الهلال يفقد خدمات مالكوم امام الخليج    الأهلي ينتصر على الفيحاء بهدف رياض محرز    «الصحة الفلسطينية» : جميع مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل    منتدى المحتوى المحلي يختتم أعمال اليوم الثاني بتوقيع 19 اتفاقية وإطلاق 5 برامج    اعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم    القبض على 4 مقيمين في جدة لترويجهم «الشبو»    المملكة توزع 530 قسيمة شرائية في عدة مناطق بجمهورية لبنان    انطلاق مهرجان الحنيذ الأول بمحايل عسير الجمعة القادم    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    باص الحرفي يحط في جازان ويشعل ليالي الشتاء    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    الذهب يتجه نحو أفضل أسبوع في عام مع تصاعد الصراع الروسي الأوكراني    الملافظ سعد والسعادة كرم    استنهاض العزم والايجابية    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    فعل لا رد فعل    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بحائل يفعّل مبادرة "الموظف الصغير" احتفالاً بيوم الطفل العالمي    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    «المسيار» والوجبات السريعة    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يحمل على وزارة الثقافة التونسية لدعمها عادل امام ويؤكد أنه لا "يقبض" من الكويت . توفيق الجبالي: لست معارضاً لكنني لست مهرج السلطة ... أنا رجل مسرح ومسألة الهوية لا تهمني
نشر في الحياة يوم 12 - 03 - 2001

ساهم توفيق الجبالي في تأسيس المسرح الجديد في تونس منذ سبعينات القرن الماضي، وانفرد بتجربة ربما كانت فريدة في تاريخ المسرح العربي الحديث، إذ عمل على النصوص الأدبية من غير أن يقع تحت وطأتها اللغوية. بل هو انطلق منها ليبني عالماً من الحركة والاثارة والمشهدية.
أحدث أعمال الجبالي في تونس هو عرض "المجنون" انطلاقاً من نصّ جبران خليل جبران الذي يحمل العنوان نفسه. والعرض المسرحي هذا سيقدمه في بعض العواصم العربية في جولة محطتها الأولى بيروت. ماذا عن "المجنون" وماذا عن علاقة المسرح بالأدب؟ ماذا أيضاً عن توفيق الجبالي؟
معروف انك مثلت في مسرحية "اسماعيل باشا" التي أخرجها محمد ادريس، وقمت بكتابة الدراماتورجيا. ثم قدمت فيلماً صوتياً لمسرحية "العرس" من انتاج المسرح الجديد، وكتبت دراماتورجيا مسرحية "مذكرات ديناصور" التي أخرجها رشاد المناعي، وهي مأخوذة عن مسرحية لبريشت عنوانها "مذكرات المنفى". أنت واقعياً منخرط في تجربة المسرح الطليعي التونسي كممثل وكاتب، كيف تقيّم تجربتك مع المسرح الجديد، ومحمد إدريس، والمناعي؟
- تجربة المسرح الجديد جاءت في فترة لاحقة، إذ أنتمي تقريباً الى الجيل نفسه الذي من عناصره إدريس والفاضلان الجعايبي والجزيري والحبيب المسروقي. هذا الجيل عاش مرحلتي المسرح المدرسي والجامعي وصولاً الى المسرح الجديد. جيلنا ينتمي ربما الى الجيل الثالث بعدما تشكل جيل المؤسسين الأوائل الذي كوّن المسرح بداية القرن، بعيداً عن حديث اليوم الذي يتساءل عن هوية المسرح إن كان دخيلاً أو مستحدثاً. ثم جاء جيل علي بن عياد الذي أعطى للمؤسسة المسرحية شكلاً أكثر حداثة الى أن نشأت أول حركة مناهضة لمسرح ابن عياد عام 1965 عند صدور بيان عنوانه "بيان الأحد عشر" الذي حررنا نصه نظرياً عن المسرح وآفاقه بمعنى الأدبيات. وكان في ذلك الوقت بريشت معلمنا، واعتبرنا أن المسرح لا بد له من أن يكون في خدمة القضايا الاجتماعية ويبتعد عن مسرح السمعة والانبهار. البيان الذي وقعته مجموعة من المسرحيين كالمنصف السويسي وغيرهم كان الأول وربما الأخير الذي يصدر نظرياً عن المسرح التونسي.
