عززت الدراما السورية مواقعها على الشاشات العربية من خلال عدد الساعات التي حضرت بها في أوقات البث الرئيسية، خصوصاً في شهر رمضان المبارك الأخير، إذ تنافست العشرات من الأعمال الدرامية السورية، سواء تلك التي أنتجت عام 2000 أو تلك التي انتمت انتاجاً الى العام 1999 ولم تعرض في شكل واسع في المحطات العربية. لعل أهم ما يميز الدراما السورية للعام 2000 التنوع الشديد في الأشكال والمضامين. فقد حضرت بجانبها التاريخي: المعاصر والفانتازيا والقديم والتاريخ المعني بأسئلة النهضة العربية، وحضرت أيضاً متنوعة الأشكال: الكوميدي والرومانسي و"الفارس" والأسروي والتجريبي. ولعلنا لن نضيف جديداً إذا قلنا ان سوية التمثيل العالية كانت احد أهم ملامح الدراما التلفزيونية السورية 2000. فقد حضر الممثل السوري في معظم الأدوار بأناقة لافتة، معززاً بذلك موقعه المهم والمميز في خارطة الفن السوري عموماً. واذا كانت الدراما السورية حققت حضوراً كبيراً، فهذا لا يعني كل النجاح التي تسعى اليه، بل هو نصف النجاح الذي يسجل لها بكل تقدير. لكنها أيضاً عانت عام 2000 الكثير من الإشكالات التي أنتجت عدداً من الأعمال التي لم ترتق الى السوية المعروفة، إذ حوت خريطتها عدداً كبيراً نسبياً مقارنة بعدد الساعات المنتجة من الأعمال التي راهنت على سمعة هذه الدراما، لكنها لم تستطع أن تضيف أي جديد باستثناء الساعات التي أُضيفت الى قائمتها. فهذه الأعمال لم تنجح في مقاربة الهم الفني الذي بات احدى أهم سمات الدراما السورية، بل تجاوزته تحت شعارات الرؤية الفكرية المثخنة بالكلام. فهذا الإرث اللغوي المحمل بالأفكار كان ذات يوم مقتل الفن، وما زال يحمل الصفة نفسها. وفي الاتجاه الآخر ثمة أعمال ذهبت نحو التهريج بدعوى الكوميديا والخلاص من الأفكار الكبيرة والرتيبة، فأفرزت في النهاية عدداً من الأعمال نالت لقب التهريج الرخيص أحياناً بكل جدارة. لافتة شاملة والأعمال السابقة نجدها لا تستحق الانتماء الى الداما السورية لا من قريب ولا من بعيد، وإن كانت مع الأسف ادرجت تحت لافتة هذه الدراما في المصنفات الفنية العربية. وهنا نعتقد بوجوب دور رقابي من نوع خاص، نتوقع أن تقوم به نقابة الفنانين أو وزارة الاعلام، ونتمنى أن يتجاوز الهم الرقابي العربي الذي يخشى خدش الخطوط الحمر، الى دور مهمته الوحيدة الحفاظ على سوية مميزة للدراما السورية التي ما نجحت إلا بعد مخاض طويل وعسير، فجاءت الولادة طبيعية. وإذا كانت اللوحة البانورامية للدراما السورية حوت أعمالاً رديئة، فإنها في المقابل ضمت عدداً لا يُستهان به من الأعمال التي تستحق نقاشاً حقيقياً، وتفتح الأبواب على الكثير من الأسئلة الحبيسة، سواء تلك التي اتسمت بضخامة الانتاج أو التي أُدرجت تحت تسمية التاريخي أو الكوميدي أو الانساني الخ. وعلي رغم ما تبدو عليه الخريطة الدرامية السورية من سيطرة واضحة للأعمال التاريخية، لم تكن الأعمال المعاصرة أقل منها، سواء من حيث الجودة أو عدد الساعات. ولعلنا نذكر في هذا السياق "قلب دافئ" للمخرج فهد ميري، "سفر الياسمين" للمخرج زهير ديوب، "رقصة الحباري" للمخرج يوسف رزق، "المجهول" للمخرج محمد الشيخ نجيب، "نساء صغيرات" للمخرج باسل الخطيب، "أسرار المدينة" للمخرج هشام شربتجي، "أحلام لا تموت" للمخرج غسان باخوس. الى جانب أعمال أخرى تفاوتت بين المحاولة الجادة والكلاسيكية والمحدودية، مثل: "سري للغاية" للمخرج نبيل المالح، "قصص الغموض" للمخرج محمد الشيخ نجيب، "الشام في عيوني" للمخرج سالم الكردي، "غيوم صيفية" للمخرج علاء الدين الشعار، "حروب عائلية" للمخرج نبيل شمس، "خوخ ورمان" للمخرج سالم الكردي. الى جانب الأعمال الرمضانية الكوميدية المعاصرة، مثل: "عائلتي وأنا" للمخرج حاتم علي، "حكايا" للمخرج مأمون البني... مع العلم اننا أسقطنا من حساباتنا الكثير من الأعمال المعاصرة التي لم نجدها جديرة بالانتماء الى الدراما السورية. وفي المقابل نجد ان الأعمال التاريخية بكل أشكالها كانت كالآتي: "الأيام المتمردة" للمخرج هيثم حقي، "الخوالي" للمخرج بسام الملا، "الزير سالم" للمخرج حاتم علي، "البواسل" للمخرج نجدت أنزور، "ليل المسافرين" للمخرج أيمن