البنك الدولي يعزز تمويلاته المخصصة لتخفيف آثار التغير المناخي    محافظ حفرالباطن يرأس المجلس المحلي    محافظ الزلفي يلتقي مدير إدارة كهرباء منطقة الرياض    الأمم المتحدة تؤكد أنها نفذت خطط الاستجابة الإنسانية ل 245 مليون شخص    الأخدود يتعادل سلبياً مع القادسية في دوري روشن للمحترفين    أمطار متوسطة على منطقة المدينة المنورة    «المجنون» و«الحكومة» .. مين قدها    أبها تستضيف منافسات المجموعة الرابعة لتصفيات كأس آسيا تحت 20 عاماً    «الجيولوجيا»: 2,300 رخصة تعدينية.. ومضاعفة الإنفاق على الاستكشاف    5 محاذير عند استخدام العلم السعودي    محمد القشعمي: أنا لستُ مقاول كتابة.. ويوم الأحد لا أردّ على أحد    وظيفةُ النَّقد السُّعودي    جمعية النشر.. بين تنظيم المهنة والمخالفات النظامية المحتملة    حصّن نفسك..ارتفاع ضغط الدم يهدد بالعمى    احمِ قلبك ب 3 أكوب من القهوة    احذر «النرجسي».. يؤذيك وقد يدمر حياتك    ديفيد رايا ينقذ أرسنال من الخسارة أمام أتلانتا    هدف متأخر من خيمينيز يمنح أتليتيكو مدريد على لايبزيغ    جوشوا ودوبوا يطلقان تصريحات التحدي    مصادرة صوت المدرجات    النصر وسكّة التائهين!    قراءة في الخطاب الملكي    ماكرون: الحرب في لبنان «ليست حتمية».. وفرنسا تقف إلى جانب اللبنانيين    شرطة الرياض: القبض على مواطن لمساسه بالقيم الإسلامية    قصيدة بعصيدة    حروب بلا ضربة قاضية!    دراسات على تأثير غطاء الوجه على صحة الإناث..!    أدب تختتم ورشة عمل ترجمة الكتاب الأول بجدة    سوق المجلس التراثي بشقراء يواصل استعداداته للاحتفاء باليوم الوطني 94    التزامات المقاولين    الذكاء الاصطناعي يقودني إلى قلب المملكة    أمانة الطائف تكمل استعداداتها للإحتفاء باليوم الوطني 94    جازان: إحباط تهريب (210) كيلوجرامات من نبات القات المخدر    صحة جازان تدشن فعاليات "اليوم العالمي لسلامة المرضى"    الاستثمار الإنساني    سَقَوْهُ حبًّا فألبسهم عزًّا    هيئة الأفلام تطلق النسخة الثانية من "منتدى الأفلام السعودي" أكتوبر المقبل    نائب أمير جازان يطلق البرنامج الدعوي "انتماء ونماء" المصاحب لليوم الوطني ال 94    محافظ الأحساء: الخطاب الملكي يحمل حرصا شديدا على حماية هويتنا وقيمنا    أكثر من 5 ملايين مصلٍ يؤدون الصلوات في المسجد النبوي خلال الأسبوع الماضي    الكويت ترحب بتبني الأمم المتحدة قرارًا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة    فريق طبي بمستشفى الملك فهد بجازان ينجح في إعادة السمع لطفل    برعاية خادم الحرمين.. «الإسلامية» تنظم جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    فريق بحثي سعودي يطور تكنولوجيا تكشف الأمراض بمستشعرات دقيقة    أمطار متوسطة إلى غزيرة مصحوبة بالبرد وتؤدي لجريان السيول على 5 مناطق    المواطن عماد رؤية 2030    المهندس الغامدي مديرا للصيانة في "الصحة"    العواد إلى الثانية عشرة    برعاية وزير الداخلية.. تخريج 7,922 رجل أمن من مدن التدريب بمناطق المملكة    اليابان تحطم الأرقام القياسية ل"المعمرين"    تعزيز التحول الرقمي وتجربة المسافرين في مطارات دول "التعاون"    الأمير سعود بن مشعل يشهد اجتماع الوكلاء المساعدين