الكتاب: الأحزاب الصهيونية في مئة عام. الكاتب: نافذ أبو حسنة. الناشر: معهد الدراسات السياسية مع مَن نصنع السلام، إذا كانت الخريطة الاستيطانية، المنجز منها وما هو قيد الانجاز أو ما هو في ملفات المخططات الحكومية، على هذا القدر من الخطورة... من جهة، إذا كانت الأحزاب الصهيونية، من جهة ثانية، تلتقي جميعاً، خصوصاً ازاء العلاقة مع الصراع العربي - الصهيوني، وازاء "أرض الميعاد" و"القدس الموحدة - عاصمة للدولة" الصهيونية، ولا تختلف إلا في التفاصيل وأساليب العمل؟ يكمن هذا السؤال في قلب البحثين - الكتابين: "جغرافية الاستيطان ووهم الدولة"، و"الأحزاب الصهيونية في مائة عام"، للباحث الفلسطيني نافذ أبو حسنة. ينطلق الباحث، في كلا الكتابين - مع اختلاف المعطيات الأساسية بينهما - من قناعة مطلقة باستحالة "السلام" مع كيان استيطاني، توسعي، عسكري، له بنيته المستندة الى البعدين الديني - التوراتي، والعلماني - الصهيوني، وله فكره وثقافته السياسية القائمان على تقديس العنف والقوة والتفوق من جهة، وعلى ضرورة نفي الآخر "الغوييم" والغائه أو - وهذا في أحسن الأحوال - الهيمنة عليه، كيان قام على اغتصاب الأرض التي "بلا شعب" وطرد الشعب الأصلي ضمن سلسلة خطوات ومجازر، ليستجلب اليها شعباً "بلا أرض"، ليس فقط لأنه "شعب الله المختار"، بل الشعب الآخر "غير موجود". وحتى بعد أن تأكد "وجود" هذا الشعب، جرى تحويل مشكلته الى مشكلة عربية على العرب أن يحلّوها بعيداً عن "أرض اسرائيل". إن صورة الأخطبوط الاستيطاني كما يبرزها الباحث لا تترك ثغرة من شك في وجود نوايا "سلامية" السلام حتى بالمفهوم السائد والذي جرى الاتفاق عليه في مدريد مثلاً لدى أي من الأحزاب الصهيونية، سواء كانت "عمالية" أو "يسارية؟" أو على هامش اليسار، فكيف بأحزاب "اليمين؟" و"اليمين المتطرف" و"الأحزاب الدينية" و"الحراديم"؟ فمنذ وصول أوائل أفواج المهاجرين، ومنذ مطلع هذا القرن تحديداً، بدأ الصهاينة يخططون ويؤسسون بنية الدولة، سواء عبر انشاء المزارع الجماعية والتعاونية، أو عبر تأسيس أحزاب وحركات عمالية جاءت امتداداً لأحزاب أوروبا، أو عبر تأسيس القوة العسكرية الهاغاناه - نواة الجيش الإسرائيلي، ولم تكن تنقص قادة المشروع - مشروع الدولة - الوقاحة كي يعلن احدهم ان قيام "اسرائيل" يستند الى "الحق الإلهي"، لا الى وعد بلفور. وليس الأخطبوط الاستيطاني وليد الخرافات الدينية - القومانية التي نادت بها وتبنتها الأحزاب الدينية أو ما يسمى أحزاب اليمين لم يعد مبرراً للباحث العربي ترديد هذه الأسماء: يمين، يسار... للتعريف بالأحزاب الصهيونية التي ينبغي ان نوجد لها تصنيفات وأسماء تتفق مع اتجاهها وبنيتها وأهدافها، فقد بات معروفاً - ومن خلال الوقائع المتزايدة - ان حزب العمل، وريث الماباي والمابام، هو الذي أسس لولادة هذا الاخطبوط، منذ ما قبل ولادة الدولة، وظل يرعاه حتى آخر مستوطنة تقام الآن على أرض فلسطين، وان بإشراف وتنفيذ حكومة ليكودية. ولعل أخطر ما في هذا الأخطبوط أنه لم يترك من الأراضي الفلسطينية ما يشكل "وحدة جغرافية متكاملة" يمكن أن يقوم عليها كيان - أي كيان فلسطيني يتمتع بالسيادة، ف"أفضل وصف للواقع القانوني والإداري للأراضي المحتلة عام 1967 هو أنها مراكز فلسطينية للسكن في أرض "اسرائيل"، ويسمح لهؤلاء السكان الفلسطينيين بمقدار محدود من السيطرة على الأرض التي يملكونها فعلاً". ولهذا فإن "وهم الدولة" الفلسطينية كما يشيعه أصحاب منهج التسوية السلمية للصراع، لا يجد - هذا الوهم - ما يسنده سوى في عقول أصحابه اللاعقلانيين بالطبع، واللاواقعيين أيضاً، الذين يريدون تبليغنا الخيار "السلمي" لا بوصفه الخيار المفروض، بل بوصفه الخيار الوحيد الذي ينبغي أن لا نحلم بغيره، محاولين اقناعنا بأن الصهاينة يريدون السلام، ولكن