من هذا البيان نشأت موجة من المسرح، لا أقول طليعياً بسبب احترازي حول كلمة طليعي، أي المسرح الاجتماعي المناضل بين قوسين الذي نشأ منه السويسي وفرقة الكاف ثم نجمت عنه "فرقة قفصة" التي تأسست أيضاً بمشاركة مسرحيين من أمثال الجعايبي والجزيري ورجا فرحات. هذه المجموعة بعدما تشتتت وخرجت عن "قفصة" في السبعينات، أسست حركة جديدة في المسرح المستقل وشكلت مرحلة مهمة يمر فيها المسرح الحديث إذ أصبح المسرح هو الهدف كاهتمام أول. ولكن، وعلى رغم بروز النواة الصلبة التي بدأت منذ السبعينات تحت مظلة المسرح الجديد، إلا أنها انفجرت لاحقاً الى شظايا ما زال المسرح التونسي يعتمد عليها فقط إذ عجز عن إنجاب أجيال أخرى. تربطني بمحمد إدريس علاقة شخصية وصداقة قديمة بدأت منذ الطفولة. وكنت أسست معه مجموعة "العمل المسرحي في الهجرة" في باريس وأنتجنا مسرحية "القاسم عزاز" التي شكلت نموذجاً للمسرح النضالي، في معنى اتخاذ موقف اجتماعي وتأدية رسالة. فبريشت شكل عقدة عند البعض الذي غرق في هذا المسرح الى النهاية من دون روح نقدية. وإذا اعتبرنا أن بريشت هو أولاً نظرة نقدية، فكثير من الناس لم يستفد من هذا الوضع وأخذ بريشت كمدرسة وهو تلميذ نجيب لها. وإدريس الى حد كبير، كان مرتبطاً به في تلك الفترة من المسرح الملحمي والاجتماعي الذي يعتمد على المخزون الشعبي كي يبلور خطاباً مسرحياً جمالياً. وإدريس بقي يحفر في هذه التجربة حتى اليوم، ما عدا بعض الاستثناءات إذ قدم أخيراً مسرحية "حدث" وهي جاءت من حلقة اخرى ذهنية وروحانية. مسرحية "اسماعيل باشا" كانت، بحسب ظني، تكريساً لحلم إدريس في تنفيذ هذا المسرح الشرقي الملحمي في ذلك العالم الذي يحبه وينغمس فيه كثيراً. انفصلت عن إدريس وجئت الى التياترو بعدما عشنا وضعاً مشتتاً وغريباً كان سببه غياب المؤسسات المسرحية الرسمية وتأسيس الفرق المستقلة التي يتجاوز عددها اليوم أكثر من ستين فرقة. وهذه أرقام لا قيمة لها لأن الفرق العاملة لا تتعدى الخمس، ونشأة التياترو جاءت ضمن هذه الظاهرة. وعلى رغم غرابتها إلا أنها شخصية ونافعة. علاقتي بالمناعي جاءت مع تأسيس "التياترو" وكان عملنا الأول هو "مذكرات ديناصور"، وكان هذا النفي الخارجي لبريشت تحول لدينا نفياً داخلياً، وشكل التياترو أفضل وطن لنا.
خالف تعرف
لم يُعرف توفيق الجبالي مخرجاً مسرحياً إلا في أعمال تجريبية تُعد على هامش العمل المسرحي المتكامل، أعني تجربتي "فهمت إلا" و"ويلٌ"... وبعضها مأخوذ من نصوص عالمية... ما الذي يجعلك تتجه الى الاشكال التعبيرية التجريبية؟ هل هو تجريب من أجل التجرب؟
- لنبدأ من عرض "خالف تعرف"، يقول المثل الشهير "أنا أفكر إذاً أنا موجود". وأنا أقول: "أنا أخالف إذاً أنا موجود"، لأن وراء "خالف تعرف" غرضاً في المتاجرة أو المساومة. ومن يقول هذا الكلام يؤمن أن في جزء من الفن متاجرة يومية. وأتصور حتى اليوم أن الغرض الأسمى في أي عمل فني هو في أن يكون مستقلاً بذاته. وليس هناك استراتيجية مسبقة لكسب رضى أو استنفار أو استنكار. اللحظة الفنية تقع من دون عوائق ولذا فالمراحل أو الأعمال التي ذكرتها قد تبدو متنافرة في أشكالها بدءاً بعرض "فهمت إلا" وانتهاء ب"كلام الليل". علماً أن "كلام الليل"، وللتاريخ، بدأت قبل العملين الأخيرين. وكلمة "اسكتشات" ربما يراد بها التقليل من قيمة العمل إن على المستوى اللفظي أو المسرحي. وتجربة "كلام الليل" بحسب اعتقادي، لا تقل مغامرة عن غيرها. وهنا للتصحيح إن عرض "ويل للممثلين" لم تكن بالعامية، بل كان عملاً قدمته عن نص لديدرو عن ممثل يتحدث من وجهة نظره عن الفن المسرحي. ووجهة نظر ديدرو تعتبر من أولى النظريات التي تناولت الممثل في شكل حديث وثوري في ذلك الوقت، ولهذا اعتبرته مرجعاً مهماً لا بد من تناوله.
