من المطبّات، أو بالأحرى الافخاخ، اللغوية القبول بمفهوم اليسار الإسرائيلي ممثلاً بايهود باراك، والحديث عن يمين يقوده ارييل شارون. حتى إذا سلمنا بأن المصطلحات تنطوي دائماً على قدر من الافتراض، فإن الدقة تقتضي أن تحدد بأن المقصود هنا هو اليسار الصهيوني واليمين الصهيوني. فحزب العمل لم يتخلَّ يوماً عن العقيدة الصهيونية وخلافه مع ليكود ليس على الجوهر، بل على الأساليب ووتائر الحركة، والفارق بين المرشحين الحاليين لرئاسة الحكومة أقرب إلى التكتيك منه إلى الاستراتيجيا. وبهذا المعنى يمكن الزعم بأن نتائج الانتخابات لن تؤثر كثيراً في عملية المفاوضات والتسوية مع الفلسطينيين والعرب عموماً، إذ أن المشكلة لا تنحصر في حجم "التنازلات" التي يمكن إسرائيل تقديمها ومدى الضغوط التي تستطيع الولاياتالمتحدة ممارستها لارغام العرب على القبول بأرباع حلول. المشكلة الأساسية تكمن في فشل المشروع الصهيوني ذاته، أو بتعبير أدق في اخفاق أصحابه في تحقيق الغايات التي كانت وضعت في البداية وعجزهم الآن عن صوغ بديل فلسفي - حضاري - سياسي جديد يتلاءم مع الظروف المستجدة. فالصهاينة، يساراً ويميناً، لم يعلنوا تخليهم عن إقامة الدولة التوراتية والسيطرة على منطقة "خالية" وتطويع شعبها ليقيم معهم علاقة الفارس بالفرس، على أن يكون العرب هم الفَرس طبعاً. وعلى رغم إصرار الإسرائيليين على التطبيع، فإنهم ما برحوا يفهمونه في ضوء نظرية الاستعلاء الصهيونية، ولا فارق هنا بين ليكودي و"عملي". الحل، إذن، لا يقتضي فقط التمسك بمرجعيات أو الوفاء لالتزامات وتعهدات مقدار ما يحتاج إلى وضع مشروع بديل من المشروع الصهيوني أو تكييفه مع وقائع القرن الواحد والعشرين. وفي المقابل، ثمة حاجة لصوغ مشروع عربي يملأ الفراغ الذي نشأ بعد انهيار فكرة الوحدة العربية واخفاق البدائل الاشتراكية واشكاليات الاطروحات الدينية المتداولة. والمشروع المنتظر نهضوي أساساً يحدد موقع العرب في العالم وموقفهم من العولمة ويرسم الاطر العامة للتنمية والتكامل والعلاقات البينية... الخ. ولا شك أن الموقف من إسرائيل سيكون بنداً محورياً في مثل هذا المشروع، الذي ينبغي أن يوضح أين يقف العرب الآن من اطروحات "الالقاء في البحر" ودعوات الاستسلام الكامل للأمر الواقع. وإلى حين صوغ هذين المشروعين، الصهيوني والعربي، فإن التسوية، ايما تسوية، ستظل هلامية وغير مستندة إلى أرضية راسخة من الثوابت التي يمكن أن تبنى عليها عمارة جديدة في الشرق الأوسط.