بيبي، وحده، هو من يخرّب العملية... بينما الحقيقة هي - كما تبرزها إحدى خلاصات الباحث - أن الكيان الصهيوني "يتحرك في ظل حديث عن السلام، لينجز ما يشكل بالذات أهدافه من الحرب" وأن "المشروع الصهيوني لم يتراجع عن هدف التهويد، وأن الاستيطان هو أداته الرئيسة لتحقيق هذا الهدف"، لا يختلف في ذلك بيبي عن رابين وبيريز، فحزب العمل توجه الى "السلام المبني على القوة" الذي يشكل "الأمن الأعلى الصهيوني" مرجعيته الوحيدة، وهو الذي أقنع معسكر السلام أنه "لا بد - مراعاة للسلام - من استمرار تفوقها اسرائيل العسكري النوعي... فهذه ضرورة وجودية، بحيث لا تكفي أية ضمانات دولية أو اقليمية كبديل عن هذا التفوق"، وكان "التزام العرب بهذا المفهوم الأمني الصهيوني للسلام، هو مقياس استعدادهم للسلام مع اسرائيل"، فليس "السلام" هذا - إذن - سوى وسيلة - مثله تماماً مثل تكسير العظام وقصف الجنوب اللبناني وغير ذلك من وسائل العنف - من أجل اعادة الثقة للمواطن الصهيوني بدولته وجيشه، خصوصاً إثر عدد من التحوّلات والأحداث التي هزت الثقة "بالجيش الذي لا يقهر" منذ حرب 1973 ثم في مواجهة المقاومة في بيروت 1982 وأخيراً في مواجهة الانتفاضة وبروز صورة العسكري الصهيوني "كقوة بوليس تطارد الأطفال وتفشل في تصفية الانتفاضة". الهوية العربية ما وضع مليون عربي يعيشون في إطار هذه الدولة وقوانينها؟ ما دور فلسطينيي ال 1948 السياسي؟ ما الموقف من المشاركة في الحياة السياسية، عبر الأحزاب الصهيونية، أو عبر أحزابهم وتجمعاتهم الخاصة؟ ما تأثير هذه المشاركة؟ هل يتناقض مطلب "المساواة من حيث الحقوق مع اليهود" مع ضرورة الحفاظ على الهوية العربية؟ على رغم ترديد الباحث عبارة "التعقيد" الذي تنطوي عليه قراءة الوضع السياسي لهؤلاء الفلسطينيين، ومدى الخلل الذي تقع فيه "الأحكام القطعية" حول مشاركتهم السياسية/أو اللامشاركة... على رغم ذلك، وبعد أن يعرض مواقف "التخوين" و"التفهم" تجاه المشاركة، يبدو أبو حسنة ميالاً الى "لا جدوى" المشاركة من جانب، ودور هذه المشاركة في "الأسرلة" من جانب ثان. فالمشاركة هذه - أولاً - تجري ضمن قوانين الدولة الصهيونية، والتأثير في سياسة الكيان يتناسب طردياً مع الانسحاب من الهوية العربية لمصلحة الأسرلة، لأن هذا التأثير "لا يمكن أن يتم إلا من داخل اللعبة السياسية الإسرائيلية ذاتها، والتسليم ب"إسرائيل دولة اليهود" خصوصاً وأنه بعد النتائج التي تمخضت عنها انتخابات الكنيست الرابعة عشرة أصبحت الأسئلة أشد الحاحاً، فقد حصل العرب على أكبر عدد من مقاعد الكنيست في تاريخ مشاركتهم السياسية 11 عضواً... ولكنهم، في الوقت نفسه، فقدوا - بالتوازي مع عدد مقاعدهم الكبير - أية قدرة على التأثير في سياسة حكومة مشكَّلة من اليمينيين والدينيين الصهيونيين" لا يشير الباحث الى ما حققوه - أو لم يحققوه - في حكومات العمل؟. ويقرر الباحث في نهاية هذا الفصل أن "العلاقة الصراعية ستظهر من جديد بين صاحب الأرض الذي يسعى الى تجسيد حضوره ولو كلّفه جزءاً من هويته، وبين الغاصب الذي يُشْهر سلاحّي "النفي" و"الادماج" الحضاري، المادي والروحي". وأخيراً، فإن الخرائط الاستيطانية التي زوّد الباحث كتابه بها، تكاد تكفي لرسم الصورة المرعية والكريهة للمشروع الاستيطاني بوصفه ركيزة المشروع الصهيوني. كما أن الملاحق والقوائم التي زوّد بها كتابه عن الأحزاب وتوجهاتها وبرامجها ودورها وتأثيرها في الحياة السياسية، وفي الانتخابات بصورة خاصة، تظهر اتجاه الكيان الصهيوني ومساره، منذ نشأة التفكير بإقامته حتى آخر انتخابات جرت فيه وجاءت برئيس وزرائه الحالي، في سياق لا يتغير جوهره، وإن اختلفت بضع عناصر ثانوية في هذا المسار. ولعل الكتاب الثاني يبقى في حاجة الى ملحق خاص بأسماء الأحزاب يشرح الإسم العبري بالعربية، ويتضمن معلومات أساسية.