صحيح ان تجربة عرض "فهمت إلا" انطلقت من نص مكتوب ثم حصل تجاوزه - ليس لأنه لم يؤدّ دوره كما ينبغي - ولكن لأننا دخلنا في اشكالية جديدة، هي اشكالية اللانص التي أفضت بنا الى إشكالية اللالفظ، اللاحرف، اللاحركة. وأتصور اننا لو ذهبنا الى المسرح من الاجماع لسقط ولم يعد له وجود، وخصوصاً ان أدواتنا ومجتمعاتنا وتاريخنا الفكري والمسرحي لا توجد فيها تراكمات الى درجة يخاف فيها الانسان من طرق باب جريء أو طرح خلاف. علماً ان مجتمعنا ميت وقانع وأريد من المسرح ان يدافع عني وليس العكس. ومن هذا المنطلق هناك تجربة ربما تضيف شيئاً جديداً الى المسرح. ولكن ماذا يمكن مجتمعنا العربي أن يضيف الى هذه المنظومة الانسانية؟ فنحن ننقل دائماً اشكاليات في مجالات ليست هي المجالات الحقيقية. ولغاية اليوم ليس هناك نقاش حقيقي عن الفن المسرحي، بل نحاول دائماً ان نسقط على المسرح جانبيات قد تعني أمراضاً اجتماعية ومجالات أخرى لا شأن للمسرح بها.
أنت لم تسألني عن النخبة ولمن المسرح، وهل يكفي مثلاً هذا الاصطدام. الاسكتشات التي تكلم البعض عنها في "كلام الليل" ليست اسكتشات. وأنا أرفض هذه الكلمة كما هي متداولة اليوم في مجتمعاتنا وليس في أصلها اللغوي والتاريخي.
عندما بدأت مشروع "كلام الليل" عام 1989 قلت ان المسرح الآن إما تعليمي أو فوقي. لأن موضوع اللغة غير بريء. وليس هناك تبرير بريء للأشياء. فمجتمعنا مستعمر دائماً، تونس مستعمرة ثقافية على حساب الشرق والمواطن التونسي تتنازعه بسطحية شرقيته أو غربيته. التونسي في هويته مذبذب دائماً، فهو ليس شرقياً ولا غربياً بل مقلد كالأغنية التونسية قليل من مصر وقليل من تونس. ومجتمعنا مسلوب حتى في اللفظ، وكلامه يمكن تلخيصه في خمسين مفردة يستعملها في اليوم الواحد. وثمة نوع من الاقتصار الذاتي للهوية الشخصية. والحقيقة ان في تجربة "كلام الليل" هذه الاشكالية وهي أن التونسي يعتبر عاميته ساقطة وفقيرة ومبتذلة ولا يمكن أن تعبر عن أفكار. فهو يسمع ويستمتع باللهجة المصرية أكثر من لهجته. وربما هذا ناجم عن تقصير من الشعراء والفنانين الذين خلّفوا نوعاً من الانسحاب أو من النخبة التي تعتمد في نقاشاتها على اللغة الفرنسية وليس العامية. وهذا يدل على أن التونسي لا يملك في نفسه مقومات قيمه الثابتة. فهو يستلف من الخارج ويخلطها. و"كلام الليل" جاءت ضمن تجربة المسرح التونسي بالعامية. والناس عموماً تعتبر أن المسرح بالعامية هو مسرح ديماغوجي شعبي وهذا ما ينطبق أيضاً في تونس. إذ يقول الناس: هؤلاء الذين يتعاملون مع العامية هم دعاة الفكر الفرنكوفوني وهم عملاء للثقافة الغربية. وهذا خلط غريب في مجتمعنا. تجربة العامية بدأت في السبعينات مع "المسرح الجديد". قبل ذلك كان علي بن عياد وهو عندما بدأ انكساره وراح يُنتقد على ان مسرحه بورجوازي أخذ يتعامل مع العامية. فقدم مسرحية "الماريشال" المشهورة. ولكن تبقى العامية للفودفيل وبالتالي فهي تفقد قيمتها الفكرية. تيار "المسرح الجديد" تعامل بالعامية كمعطى شخصي وليس كناقل للعامية أو لرد الاعتبار إليها.
