"أربك" دخول "البعثيين" الى المنتديات الثقافية المنتشرة في دمشق والمدن الاخرى المثقفين اليساريين والناصريين، فتراوحت ردود فعلهم بين وصفه ب"الاحتلال"... وبين الترحيب بهذا "الرأي الآخر" الذي يعبر عنه في اوساط "المعارضة". وبرز ذلك جلياً في النقاش الذي دار مساء الأحد الماضي بعد طرح ميشيل كيلو "جملة من الافكار" عن سورية والوحدة العربية في ثاني جلسة ل"منتدى جمال الاتاسي للحوار الديموقراطي"، في ذكرى رحيل جمال عبدالناصر. وكانت تلك المناسبة الثانية التي ينخرط فيها "البعثيون" في النقاشات بعد حضور أربعة اكاديميين مساء الاربعاء الماضي، وإعلان تأسيس النائب المستقل رياض سيف "حركة السلم الاجتماعي". وعلمت "الحياة" ان قراراً صدر عن قيادة "البعث" وجه الكوادر وأعضاء الحزب لحضور المنتديات والمشاركة فعلياً في النقاشات وإعادة مناقشة ما يطرح في الاجتماعات الحزبية الدورية. وقال كيلو: "أحيي هذه المبادرة وأتمنى أن تتسع وتتحول الى حوار وطني شامل". وزاد وهو احد اعضاء "الهيئة التأسيسية" ل"لجان المجتمع المدني" التي اصدرت "بيان الألف" في الشهر الماضي: "ان حزب البعث الذي يقود الدولة والمجتمع حسب الدستور، حزب له دور نضالي وتاريخ كبير، وكلنا تربينا على أفكاره ونتمنى ان يتسع دوره ويتفعل". وكان كيلو قال في المحاضرة التي بدأت بالوقوف دقيقة للاستماع الى خطاب الرئيس عبدالناصر لدى إعلانه الوحدة السورية - المصرية العام 1958، ان "سورية لم تتصالح في نفسها مع فكرة تقسيم سورية. لم تتصالح مع قيام اسرائىل بدلاً من فلسطين، ولا مع ذهاب لواء الاسكندرون ولا مع قيام لبنان في الاقضية الاربعة ... ولا تزال فكرة وحدة سورية والعرب منغرسة في وعي الشعب، باعتبار الشعب السوري في سورية الطبيعية قلب العروبة النابض". وإذ تناول الحاضرون لدى فتح باب النقاش دور المنتديات وتعامل السلطات معها والاشارات التحذيرية التي ارسلت عبر صحف وتصريحات لمسؤولين، فإن إحدى الأفكار التي أثارت جدلاً كانت قوله: "العراق ليس بريئاً من العلاقات السيئة مع سورية، لكن لو كانت سورية عملت على مستوى المصالح العليا لكان وجد خلال ثلاثين سنة أكثر من أساس للتوافق"، وإشارته إلى سعي السلطات السورية الى التعامل مع الفلسطينيين "على أساس نحن المرجعية للقرار الفلسطيني". وتدخل كل من "البعثيين" الدكتور سليم بركات والدكتورة نجاح محمد والدكتور خضر زكريا لتوضيح الموقف الرسمي. وبدأ الدكتور بركات بقوله: "لا شك ان هذا المناخ الديموقراطي الذي نحتاجه اتاحه لنا الدكتور بشار الأسد"، ليذهب الى ان النظام السوري "بذل كل الجهد للعمل القومي ... وان سورية بدأت المصالحة مع العراق". وعندما اطال في الحديث حاول عدد من الحضور التشويش عليه طالبين منه "السكوت فوراً"، لكنه قال: "اجتماعاتنا هذه ليست في غياب الديموقراطية بل في ظلها". من جهتها، قالت الدكتورة محمد إنها جاءت الى منتدى "المعارض" جمال الاتاسي الذي رحل العام الماضي "لنشارككم الحوار لأننا في البعث نحترم الحوار والرأي الآخر". وشكرت "الرفيق" كيلو لأنه طرح عدداً من افكار "البعث" وأفكار الراحل حافظ الاسد، مشيرة إلى أن قضايا حقوق الانسان والديموقراطية التي يتحدث عنها المثقفون "هي من صلب دستور الحزب". وعندما استطردت في الحديث عن الموقف من العراق ومنظمة التحرير الفلسطينية "ومسؤولية الآخر عن سوء العلاقات"، علق احد الحاضرين: "هذا احتلال للمنتدى"، فيما خرج عدد من الحاضرين. لكن احد المنظمين قال: "اعطيناك وقتاً اضافياً لأنك امرأة ولأنك تحدثت عن الرأي الآخر". وتطرق النقاش الى تصريحات وزير الاعلام السفير عدنان عمران، إذ أمل رئيس "التجمع الوطني الديموقراطي" حسن عبدالعظيم في ألا يكون ربط الوزير عمران نشاطات المجتمع المدني بالاستعمار "يعبر عن الموقف الرسمي". وزاد في اسلوب خطابي - ناصري: "نأمل بألا تكون عودة إلى الوراء، نحن لن نرجع الى الوراء وسنعمل ضمن القانون". وتمنى آخر عدم حصول "انقطاع في المناخ الديموقراطي"، في وقت ظهرت فيه أكثر من دعوة ب"الانتقال من نظام منتديات الشقق الى المراكز الثقافية العلنية"... إلى الشارع. يذكر ان الوزير عمران تحدث عموماً عن المجتمع المدني في العالم، ولم يذكر اسم أي منتدى أو شخص في تصريحاته، وقال إن "الموقف الرسمي" من هذه المنتديات يقوم على "احترام الرأي الآخر طالما يتم في اطار الدستور والمسؤولية الوطنية ووحدة الوطن وقوانينه".