للحقوق    إلى جنَّات الخلود أيُّها الوالد العطوف الحنون    وفد من الخطوط السعودية يطمئن على صحة غانم    سلامة المرضى    كلام للبيع    كسر الخواطر    هيئتا الأمر بالمعروف في بلجرشي والمخواة تفعّلان برنامج "جهود المملكة العربية السعودية في محاربة التطرف والإرهاب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في انماط من التفكير العربي السائد عن "العرب ومواجهة إسرائيل" . دراسة احتمالات المستقبل أم محاولة استراتيجية تنقصها "الأداة"؟
نشر في الحياة يوم 28 - 02 - 2001

يستدعي الحديث عن العرب وإسرائيل، كثيراً من التجاذبات السياسية والثقافية في ما بين القوى والتيارات كافة على ساحة الوطن العربي. فإذا حاولنا "تخصيص" الحديث ليصبح: "العرب ومواجهة إسرائيل"، فإن التجاذبات اياها تتخذ منحنى آخر مختلفاً، يقترب كثيراً مما يمكن تسميته "الميلودراما" في عالم السينما. ولعل ذلك يعود إلى التأثير الذي ستمارسه "العقيدة الموجهة" Ideology، على كل من المشاركين في هذا الحديث.
فماذا، إذاً، لو حاولنا "تركيز" الحديث ليتمحور حول: "احتمالات المستقبل"، في ما يتعلق بهذه "المواجهة" تحديداً؟!.
لا نغالي إذا قلنا إنه، في هذه الحال، ستصبح تلك التجاذبات أكثر إفصاحاً عن الآلية الذهنية المتحكمة في الرؤى والاطروحات الملقاة في خضم الحديث المتركز حول هذه المواجهة: كيفيتها، واحتمالاتها المستقبلية... ومن ثم، فإن مقاربة تلك الذهنية وآليتها: التعرف إليها والتعامل معها وتقويمها، تمثل أحد أهم المداخل التي يمكن من خلالها مقاربة أي حديث يدور على الاحتمالات الناشئة عن مواجهة العرب لإسرائيل، في المستقبل.
وفي ما يبدو، لم يشأ العام 2000 أن يودعنا، من دون أن يلوح لنا بكتاب يتضمن "حديثاً" حول المسألة المثارة. كتاب، "مكعب" الشكل، صدر عن دراسات الوحدة العربية في بيروت، ويصل عدد صفحاته إلى 1802 صفحة. نعني الكتاب الذي انضم أخيراً إلى رفوف المكتبة العربية، ذلك الذي يضم بين دفتيه: بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها المركز حول: "العرب ومواجهة إسرائيل.. احتمالات المستقبل" .. عقدت الندوة في بيروت: 10-13 آذار / مارس 1999.
وفي ما يبدو أيضاً، فإن هذا الكتاب يمثل نموذجاً فريداً من نوعه، في مقاربة الآلية الذهنية، المشار اليها، وذلك عبر ما يحتويه من بحوث ومناقشات، تشير الى، إن لم تكن تدل الى، "بانوراما" الفكر العربي تجاه المستقبل واحتمالاته، في ما يخص: مواجهة إسرائيل. بيد أننا، في اتجاه محاولة مثل هذه المقاربة، نود التشديد - من حيث "المبدأ" - على نقطتين اساسيتين:
الأولى، لا بد من الاعتراف، الواضح والصريح، بأن الكتاب "المكعب" الذي نحن أمامه، يعتبر - إذا ألقينا نظرة فاحصة على المنتوج الفكري العربي، خلال خمسة عقود مضت - من أكثر الكتابات العربية شمولاً، إن لم يكن أكثرها فعلاً، من حيث الجوانب المختلفة التي يتعرض لها، ويتناولها، في ما يخص الصراع بين "العرب وإسرائيل"، والمحاولات الراهنة لتسويته. بل إذا لاحظنا "المجهود" المبذول، والواضح، في كل صفحة من صفحاته التي كادت أن تقارب "الألفين"، جاز لنا القول ان هذا المنتوج الفكري، يأتي في مقدم ما تحتويه المكتبة العربية من "مراجع"، حول كل من الصراع والتسوية الراهنة.