في انتخابات تونس الرئاسية عام 89 دعوت المسرحيين والمثقفين الى تأييد ترشيح الرئيس زين العابدين بن علي، لكنك الآن تطرح نفسك كمعارض تقريباً وتستضيف في "التياترو" اجتماعات للرابطة التونسية لحقوق الانسان. ما سبب هذا الانعطاف أو التناقض في موقفك من السلطة، وواقع الحال ان مرشحك هو الذي يتربع عليها منذ ما قبل انتخابات 89 الى الآن؟
- لست موافقاً ولا معارضاً، أنا مسرحي. والمسرحي هو في رأيي فوق هذه اليوميات. المواطن المسرحي له موقف ولكن لا يضعه كركيزة للتعامل. أنا لم أدعُ الى مناصرة بن علي. أما "التياترو" فهو فضاء مدني اجتماعي ومن الطبيعي أن يحتضن لقاءات لأعضاء أو هيئات مدنية. بورصة الخلافات أو الاشكاليات مع السلطة لا دخل لي بها. تقول لماذا وكيف والرابطة كانت مجتمعة وهي صديقة. أقول لك كلا، اليوم نزلت في البورصة. نحن لا نسلك سلوكاً سياسياً لتقول أنا مواطن سياسي، ولكن السؤال أين؟! ومتى كانت السياسة محوراً لنشاط المواطنة؟ هذه لها أصحابها. أكرر أنا لست معارضاً، ولكن ربما في معنى الخلاف والاختلاف نعم، أنا مختلف.
تقصد مع السلطة؟
- كلا ليس مع السلطة وإنما مع أي سلطة. وطبيعتي أن أكون مختلفاً ولو كنت موافقاً لأصبحت بليداً غير نافع. وطالما أنا مسرحي إذاً أنا مختلف، ولو كنت عكس ذلك لأصبحت مهرج الحاكم أو السلطان. وليس هناك تاريخ للمضحكين. والذين أضحكوا توفوا مع الحاكم.
المسرح والتمويل
في بداية ادارتك مسرح "التياترو" استقطبت أبرز الفرق المسرحية التونسية، لكن الفراغ حولك الآن صارخ: لماذا بقيت وحدك؟ هل هو قرارك، أم ارتفاع اسعارك؟ ولماذا لا تتساهل مالياً مع الفرق التونسية الأخرى ما دمت تتقاضى سنوياً 15 ألف دينار من وزارة الثقافة، اضافة الى دعم مؤسسات أخرى... وواقع الحال ان الايجار السنوي في مسرحك هو 12 ألف دينار. ونعلم أن المالكين وهم كويتيون يقدمون لك تسهيلات فالمبنى تابع لفندق "أبو نواس - المشتل"؟
- هذا كلام سخيف ولا قيمة له، لاعتماده على معطيات هي للتبرير أو لتفسير أشياء أجهلها. لو أردت الثراء لاشتغلت خارج المسرح وخارج "التياترو". ولا داعي للقول كيف يعيش "التياترو" فهو يعيش من عرق جبينه وجبين العاملين فيه. اتهموني بأخذ الدعم من الكويتيين خلال حرب الخليج عندما دنت نظام صدام حسين ووصفته بالديكتاتوري بغض النظر عما قلناه عن معاناة الشعب العراقي في الوقت نفسه. قيل عنا اننا عملاء للكويتيين والأميركيين. المشكلة ان مجتمعنا فقير في مداركه العقلية ولا يمكن أن يكون هؤلاء مرجعاً. أنا لا أتلقى أي مساعدة من الكويتيين وأدفع أكثر من 12 ألف دينار كإيجار سنوي ل"التياترو". ومنحة وزارة الثقافة لا تغطي الرمق. نحن نرضى بالفتات وما نتلقاه من الوزارة هو فتات ما تبذّره في مجالات فنية أخرى. لماذا لم يقولوا ان الوزارة أحضرت مسرحياً مصرياً وأنفقت عليه أكثر من مئتي ألف دينار ألا وهو عادل إمام! لماذا لا يناقش المجتمع هذه الأخطاء بل يناقش صدقة تمنحها الوزارة حتى تبرّئ ساحتها تجاه العمل المسرحي. توفيق الجبالي في الحركة المسرحية يستحق المليارات ومع ذلك لم أتلقها ولن أطلبها، أما البنك العربي فيعطينا في مقابل عمل اعلامي له ننفق أكثر من نصفه على المنشورات.