زيدان، "سحر الشرق" للمخرج أنور قوادري، "شام شريف" للمخرج أحمد دعيبس. وهذا يعني بلغة الأرقام أن الدراما التاريخية السورية التي أنتجت خلال عام 2000 تساوي 28 في المئة فقط من مجموع الأعمال الدرامية السورية، في حين تساوي الأعمال المعاصرة المتفاوتة بين الجيد والوسط 68 في المئة، وتسقط 4 في المئة من قائمة الحسابات لأنها أعمال رديئة. سرقة الأضواء ومع ذلك نجد ان هذه الأعمال التاريخية سرقت الأضواء مرة أخرى من الأعمال المعاصرة، على رغم أن الجمهور والنقاد أبدوا استياءهم غير مرة من كثرة الأعمال التاريخية، خصوصاً تلك التي تُعرض في رمضان. فدورة رمضان، وفي كل المحطات، تصبح بمثابة المهرجان التلفزيوني الحقيقي للأعمال الدرامية العربية. ولسبب أو لآخر ارتبطت أعمال هذا الشهر بالتاريخ أولاً ومن ثم بالكوميديا. وفي هذا السياق نجد أن النجاحات الكبيرة التي تلاقيها الدراما التاريخية السورية تعزى الى أسباب عدة، ليس مرض الحنين الى الماضي القريب أو البعيد سببها الوحيد، بل سحر الحكاية هو السبب الرئيس. ولا ننسى، في هذا السياق، التجربة المسرحية العربية والسورية على حد سواء، التي اثبتت أن الجمهور يعشق دائماً إعادة تركيب الحكاية والتحليق معها وعبرها الى الكثير من الأسئلة التي تشكل هاجساً ملحاً للمشاهد العربي. والسبب الثاني هو آلية الى التعامل مع هذه الأعمال التي كسرت كل صيغ العمل التقليدي المخنوق بين جدران الاستوديو. هذا الكسر منح الكادرات الاخراجية حرية كبيرة في توظيف البيئة بكل طاقتها وأناقتها، مندمجة مع أناقة الممثل السوري وابداعه. الأمر الآخر هو المقارنة بين المفاهيم والقيم الماضية والمفاهيم والقيم اليوم التي باتت تميل نحو التناقض الصارخ، مع أن الثاني هو ابن الأول أو حفيده. هذه الأسباب وغيرها من تقنيات الكتابة والاخراج والمونتاج والموسيقى وتوقيت العرض، ساعدت وعززت نجاح أعمال ك"الزير سالم" و"الخوالي"، وهي أمور لم تتوافر تماماً في بقية الأعمال، خصوصاً "البواسل" الذي لم ينجح في اللحاق بشقيقه "الجوارح" و"الكواسر"، على رغم ان الوقت الذهب للعرض توافر له على الشاشة السورية أو على المحطات الأخرى التي عرضته. والسبب هو غياب الركن الأساس في تركيبة هذه الدراما، أي عنصر الحكاية الذي لم يكن بسوية شرط هذا النوع من الأعمال، والذي أسسه أصلاً كاتب هذا العمل هاني السعدي. أما العمل الآخر فهو "الأيام المتمردة" الذي يعود فيه هيثم حقي الى أسئلة النهضة بقوة ورؤية جديدة، على صعيد صيغة الرواية التلفزيونية التي تبناها ونفذ من خلالها الكثير من الأعمال الدرامية. والسبب الرئيس لكون هذا العمل لم يحقق الشرطين المعرفي والفني اللذين بني عليهما هو آلية العرض. فالعمل يطرح، في ما يطرح، آلية جديدة للمشاهدة تعتمد اقامة علاقة مع الشخصيات، وهي كثيرة جداً في عمل روائي ك"الأيام المتمردة"، لكن المشاهد لم يستطع ذلك، بسبب تشتت حلقات العمل أثناء العرض على الشاشة السورية. إذ عُرض في وقت متقدم من الليل في رمضان، وليس يومياً، فكان يغيب أحياناً أسبوعاً بكامله، ما شكل عقبة أساسية أمام تواصل الناس معه، من دون أن يعني ذلك أن العمل خال من الملاحظات، لكنه الأكثر أهمية على الصعيدين المعرفي والحضاري للمشروع الفني العام في سورية. أما في الكوميديا الرمضانية السورية فحقق الفنان ياسر العظمة، بإدارة المخرج مأمون البني، قفزة جديدة في الجرعة النقدية عبر سلسلة "مرايا" التي أطلق عليها هذا العام اسم "حكايا". هذه اللوحات النقدية - الفنية عززت الهم اليومي المعيش وارتقت به أحياناً الى المصيري في جرعات نقدية عالية وشروط فنية متزنة، في حين نجح دريد لحام في تجاوز محنة الأعمال الكوميدية الرمضانية التي تكرست في السنوات الماضية عبر عمله الجديد "عائلتي وأنا"، وإن لم يحقق النجاح الذي يرجوه - على الأقل - من جمهور يمتاز بقسوة أحكامه النقدية، هو الجمهور السوري، الا انه أعاد الاعتبار الى بعض رصيده الفني الكبير. وهكذا فنحن أمام خريطة درامية سورية رشيقة للعام 2000، لم تتجدد كثيراً عما كانته عام 1999، إلا أنها لم تتجاوز الخطوط الحمر في التنازل عن مكانة صنعتها خلال سنوات بالتعب والجهد المتواصلين.