الثانية، لا بد من الإقرار، من دون أي لبس، بأن مقاربة عمل من مثل هذا النوع، لا بد من أن تعتمد، ليس فقط مفهوماً ايجابياً ل "النقد"، بل وهذا هو الأهم ممارسته بالمعنى الأحدث. أو قل: بالمعنى الذي يكون فيه النقد أبعد ما يكون عن النفي أو: الإزاحة.
في هذا الاطار، الشامل لهاتين النقطتين معاً، فإن المقاربة، محاولتنا، هنا، يمكن أن تتم عبر ثلاثة جوانب رئيسة:
أولاً: ان الحديث عن المستقبل، ذلك: "الغائب من الزمن المقبل بعد حين"، وتصور احتمالاته الممكنة كافة، مقدار ما أصبح علماً له قواعده وأصوله، أصبح - الحديث عن المستقبل - ينبني: ليس فقط على الرصد الجيد لممكنات الواقع الراهن بظروفه وملابساته كافة، ولمعوقاته في الوقت نفسه العوامل الحاكمة للواقع، وليس وحسب على التوجهات المستقبلية التي يفرضها الامتداد التلقائي لمعطيات - أي: الأشياء والظواهر التي يتكون منها - الواقع، من دون تدخل ايجابي من جانبنا، ولكن، إضافة إلى هذا وذاك، ينبني، أيضاً، على مقدرة الباحث، "في المستقبل"، على طرح أفكار جديدة وابتكارها، سواء في ما يخص الفكرة ذاتها، أو في ما يتعلق بكيفية تناولها.
من جهة، على رغم عدد الأبحاث الذي وصل إلى 25 بحثاً، وعلى رغم عدد التعقيبات الذي وصل إلى 40 تعقيباً، ناهيك عن الكم الهائل من المداخلات، لم تأت سوى "فكرة وحيدة جديدة"، وهي تلك المتعلقة ب "اليهود العرب" عبدالإله بلقزيز. وعلى رغم أن الظرف "الفلسطيني - العربي" العام، غير مؤهل - واقعياً - للتعاطي مع مثل هذه الفكرة، إلا أن أهميتها تكمن في ضرورة بلورة "الحل الحضاري العربي للمسألة اليهودية"، وذلك كأحد مستلزمات التعاطي المستقبلي "الايجابي"، مع الصراع "العربي - الإسرائيلي"، والصراع "العربي - الصهيوني"، بل - ربما - الصراع "العربي - العربي" أيضاً. أما الفكرة الخاصة ب "الدولة الديموقراطية الفلسطينية" مجدي حماد، فهي وإن كانت: "من أقدم الحلول التي طرحت لقضية الصراع الصهيوني - الفلسطيني"، كما ورد في بحث آخر محمد خالد الأزعر، إلا أنه لا بأس من إعادة طرحها، بسبب أنها تحتاج - بصرف النظر عن درجات الاتفاق والاختلاف - الى مقدار كبير من "التأمل"، هذا في حال تم ربطها ب "كيفية" تفكيك كل من "الدولة" الإسرائيلية، والمنطق "الصهيوني - التوراتي" الحاكم لها، وهو ما لم يخض فيه الباحث، في شكل كان يمكن من خلاله أن يأتي ب "جديد مبتكر".
