سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الحريري يحمل معه قرارات تحسين أداء القطاع العام دليلاً الى "التوافق السياسي" المطلوب دولياً . اجتماع باريس لن يأتي "بحقيبة مساعدات" مالية ولبنان يأمل منه ضمان فوائد ديونه لخفض قيمتها
ماذا يمكن أن يحصد لبنان من اجتماع باريس الذي يرعاه الرئيس الفرنسي جاك شيراك، ويحضره رئيس البنك الدولي جيمس ولفنسون ورئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي رومانو برودي ومسؤولو البنك الأوروبي للاستثمار ووزارة المال الفرنسية، غداً الاثنين، ورئيس الحكومة رفيق الحريري؟ فالاجتماع الذي دعا اليه شيراك بعد اتفاق مع الحريري اثناء زيارته لفرنسا قبل 10 أيام، يضم جهات، سبق للمسؤولين اللبنانيين ان التقوا بكل منها في شكل منفرد. والجديد في اجتماع الغد هو انه يتم مع هذه الجهات مجتمعة، للبحث في ترجمة عملية جماعية لاستعداداتها مساعدة لبنان. فهل من جديد لدى هذه الجهات غير ذلك الذي جرى تداوله معها اثناء محادثات سابقة، لجهة الاستعداد لتمويل مشاريع انمائية جديدة؟ يميل رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري الى تجنب الحديث عما يأمله من اجتماع باريس المالي، الدولي، غداً، ويفضل، مع معاونيه، خفض التوقعات منه، لئلا يعلن عما يأمله فتأتي النتائج أقل من التوقعات ويسبب ذلك احباطاً ينعكس سلباً على الصعيد النفسي وسط الرأي العام اللبناني، الذي هيأته وسائل الاعلام لتوقعات عالية، بمجرد تأكيدها ان اجتماعاً على هذا المستوى مهم جداً. وبعيداً من الحذر في التوقعات، فإن الحريري ومعاونيه يحرصون سلفاً على استبعاد أي مراهنة على أن ينتهي الاجتماع الى تخصيص مبالغ مالية سيعود بها الى بيروت لأن هذا من المستحيلات، فالحاضرون سبق أن قدموا قروضاً ميسرة للبنان وهبات استخدم جزءاً كبيراً منها. وعلى رغم ما ذكرته "الحياة" عن ان الفكرة الأساسية المطروحة على اجتماع الغد هي تأسيس "صندوق دولي لضمان قروض لبنان"، لأن الأولوية هي لمعالجة مديونيته وخدمة الدين، فإن رئيس الحكومة وأوساطه يفضلون الحذر في التعليق على الاقتراح الى أن يرى النور. لكن مصادر مطلعة أوضحت ل"الحياة" ان فكرة الصندوق تهدف الى ضمان خدمة الدين اللبناني الجديد، أي الفوائد لا ضمان رأسمال هذا الدين لأن هذا الضمان يساعد على خفض فوائد القروض الجديدة، في شكل يعينه على أن يسدد ديونه القديمة المرتفعة الفائدة لتحل مكانها تدريجاً، ديون جديدة منخفضة الفائدة، فيؤدي ذلك الى انخفاض تدريجي في العجز الناجم في جزء منه عن تصاعد خدمة الدين. وذكرت هذه المصادر ل"الحياة" ان الجانب اللبناني سيسعى الى أن يكفل "صندوق الضمان الدولي" فوائد الديون الجديدة كحد أدنى، وسيعمل أيضاً من أجل أن يساهم في ضمان خدمة الدين القديم، لأنه يزيد من خفض فوائد الديون الجديدة وبالتالي خفض المديونية العامة مستقبلاً. والى أن تنجلي طروحات لبنان خلال اجتماع الغد في شكل رسمي، فإن مصدراً وزارياً أبلغ الى "الحياة" ان الجانب اللبناني يذهب اليه بثلاثة اهداف: ايجاد مصادر تمويل جديدة غير الاصدارات المحلية لسندات الخزينة واطالة أمد التمويل الجديد وخفض فائدته الى الحدود القصوى. أما انشاء صندوق دولي لضمان خدمة الدين فهو من الآليات لتطبيق هذه الأهداف. وتحديد الآليات يتوقف على المناقشات التي ستجرى في اجتماع باريس. والعنوان العام لهذه الآلية هو أن تكفل الجهات المجتمعة والدولية