يقولون اني بقيت وحدي! أين المشكلة؟! "التياترو" كان يحتضن أعمال الجعايبي ونور الدين الورغي ورجاء بن عمار. ولكن ما حدث في تلك الأثناء ان ابن عمار أصبح لها المسرح الخاص بها. الجعايبي كذلك مرتاح مع بلدية تونس التي توفر له "المسرح البلدي". وكذلك الورغي الذي له اختياراته. في السنوات الأخيرة بدأت أطلب من الفرق التي لا أتعاطف معها الحد المالي الأدنى لأي عمل يقدم. وهذا شيء طبيعي ومعمول به في كل المسارح التونسية، فلماذا إلقاء اللوم على هذا التصرف؟ ما أريد قوله اننا لا نتعامل مع أطراف سرية ولا مؤسسة فرنكوفونية تمنحنا مالاً. من حقي ألا أرفض دعم الوزارة لأن هذا أضعف الإيمان، وخصوصاً انها تملك امكانات كبيرة لكنها تبذّرها في مجالات لا طائل لها فنياً. لكن المشكلة اننا أصبحنا اليوم في مؤسسات خاصة تتعامل مع الفن كفن على عكس مؤسسات وزارة الثقافة التي تتعامل مع الفن كتجارة تخضع لمنطق الربح والخسارة. وهذا ليس دورها.
اللهجة التونسية
عندما لا يكون العمل ايمائياً تستخدم اللهجة التونسية. فهل تُرضي بذلك المؤسسة الفرنكوفونية التي تدعم اللهجات في مواجهة اللغة العربية الفصحى، فهل لأن اللهجة التونسية أكثر هشاشة من التصدي للفرنكوفونية، أم لأنك مثل جليلة بكار مثلاً، تعتقد ان اللهجة عامل أساسي من عوامل تكوين الهوية التونسية؟
- لا تهمني مسألة الهوية التونسية، فأنا مسرحي وأغرف من جميع الهويات، لأنني لست أصولياً في المسرح. لنترك فكرة الفرنكوفونية، هذه الخرافة الكاذبة التي يطلقها أناس متورطون في العمالة والتطبيع والخيانة. لا أقدر حتى على إرضاء الفرنكوفونية ولم أقدم عروضاً مسرحية في فرنسا إلا مرة واحدة في نطاق مناسبة تونسية. العامية أداة حية لا يمكن إلغاؤها من فضاء تعبير حي ألا وهو المسرح الانساني. ومع ذلك قدمت "عطيل" و"ويل" وأقدم جبران بالفصحى، والغريب كيف ان النقاش التونسي ما زال في الحضيض ولم يتطور.
من الملاحظ أن المسرحيين يعتمدون الآن نصوصاً أدبية لبعض الروائيين والشعراء. هل السبب الافتقاد الى نصوص قابلة للإخراج، أم انها انتفاضة المخرجين على كتاب المسرح العربي؟
- هذه الانتفاضة لا تهم المسرح العربي، ولو أن هذا التمرد حصل منذ بداية القرن. الآن هناك المؤلف الدراماتورجي الملتصق أساساً بالمشروع المسرحي. مسرح النص موجود في العالم أجمع وله حضوره وبناؤه ولم يمت. لو عدنا الى الفرنسي أرتو لرأينا هذا التمرد. فالمسرح الغربي تمرد على النص منذ بداية التقائه بالمسرح الشرقي. واكتشف المسرحيون ان الفرجة المسرحية هي أيضاً رؤية وبصر. فتساءلوا عن موقعهم في ظل حضارة أعرق من اليونانية. تاريخياً أو ثقافياً أصبحنا ننتمي الى هذه الحضارة الشرقية التي تمثل حضارة الراوي والسرد.
أهم ما في التجربة المسرحية العربية كل هذه التمردات على المؤلف الكلاسيكي أو التقليدي الذي هو غير معني بالكتابة والفكر المسرحيين. هناك كتّاب مهمون للغاية لكنهم غير معنيين بالمسرح. شخصياً تعاملت مع نصوص غير قابلة نظرياً أو مبدئياً للمسرح. ومع ذلك فجبران ملهم لأنه يملك مجالات الشعر والمضمون والصوت. خصوصية المسرح التونسي في أنه تجاوز الأديب على رغم ان تجربة الأدب التونسي في المسرح قليلة ومحدودة. ولذلك كان من السهل على المسرحي التونسي ان لا يربط مصيره بمصير الأديب المسرحي الذي يبقى أديباً لغوياً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.