من جهة أخرى، على رغم هذا العدد الكبير من الابحاث والتعقيبات، 65 بحثاً وتعقيباً، وعلى رغم أن العنوان العريض لكل هذه وتلك، مضافاً إليها - قطعاً - المداخلات، كان جاء حول: "احتمالات المستقبل"، إلا أن الأمر الجدير بالانتباه والتأمل، في آن، هو أن أياً من الأبحاث أو التعقيبات لم يهتم بمقاربة، أو - حتى - بمحاولة استشراف الاحتمالات المستقبلية ل "العرب ومواجهة إسرائيل" .. لاحظ أن ثمة فارقاً بين الحديث حول احتمالات المستقبل، وتصور استراتيجية للمواجهة، على الأقل: من منظور أن هذه تعتمد - في أحد جوانبها - على تلك، بل جاءت محاولات - نقول: محاولات - الاهتمام بهذه الاحتمالات، المستقبلية، في "ثلاثة" فقط ... من الأبحاث: سواء في ما يتعلق ب "تبدل اتجاه البوصلة السياسية الإسرائيلي أو السعي الإسرائيلي إلى تجاهل المنطقة العربية" يوسف صايغ. أو في ما يخص "مدى التأثير المتوقع لما أفرزه الصراع العربي - الإسرائيلي في الايديولوجيات العربية في نظرتها إلى هذا الصراع" علي محافظة. أو في ما يمكن أن ينبني على "احتمالات استخدام القدرات العسكرية في مواجهة مع إسرائيل" طلعت مسلم. ولنا أن نتصور، والحال هذه، مدى دلالة العنوان العريض ل "المنتوج الفكري"، قياساً الى المحاولات "القليلة" المشار إليها.
من جهة أخرى، على رغم أن الابحاث في مجملها جاءت كمحاولات "رصدية" لممكنات الواقع الراهن مع محاولات - نادرة - لرصد معوقاته.. إلا أنه، حتى على هذا المستوى، غابت مواضيع "حيوية" ما كان لها أن تغيب، أو أن يتم إسقاطها، في مثل هذا الحديث الجاد عن "العرب ومواجهة إسرائيل". ويكفينا، هنا، بعض من هذه المواضيع، أو بالأحرى: الاشكاليات، الغائبة. منها، كمثال، اصرار اسرائيل على تسوية صراعها مع العرب ...قدم الإسرائيليون 17 مشروعاً للتسوية في ما بعد حرب حزيران/ يونيو 1967، ناهيك عن بعض من المشاريع المطروحة في أعقاب "إعلان" العام 1948، ومنها، كمثال آخر، تأثير عملية التسوية الراهنة في الدولة القطرية العربية بصفة خاصة، وفي "النظام العربي" على وجه العموم. ومنها، كمثال أخير، العلاقة بين عملية التسوية، و"المناخ العالمي الجديد" الذي يلف العالم الذي نعاصره، أو قل: الاحتمالات المستقبلية ل "التسوية في زمن العولمة" بحسب التعبير الذي اختاره كاتب هذه السطور ليكون عنواناً لبحث له في ندوة: "العولمة والتحولات المجتمعية في الوطن العربي، 1999". بيد أن الجدير ذكره، هنا، في ما يتعلق بهذا المثال الأخير، أن ثمة تنويهاً بذلك الخصوص قد ورد في "سطرين" في واحد من الأبحاث مجدي حماد/2، وفي "ثلاثة وثلاثين سطراً" في بحث آخر محمد سيد أحمد.
ثانياً: ان اختيارنا لكلمة "مقاربة"، في قراءة هذا الانجاز الفكري - وهو انجاز بحق - بما تتضمنه اللفظة من دلالات، في معناها الواسع، وفي تحديدها، كما سبقت الإشارة، بكونها: محاولة لملامسة منطقة جديدة لعمل الفكر، من خلال استثمار معطيات المنتوج الفكري، على الصعيد المعرفي. اختيارنا هذا يفرض علينا عدم صرف النظر عن بعض "الثغرات" المنهجية التي وردت في عدد من الابحاث: سواء في ما يتعلق ب "ثغرة" الانتقال من المقدمات إلى النتائج، أو في ما يخص "ثغرة" تحديد المفهومات المستخدمة ودلالاتها.
