مؤلفة كتاب "معركة من أجل الله"، كارين ارمسترونغ، هي باحثة بريطانية معروفة لها عدد من الكتب المتميزة. وهذا الكتاب كما هو بيّن من عنوانه يستعرض ما اصطلح عليه بالأصولية في الديانات الثلاث والخلفية لظهورها. وتبدأ المؤلفة كتابها من العام 1492م وتبرر ذلك بأن هذه الفترة شهدت أحداثاً ثلاثة مهمة أثرت لاحقاً في مجتمعات الأديان الثلاثة. والأحداث هي سقوط غرناطة كرمز للدولة الإسلامية في أوروبا واكتشاف كولومبوس للعالم الجديد وطرد اليهود والمسلمين من إسبانيا. وهي تتحدث عن اليهود في شتاتهم وعن الوضع المزري الذي عاشوه في أوروبا والمذابح التي طاولتهم فيها. وتؤرخ للحركات الدينية والفكرية التي نشأت بينهم مثل حركة القبلاه التي أنشأها اسحق لوريا توفي 1572م وهي حركة تركز على التأويل الديني والفكر الباطني وما زال أتباعها كثراً حتى اليوم. وتتحدث عن الحركة الشبتائية التي قادها شبتاي زفي توفي 1676م وهي حركة مسيحانية كاذبة أنعشت آمال اليهود ثم خيبتها خيبة مريعة وأفرزت فرقة جديدة هي فرقة الدونمة الحالية. وتتطرق المؤلفة الى الحركة الحسيدية التي قادها بعل شم طوب ت 1760م في منطقة أوكرانيا - بولندا وشددت في ممارستها العبادية على الجانب الروحي والصوفي وعلى الغناء والموسيقى والرقص ويبلغ عدد أتباعها اليوم مئات الآلاف. كما تستعرض حركة المسكلا التنوير التي كان رائدها موسى مندلسون ت 1786 التي اعتنق أفكارها اجيال من اليهود. وتؤرخ للحركة الإصلاحية في اليهودية التي ظهرت في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر وسميت هذه الحركة في ما بعد باسم "اليهودية الإصلاحية" ويصل أتباعها اليوم الى أكثر من مليونين. ثم تفصل الحديث عن الصهيونية وظهورها وتأثيرها وإنشائها لإسرائيل، وعن الأحزاب والجماعات الأصولية في إسرائيل ودورها في سياستها وتأثيرها في المجتمع وصراعها مع العلمانية. وهي خلال ذلك تتحدث عن بعض الشخصيات المهمة في تاريخ اليهود مثل سبينوزا. وتستعرض عند الحديث عن المسيحية تاريخها في العالم الغربي وظهور الحركات الدينية المهمة فيها مثل البروتستانتية والكالفينية والبيورتانية، كما تتحدث عن حركات أخرى مثل الكويكرز والميثودية، وعن الحروب الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت في القرن السادس عشر وعن حرب الثلاثين عاماً في القرن السابع عشر وعن الحرب الأهلية في بريطانيا وإنشاء الجمهورية فيها. وتتحدث عما سمي ب"هوس الشعوذة" الذي اجتاح اوروبا في القرنين السابع عشر والثامن عشر. كما انها تتحدث عن بعض الشخصيات الإصلاحية مثل ماثيو تندل ت 1733 وجون تولاند ت 1722. وتتطرق أيضاً الى الثورة الفرنسية وتأثيرها ودورها في ترسيخ الحرية والمساواة وأيضاً أثرها في ظهور الإرهاب وتأثيرها في نشوء الولاياتالمتحدة كدولة علمانية. كما تذكر بعض الشخصيات التي كان لها دور في الحياة الفكرية في أوروبا مثل فرانسيس بيكون ت 1626م وديكارت ت 1650 واسحق نيوتن ت 1727 خصوصاً كتابه عن فلسفة الدين. وهي تعتبر نيوتن من أوائل المفكرين الذين أعطوا تفسيراً علمياً للدين، وجون لوك 1704 الذي ترى فيه المؤلفة أول فلاسفة عصر التنوير. كما أنها تتحدث عن داروين وهكسلي وكنت. وتتطرق الى الصحوتين الكبريين في الولاياتالمتحدة وإلى دور الدين في حرب الاستقلال وإلى صراع الكنائس ودورها في التأثير في الحياة الاجتماعية في هذا البلد وإلى ظهور الحركات العلمانية والصراع بينها وبين الكنائس الذي استمر حتى العصر الحاضر. كما تتحدث عن ظهور الفرق الجديدة مثل المورمنز والأدفندست والبنتاكوستل في القرن التاسع عشر. وتتطرق الى تأثير رجل الدين البريطاني جون نلسون داربي ت 1882 ودور أفكاره في ظهور الأصولية حيث يتبناها الكثير من أتباعها اليوم، وتتحدث عن محاكمة جون سكوبز عام 1925 التي كانت من المحطات المهمة في ظهور الحركة الأصولية التي تفصل الحديث عنها حتى نهاية التسعينات. أما عن العالم الإسلامي فهي تقوم بمسح للمجتمعات في الدول الثلاث من القرن الخامس عشر: المغولية والفارسية والعثمانية. وهي تقول إن هذه الممالك كانت متقدمة على أوروبا في وقتها على رغم محافظتها، وتتحدث عن دور الفقهاء خصوصاً في الدولة العثمانية وفارس وتستعرض تاريخ بعض الحركات الإسلامية مثل حركة محمد بن عبدالوهاب ت 1792م في الجزيرة العربية وحركة أحمد بن ادريس ت 1836 الصوفية في المغرب وحركة أحمد التجراني ت1815 في الجزائر وحركة محمد بن عبدالكريم سميم ت 1775 في المدينةالمنورة وحركة محمد بن علي السنوسي ت 1832 في ليبيا. وعن العالم الشيعي تتحدث عن نشوء المدارس الفقهية كالأصولية والإضبارية كما تتحدث عن دور الفقهاء في فارس في السياسة مثل دور النائيني وعن خلافهم مع الفلاسفة مثل الداماد وملا صدرا. وتتحدث أيضاً عن كتاب الأسفار الأربعة لملا صدرا وأهميته وتأثيره في فكر الثورة الإسلامية في إيران. وتتطرق الى حملة نابليون في الشرق وتأثيرها ودور محمد علي في مصر، ثم تتحدث عن عدد من المفكرين العلمانيين في إيران ومصر في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، وتفصّل الحديث عن الحركة الإسلامية في مصر وتستعرض أفكار الأفغاني ومحمد عبده وتتحدث عن الإخوان المسلمين وسيد قطب وكذلك عن الظروف التي هيأت للثورة الإسلامية في إيران ودور الإمام الخميني وأفكاره. وهي ترى أن الثورة الإسلامية نبهت الغرب الى أهمية "الأصولية الإسلامية". وتتحدث أيضاً عن الحركة الإسلامية في فلسطين. وترى أن بداية ظهور الأصولية في الديانات الثلاث ترجع الى نهاية القرن 19 وبداية القرن 20 عندما أحس الكثير من أتباع هذه الديانات بأن ديانتهم في خطر. ويتبين حضور المؤلفة في كتابها من خلال نقدها لبعض القضايا وتحليلها للبعض الآخر وإبداء رأيها في قسم ثالث منها وإن كنا نتحفظ على بعض آرائها. والكتاب جدير بالقراءة لمعلوماته الغزيرة والمهمة التي يحتويها ولحيوية الموضوع وبعده السياسي. The Battle for God: Fundamentalism in Judaism, Christianity and Islam, Harper collisns, london * أكاديمي عراقي.