب الاميركي امام صناديق الانتخاب، وهو يدرك طبيعة المرحلة الجديدة للصراع ويعتبر أن بلاده ومصالحها هي الضرورة وليس من يحكمها، صوَّت بغالبيته لمن اعتبر الأصلح لقيادة المرحلة الجديدة. أمَّ قائد أم المعارك وحفيدة القادسية فقد اعتبر نفسه ضرورة الضرورات، وأقنع الشعب العراقي، بهذه الضرورة ليبقى شاهداً، "أبدياً" على خراب العراق لا البصرة وحدها. وليبقى حارساً للهزائم، لتتذكر أمته "العظيمة والخالدة" انه أشعل حرباً لثماني سنوات كلَّفت شعوب المنطقة الكثير من الأرواح والأموال. وهو يجب أن يبقى حاضراً ليستنسخ القادسية وحطين، وليشغل وظيفة كاتب نفوس "المتطوعين" للجهاد، وعددهم بحسب احصاءاته طبعاً يتجاوز عدد سكان العراق. وسبق وأحصى، مع رفاقه "الميامين" في مجلس قيادة الثورة عدد الرفاق البعثيين فتجاوز عدد سكان العراق منذ مطالع القرن. يجب أن يبقى حاضراً في الذاكرة الجمعية للأمة. فكيف للأمة أن تتذكر الأكفان المزركشة للأطفال الأكراد الذين اصطادهم الكيماوي، وتنسى بزة القائد الناصعة البياض في عيد ميلاده؟ كيف للأمة أن تتذكر الرضاعات الفارغة في أفواه الأطفال الجائعين في مشافي العراق وتنسى السيكار الفاخر المهدى من "الرفيق" كاسترو، والقائد يدخنه بعنجهية في اجتماعات مجلس قيادة أو إدارتها؟ وا أمتاه!حلب - حسين عمر