من هذه الناحية الأخيرة، لنا أن نلاحظ أن عدم التحديد الواضح لكثير من المفهومات، على امتداد معظم الابحاث والتعقيبات، كان قد جاء بمثابة "ثغرة" واضحة في منحى التفكير العربي السائد. ويكفي، هنا، أن نشير إلى مثال واحد، من بين أمثلة عدة. اذ، على امتداد صفحات هذا المنتوج الفكري، ال 1802، لا نجد محاولة جادة لتحديد الفارق بين الصراع "العربي - الإسرائيلي"، والصراع "العربي - الصهيوني"، وهما مصطلحان كثيراً ما يتم استخدامهما للدلالة الى مفهوم واحد، هذا على رغم أن كلاً من هذين المصطلحين، يشير إلى مفهوم مختلف. فالصراع مع "إسرائيل"، من حيث كونه صراعاً مع "دولة"، يختلف - من حيث الدلالة المفهومية، وما تنبني عليها من نتائج نظرية وعملية - مع و/أو: عن الصراع مع "الصهيونية"، من حيث كون هذا الأخير - بالمجمل - صراعاً "مع عقيدة عنصرية معادية لنا، ولكنها عقيدة لا وطن محدداً لها، وليست مقتصرة على اليهود أنفسهم". الأمر المثير للدهشة، أن مثل هذه المحاولة، محاولة تحديد الفارق بين المصطلحين، لم تأت سوى في "مداخلة" واحدة فقط بيان نويهض الحوت: ص 1713.
ومن ناحية ما يتعلق ب "ثغرة" الانتقال من المقدمات إلى النتائج، فمن بين أمثلة متعددة، لا يتسع المجال لتناولها جميعاً، يكفينا هنا الاشارة الى مثال منها، يتسم بأكبر مقدار ممكن من الوضوح والدلالة. ففي واحد من أهم الابحاث المقدمة الى الندوة، نعني: ذلك الخاص ب "الامكانات الاقتصادية الاسرائيلية" يوسف صايغ، وعلى رغم ما فاجأتنا به الدراسة من تفوق اقتصادي إسرائيلي، ومن معدلات يصعب الإمساك بها" إلا أنه عند الحديث عن المستقبل، فاجأتنا الدراسة، أيضاً، بنتائج غير متسقة مع المقدمات. ولعل عدم الاتساق، هذا، لا يعود فقط إلى أن: "اختفاء مقولة "الشرق الأوسط الجديد" - التي ارتبطت ببيريز - من الخطاب السياسي لليكود، ليس الا نوعاً من ترتيب الأولويات لهذا الاخير"، كما لا يعود وحسب إلى أن: "تمتين إسرائيل لنسيج التعاون مع مناطق العالم الأخرى غير العربية، لا يمكن أن يكون عوضاً لها من المنطقة العربية ومواردها وأسواقها"، وذلك كما لاحظ واحد من المتداخلين محمد ابراهيم منصور: ص 435. ولكن، وهذا هو الأهم، يعود - عدم الاتساق - الى "الثغرة" المنهجية، إياها. وليسمح لنا الباحث، مفكرنا الكبير، بالقول: ان ثمة فارقاً كبيراً، لا بد من الانتباه اليه، بين مقدمات تعتمد على "الاقتصادي"، ومحاولة استخلاص نتائج = احتمالات مستقبلية تعتمد على "السياسي". إذ، ها هنا تتبدى "الثغرة" المشار اليها. وفي اعتقادنا، فإن المنظور الأكثر صحة في اجراء دراسة من هذا النوع، دراسة في "مقاربة" المستقبل، واحتمالاته، هو "منظور: الاقتصاد السياسي"" وذلك من حيث كونه يتيح إمكاناً اكبر ل"تجاوز" تلك "الثغرة". خصوصاً، اذا أضيفت إلى مصادر البحث - في ما يتعلق بموضوعنا - الرؤية الإسرائيلية "السياسية / الاقتصادية" لمستقبل المنطقة، وكذلك لموقعها فيه" وهي الرؤية التي يمكن وضع اليد عليها عبر "المشاريع الإسرائيلية" المقدمة الى المؤتمرات الاقتصادية الاربعة: الدار البيضاء، عمان، القاهرة، الدوحة" خصوصاً أن هذه المشاريع تمثل وجهتي نظر الحزبين الكبيرين في إسرائيل.