دفع لبنان فوائد دينه على مدى سنوات الاقتراض، فتؤدي هذه الكفالة الى اقتراض بكلفة أقل، ويشكل ذلك رسالة الى كل الجهات الدائنة بأن لبنان مدعوم مالياً، وان في قدرته ان يموّل حاجاته بأسعار معقولة وفي استطاعته تسديد ديونه. ويبدو انه لتحقيق هذه الأهداف وهذه الآلية، يحمل الحريري في جعبته الى باريس غداً، مجموعة من القرارات والاجراءات التي أخذتها حكومته يأمل ان تكون حافزاً للمجتمعين على تلبية مطلب لبنان مساعدته على معالجة مديونيته، خصوصاً ان هذه المساعدة تلعب دوراً في جذب الاستثمارات. وأحدث هذه القرارات والاجراءات ما صدر عن جلسة مجلس الوزراء في جلسته الخميس الماضي، والتي وصفها احد الوزراء المخضرمين، بأنها "أهم جلسة انعقدت في تاريخ الدولة لجهة التعامل مع المعضلات الاقتصادية والمالية، بحسب خبرتي لسنوات طويلة في العمل الحكومي". وأهم هذه القرارات، التي تندرج تحت عنوان خفض انفاق الدولة على الادارة والاهدار في مصاريفها، هي تلك المتعلقة بالاعلام، اقرار القانون الجديد للاستثمار، وقف دعم الخزينة لانتاج الشمندر السكري، وقرار اعداد قانون لخصخصة قطاع الكهرباء على مراحل، هذا بالاضافة الى موقف المكتب العالمي لمكافحة المخدرات التابع للأمم المتحدة الذي امتدح مديره مهدي العلي إحالة الحكومة على المجلس النيابي، مشروع قانون يرفع السرية المصرفية في قضايا جرائم المخدرات، الذي يعد باباً أساسياً لمكافحة تبييض الأموال التي طولب بها لبنان دولياً. وعليه فان الجانب اللبناني سيشرح للمجتمعين في باريس الاجراءات التي اتخذها بدءاً برزمة قرارات الخميس الماضي، مروراً بالاجراءات التي سبق ان اخذها في اطار الانفتاح الاقتصادي فتح الاجواء خفض الجمارك اعفاء الخليجيين من تأشيرة الدخول، انتهاء بالمشاريع المحالة الى المجلس النيابي المتعلقة برفع نسبة تملك الاجانب، وخططاً لخفض انفاق الدولة على الادارة والتي ستطاول بعض جوانب تعويضات موظفي القطاع العام والقوى الأمنية. وأهمية هذه القرارات بالنسبة الى اجتماع باريس انها تؤكد، بحسب مصدر وزاري على حصول توافق سياسي بين اركان الحكم كان ولفنسون نصح كبار المسؤولين بحصوله وبوقف المماحكات بين بعضهم. وهي تؤكد ان هناك نية لدى اركان الدولة لتحسين اداء القطاع العام لتخفيف عبئه على الموازنة. وهذا يشكل أحد الضمانات، للدائنين والمؤسسات الدولية وللمستثمرين بأن النزف المالي اللبناني لن يستمر، اذا ما ساعدوه على خفض مديونيته، والمال المقترض لن يذهب هدراً. ويعتبر أحد الخبراء الماليين ان "سلة القرارات الحكومية المتخذة تجيب على مقولة سمعها المسؤولون من كل الدول والصناديق المانحة مفادها ان اعادة الثقة بالبلد تبدأ باجراءات من جانب لبنان تدل الى انه يقوم بما عليه من اجراءات تملي البديهات الاقتصادية في اي بلد مثله، ان يتخذها. فاذا اقتنع المجتمعون في باريس "اننا نقوم بواجبنا تجاه انفسنا ساعدونا، في شكل يعزز الثقة الدولية بالبلد، وتعزيز الثقة يخفض هامش الفائدة". ويعتبر الخبير نفسه ان "النجاح في كسب ثقة المجتمعين في باريس، سيساعد مستقبلاً على تحقيق امرين مهمين: الأول تشجيع الهيئات الدولية المستثمرين على الاقبال على خطط الخصخصة بما يزيد المنافسة على اسعار القطاعات التي تنوي الحكومة بيعها وثانياً على منح لبنان بعض الهبات ولو الضئيلة، التي كنا حصلنا عليها سابقاً ثم توقفت بسبب الشكوك في قدرتنا على الافادة منها من دون هدر".