اتسم التعامل التركي الرسمي والإعلامي مع تهديد زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان ب"حرق تركيا طولاً وعرضاً" اذا لم توقف هذه الأخيرة هجماتها على الأكراد، باللامبالاة الواضحة، وهذه هي المرة الأولى التي يطلق فيها أوجلان مثل هذا التهديد بعد اعتقاله قبل حوالى عامين، وهي أيضاً المرة الأولى التي يتعامل فيها الطرف التركي مع هذا النوع من "التهديد الأوجلاني" في هذا الشكل واعتباره حادثاً غير ذي شأن. الموقف التركي هذا، نابع من رغبة تركيا في جرّ أوجلان الى تنفيذ تهديده عبر تهميشه وعدم التوقف عنده. فأوجلان يحاول ومنذ اعتقاله أن يبعد عن نفسه سلوك ستة عشر عاماً سبقت اعتقاله، وأن يقنع العالم عموماً، وأوروبا خصوصاً أنه انتقل الى "الضفة" الأخرى واختار السلام طريقاً لكفاحه واستراتيجيةً لحزبه الذي لبّى نداءه وأوقف بناءً على أوامره، عملياته العسكرية داخل تركيا وانسحب الى خارج الحدود التركية. واذا كان أوجلان نجح، نسبياً، في أن يجعل صورته الجديدة كداعية للسلام تستقر في ذهن بعض الأطراف في العالم وفي الداخل التركي أيضاً، خلال السنتين اللتين تلتا اعتقاله، فإن تهديده الأخير، حتى في صيغته النظرية قد يفسح في المجال أمام استحضار صورته القديمة ك"ارهابي" لدى الأطراف ذاتها. ولا شك في ان هذه الصورة تترسخ لديها في حال شروع حزب أوجلان في تنفيذ هذا التهديد. وهذه رغبة، بل مطلب تركي يفسر الموقف اللامبالي تجاه تهديد أوجلان، من منطلق استفزاز هذا الأخير لدفعه الى تنفيذ ما هدد به، أو على الأقل الى محاولته القيام بذلك. وذلك - وفق تركيا - لن يقرب سوى نهاية قوات أوجلان التي ينتشر معظمها في كردستان العراق، وتحديداً في المنطقة التي يسيطر عليها "الاتحاد الوطني الكردستاني" بزعامة جلال الطالباني الذي تعهد أثناء زيارته الأخيرة الى أنقرة قبل أسابيع، القضاء على قوات أوجلان في مناطقه بمساعدة الجيش التركي الذي زاد بدوره، من قواته في تلك المنطقة في الأيام الأخيرة. وتشارك بالطبع الى جانب قوات الطالباني والجيش التركي، قوات من الحزب "الديموقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود بارزاني حليف تركيا الأول. إذاً، فتهديد أوجلان يمكن اعتباره تمهيداً لحرب من طرفه مجدداً بعدما كان أعلن وقفها من طرفه فقط، لكنها حرب تبدو معدّة سلفاً من الطرف - الأطراف الأخرى، وستكون في حال نشوبها حرباً كردية - كردية، أكثر منها حرباً تركية - كردية، وعلى أراض كردية. وفي هذه الحال ستكون تركيا هي المستفيدة والمنتصرة الوحيدة في هذه الحرب أياً كانت نتائجها. تركيا تخطط لهذا السيناريو وتستعد له سواء دخل أوجلان من باب تهديده هذه الحرب أم لم يدخلها. لكن تهديد أوجلان تُشتم منه رائحة نشوب حرب داخل المدن التركية تقوم بها العناصر الانتحارية التابعة لحزبه عددهم بحسب بعض المصادر يربو على الألفين، خصوصاً في أنقرة واسطنبول. فأوجلان هدد ب"حرق تركيا" وليس حرق شمال العراق، وعشر عمليات انتحارية من انصاره داخل المدن التركية كفيلة بأن تغطي سماء تركيا بسحابة الرعب من جديد. وربما ليس صعباً على حزب أوجلان القيام بذلك، لكن هذا السلوك، وان كان يُربك تركيا من الناحية الأمنية في شكل أكبر، فإن له انعكاساته السلبية على حزب أوجلان والقضية الكردية عموماً، وستحاول من خلاله تركيا ايهام العالم وأوروبا تحديداً، من جديد، أنها تواجه "الارهاب" لا الأكراد، ما يضعف من أهمية الشرط الأوروبي في شقِّه الكردي، لانضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي، هذا الشرط الذي يرعب السلطات التركية أكثر من رعبها من الحرب داخل مدنها. تركيا ستلعب بورقة "تهديد أوجلان" في محاولة لإقناع الأوروبيين والعالم، بأن دعوة هذا الأخير الى السلام، ما كانت سوى تكتيك فاضح للاستمرار في "الارهاب"، وتعطي لنفسها تركيا شرعية مواجهة الأكراد عموماً في تركيا بوسائلها القمعية التقليدية تحت ستار مواجهة هذا "الارهاب". وعليه تعود الحال الكردية في تركيا لتدخل من جديد الحلقة المفرغة - المفزِعة التي كانت تدور فيها. تهديد أوجلان الأخير، يبدو ارتجالياً وغير مدروس في انعكاساته على الأكراد، وليس المهم ان كان أوجلان وحزبه قادرين على تنفيذ التهديد أم لا؟ المهم الى أي مدى يخدم هذا التهديد حاضر الأكراد ومستقبلهم في تركيا. * كاتب سوري.