ثالثاً:ان مقاربة المنتوج الفكري، في اتجاه تقديم قراءة نقدية له، بالمفهوم "الإيجابي" لمصطلح "النقد" أي: بما يعنيه النقد من معرفة الممكن واستكشافه واستثماره، من أجل أن نتفهم الواقع الراهن و/أو أن نستشرف مستقبلاً "قد يأتي". هذه المقاربة تعتمد، في أحد جوانبها، على الملامح العامة التي يقدمها المنتوج الفكري حول تساؤلين: أولهما، يتعلق ب "الهدف" الأساسي، الذي من أجله تم صوغ المنتوج. وثانيهما، يختص ب "الخطاب" الذي يفصح عنه الصوغ لجهة نقطة الارتكاز في توجهه.
في ما يختص ب "إلى من تتوجه الندوة عبر خطابها؟" هنا، في هذا الشأن، لا نغالي إذا قلنا انه، اذا ما قاربنا الندوة، وخطابها، ليس هناك من توضيح لذلك التساؤل. بل إن الخطاب، اياه، تجاهل تحديد الجهة محور استهدافه. بل ان الخطاب - في ما يبدو، اذا حاولنا الاستيضاح - كان قد أراد التوجه الى "العرب" جميعاً: للحركات السياسية وللشعوب العربية، للمنظمات غير الحكومية وللأنظمة العربية. وإذا كان لهذا المسعى من بعض الايجابيات، فإن له، في الوقت نفسه، الكثير من السلبيات ليس أقلها: "وجود تناقض في بعض الاحكام، واعتماد اساليب في النقاش تتباين بحسب الجهة التي يُراد أن يتوجه إليها الخطاب"، وهي السلبية التي لاحظها أحد المعقبين هاني فارس، وهي - هي - التي تتبدى بوضوح من خلال التجاذبات التي دارت على اطروحات، من قبيل: الامكانات الإسرائيلية، وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية.
أما في ما يتعلق ب "ما هو هدف الندوة الأساسي؟"، هنا، يبدو أن الهدف تأرجح ما بين غايتين: الأولى، محاولة استشراف احتمالات المستقبل في ما يخص "العرب ومواجهة إسرائيل". والثانية، محاولة بلورة رؤية استراتيجية في ما يتعلق بكيفية هذه "المواجهة". وبصرف النظر عن القاعدة المنهجية التي تفيد "أن الحديث عن الاستراتيجية وما تتضمنه من خطط للعمل"، وهي القاعدة التي حاولنا التشديد عليها منذ أكثر من اثنتي عشرة سنة، في ندوة: "الحركة العربية الواحدة" بيروت: 1989. نقول: بصرف النظر عن هذه القاعدة، وما تنطوي عليه من دلالات، فإن "التأرجح" بين هاتين "الغايتين - المحاولتين" كان قد ساهم، ولا شك، في غياب الصلة، بل عدم الاتساق، بين جزءي الندوة. فلا "المحاولة الاستراتيجية" ج2، اعتمدت على الدراسات الاساسية ل "امكانات القوى المختلفة المشاركة في الصراع"" إذ أنه قد تم صوغ "الاستراتيجية" في شكل منفصل عن هذه الدراسات. ولا هذه الاخيرة قد اهتمت باستشراف احتمالات المستقبل بالنسبة الى المسألة المطروحة، أي: "العرب ومواجهة إسرائيل"" وهي الاحتمالات التي لا يمكن صرف النظر عنها في أية محاولة لبلورة "رؤية استراتيجية" بخصوص "العرب ومواجهة إسرائيل".
إن هذه الجوانب الثلاثة، بما يتضمن كل منها من جهات ونواح وتساؤلات فرعية، تساهم، في رسم الملامح العامة ل "بانوراما" منحى التفكير العربي السائد، والصورة التي يتبدى من خلالها، وذلك في ما يخص احدى أهم القضايا العربية.
