بدءاً من مطلع السنة الجارية بدأت مصافي شركة "أرامكو السعودية" المحلية ومرافق التوزيع التابعة لها في انحاء السعودية في انتاج وتوزيع البنزين الخالي من مادة الرصاص السامة المضافة الى وقود السيارات، والتي اثبتت الابحاث العلمية اثرها الخطير على صحة الانسان والكائنات الحية. ويثير هذا الأمر تساؤلات عدة تتعلق بكيفية التحول ومراحله والحكمة منه، والآثار الاقتصادية المترتبة عليه، اي ماهية التكلفة الاقتصادية الناتجة عنه سواء على شركات انتاج النفط او على المستهلك العادي صاحب السيارة، او على اصحاب محطات توزيع البنزين. وجاء هذا التحول استجابة لقرار المجلس الأعلى لشؤون البترول والمعادن في شهر رمضان 1421ه دعا فيه الى انتاج وتسويق مجموعة من الزيوت الخام التي تحقق اعلى الفوائد وتوفير البنزين الخالي من الرصاص في السوق المحلية مع بداية سنة 2001، كما جاء استجابة لقرارات القمة الخليجية التي عقدت في الامارات العربية المتحدة أوصت الدول الأعضاء بضرورة قيام شركات النفط الوطنية في دول المجلس بانتاج الغازولين الخالي من الرصاص، وحضتها على اتخاذ كافة الاجراءات لخفض نسبة الكبريت في الديزل المنتج في المصافي الوطنية ليتفق مع المواصفات العالمية المقبولة للحفاظ على صحة الانسان وسلامة البيئة. ولن يتم التحول دفعة واحدة، بل على مراحل، اذ سيختلط البنزين الخالي من الرصاص خلال المرحلة الأولى وهي السنة الجارة بالبنزين المحتوي على الرصاص والموجود اصلاً في مرافق التخزين وخطوط الانابيب، مع ملاحظة ان اختلاط هذين النوعين لن يؤثر على شبكات التخزين والتوزيع او على محركات السيارات. وفي المرحلة الثانية مع نهاية السنة المقبلة يتم التحول نهائياً الى البنزين الخالي من الرصاص. وفي هذه المرحلة سيؤثر البنزين الجديد في بعض انواع السيارات القديمة، التي تحتاج الى تعديل في توقيت شرارة الاحتراق لضمان الاداء المثالي، ومن ثم تحتاج الى صيانة جيدة، ولذا سيسمح لتجار السيارات اعتباراً من بداية سنة 2003 باستيراد السيارات المجهزة بمحولات الوسيط الكيميائي، وهي اجهزة متطورة لنظام العادم تسهم في الحد من تأثير الانبعاث على البيئة. ولا شك ان الحكمة من التحول الى البنزين الخالي من الرصاص هي ببساطة المحافظة على البيئة وعلى صحة الانسان، اذ اثبتت الدراسات العلمية ان الحرق غير الكامل للبنزين في محركات السيارات هو المصدر الرئيس لتلوث البيئة في المدن حيث تنتج عوادم السيارات 90 في المئة من الرصاص الذي يسبب تلوث الهواء بسبب اضافة مادة رابع خلات الرصاص الى البنزين لزيادة كفاءة احتراقه ومنع ظاهرة الخبط والدق التي تحدث داخل المحركات بسبب رفع نسبة الاوكتين في البنزين. وتتحول هذه المادة الى اكاسيد الرصاص التي تتفاعل مع الهالوجنات الموجودة في البنزين لتكون مركبات كلوريد وبروميد الرصاص، واحياناً تخرج بعض مركبات الرصاص من عادم السيارات بحالتها الاصلية يذكر ان مادة الرصاص تم اضافتها الى البنزين منذ عام 1920، واستمرت نحو 80 عاماً تدمر البيئة. اما تأثير الرصاص في صحة الانسان فهو ضار جداً على الأجنة، مثلاً. فاذا تعرضت الام الحامل للرصاص تنتقل الجرعة التي حصلت عليها الى الجنين عن طريق الحبل السري وتؤثر في جهازه العصبي، وقد يولد متخلفاً عقلياً او ناقص النمو او الوزن. كما يؤثر على الأطفال فيقلص قدرة الذكاء والاستجابة عندهم، ويؤثر في سمعهم ويضعف نموهم وقدراتهم التعليمية. وتشير بعض الدراسات الى ان طفلاً من بين كل ستة ممن تقل اعمارهم عن ستة اعوام يحتوي دمه على كمية من الرصاص تضعه في دائرة الخطر، كما تشير الى ان طفلين مصريين يتوفيان يومياً لان ام كل منهما كانت معرضة خلال الحمل لمستويات غير آمنة من الرصاص بل ان هناك تأثيراً ضاراً للرصاص على البالغين، اذ يسبب تسمماً حاداً قد يؤدي الى العمى وتلف المخ وامراض الكلى والتشنجات والسرطان، وان كانت الدراسات التي اجريت على الانسان لم تقطع بعد بأن الرصاص يسبب السرطان، لكن اختبارات تمت على الفئران اثبتت ظهور اورام في الفئران التي اعطيت جرعات عالية من الرصاص. واعلنت الخدمات الصحية في الولاياتالمتحدة ان خلات الرصاص وفوسفات الرصاص من الممكن ان تكون مسؤولة او من العوامل المسرطنة، بل قد يؤثر الرصاص على عمليات الاخصاب فيسبب العقم عند الرجال ويضعف البويضات عند المرأة. اما من الناحية الاقتصادية، فقد ثبت ان الرصاص يؤثر في محركات السيارات ويدمرها.اذ تشير دراسة اجراها جامي كيتمان في مجلة "كار" البريطانية حول تاريخ اضافات الرصاص على البنزين الى ان الرصاص يدمّر المحركات التي يحترق داخلها، ولهذا لم تعد الدول الأوروبية والأميركية تستخدمه على رغم استمرار استخدامه في الدول النامية على نطاق واسع. ومع ذلك، فان التحول الى البنزين الخالي من الرصاص له كلفة اقتصادية على شركات انتاج النفط اذ ستتكبد شركة "ارامكو السعودية" نفقات عالية تتمثل في التعديلات الضخمة التي تجريها على معامل التكرير وارتفاع نفقات التشغيل. وكانت الشركة حصلت من شركة "سابك" على 400 الف طن من مادة "ام تي بي اي" لمدة ثلاث سنوات بكلفة تقدر باكثر من بليون ريال لاستخدامها مع البنزين بدلاً من الرصاص في ضوء المواصفات العالمية. اما تأثير استخدام البنزين الخالي من الرصاص على المستهلك العادي فتتبدى في ثلاث نواح: الأولى على السيارات القديمة التي ستحتاج الى اجراء تعديلات عليها، والثانية ارتفاع استهلاك السيارة من البنزين الخالي من الرصاص بنسبة بسيطة لم يتم التعرف عليها بدقة بعد، والثالثة ارتفاع اسعار بعض السلع والخدمات في السعودية نتيجة لذلك، لان استخدام السيارات في نقل البضائع يرفع الكلفة وبالتالي يزيد سعرها. ويتوقع ان يكون الحل في مواجهة اي آثار سلبية لهذا التحول من الناحية الاقتصادية، ان يتم خفض اسعار البنزين بما يحقق التوازن ولا يؤثر على موازنة المستهلك العادي. وتتحمل الدولة هذه الزيادة في مقابل المحافظة على البيئة والصحة العامة. * كاتب مصري مقيم في السعودية.