بل إن هذه الجوانب، نفسها، هي - هي - ما يدعونا الى التشديد على اثنتين من أهم الملاحظات التي وردت في المنتوج الفكري الذي بين أيدينا: الأولى، هي: "الخلط السائد بين الخطاب الذي يهدف الى تعبئة الجماهير، والخطاب القانوني الذي يهدف الى إبراز الحق العربي، والخطاب الأخلاقي الذي يهدف الى إبراز لاأخلاقية الصهيونية، من جهة" ومن جهة أخرى، الخطاب التفسيري الذي يهدف الى إبراز السمات البنيوية والقوانين المتحكمة في الظاهرة الصهيونية، عبدالوهاب المسيري: ص 169. والثانية، هي: "أن المنهج السائد هو المنهج التقريري، الرصدي الاحصائي، وكأن الكم هو الذي يغلب على الكيف. وهناك المنهج المسبق بالايديولوجيات والخطاب الايديولوجي المعروف" قومي، اسلامي... لا يهم، لكن هو الخطاب المغلق على نفسه، والجاهز بمقدماته ونتائجه وطرق استدلاله بصرف النظر عن الموضوع، وهو ايضاً منهج لا يزال سائداً في الفكر العربي" حسن حنفي: ص 1305.
بيد أننا، واضافة الى هاتين الملاحظتين، نود أن نشير الى ملاحظتين أخريين، في ما يخص منحى التفكير العربي السائد:
الأولى، تلك المتعلقة بأن تسيّد هذا المنحى من "التفكير العربي" يعود، في احد اهم عوامله، الى تشبث "جيل" من المثقفين والسياسيين العرب، بفرض رؤاه وتصوراته وتسييدها: ليس فقط على ماضي الصراع بين "العرب وإسرائيل"، ذلك الذي أوصل العرب إلى ما هم عليه من حال - على رغم المسؤولية التي يتحمل هذا "الجيل" جزءاً منها - " ولكن ايضاً على مستقبل هذا الصراع. يكفي أن نشير، هنا، الى أنه من بين 65 بحثاً وتعقيباً، لم يشارك "الجيل العربي الوسيط" بسوى "خمسة" منها، أي ما نسبته حوالى 8 في المئة، وذلك في مسألة تتعلق: ليس بالعرب وإسرائيل، ولكن ب "العرب ومواجهة إسرائيل". ليس معنى ذلك، أننا نحاول المصادرة على "جيل الشيوخ"، أو تنحيته، لكننا نحاول طرح هذا التساؤل: ترى، في ما يخص "العرب ومواجهة إسرائيل"، أليس من الصحيح أن يقوم "الجيل الوسيط" بإنجاز الأبحاث، في حين يضطلع "جيل الشيوخ" بالتعقيب عليها؟!.
الثانية، تلك الخاصة ببعض "الاخطاء" الواردة في منتوج فكري، بمثل هذه الاهمية. ويكفي أن نشير الى اثنين من هذه الاخطاء، فهناك، كمثال، "الخطأ التاريخي" الخاص ب "توقيت وترتيب اعلان" اعتراف كل من الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الاميركية ب "اسرائيل"، ذلك الذي ورد في بحث واحد من ""شيوخ" القانونيين العرب، وحاول تصحيح التصحيح - من خلال مداخلة - واحد من "شيوخ" الباحثين القوميين العرب. كما أن هناك، كمثال آخر، "الخطأ التوثيقي" المتعلق ب "أحد المراجع الواردة في هوامش اثنين من الابحاث"، الواردة في الندوة مجدي حماد 1، 2، نعني: كتاب "عبور الهزيمة"، الذي قام على انجازه اثنان من الباحثين العرب من "الجيل الوسيط". وتكفي، هنا، المقارنة بين المصدر الاصلي، والإحالات "الست" الواردة بشأنه، في الهوامش، ولولا أهمية المنتوج الفكري الذي نحن في مواجهته، ما كان يتم التعرض ل "اخطاء" من مثل هذا النوع، وكان يمكن ان نقول : يمكن صرف النظر عنها.
من خلال هذه القراءة لمنحى التفكير العربي السائد، لا يتبقى لنا سوى أن نطرح سؤالاً: هل كانت الاطروحات الواردة حول "العرب ومواجهة اسرائيل"، هي محاولة لاستشراف احتمالات مستقبل هذه المواجهة، أم أنها محاولة استراتيجية في كيفية هذه المواجهة؟ وإن كانت، فهل يحق لنا القول إنها محاولة استراتيجية، لا تزال تنقصها "الأداة"؟!.
* كاتب مصري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.