هل من الممكن أن تكون العمليات العسكرية الإيرانية التي نفذت أخيراً ضد مجموعات من منظمة "مجاهدين خلق" المعارضة المتسللة من الأراضي العراقية إلى إيران للقيام بعمليات عسكرية تخريبية، واكتشاف الأجهزة الأمنية والعسكرية الإيرانية بعض هذه المجموعات والقضاء على قسم منها واعتقال القسم الآخر، بداية الترجمة العملية لنتائج زيارة وزير الخارجية كمال خرازي لبغداد، ولقائه الرئيس صدام حسين؟ وهل من المحتمل أن تكون تفاصيل تحرك هذه المجموعات أبلغت إلى الجانب الإيراني من جانب الأجهزة العراقية قبل الانطلاق، فكانت القوات الإيرانية بانتظارها لتتعامل معها؟ في الحديث الذي أجرته "الحياة" مع خرازي على هامش زيارته الأخيرة نيويورك لتسلم رئاسة مجموعة دول 88 من نيجيريا، في 18 الشهر الماضي، أشار الوزير إلى إمكان أن تدرس إيران علاقتها مع المعارضة العراقية الموجودة في أراضيها وتقوم بنشاطاتها ضد النظام العراقي انطلاقاً منها، في مقابل إشارة سابقة بأن يخطو العراق خطوة مماثلة مع المعارضة الإيرانية. وكان رد خرازي يحمل مقداراً من الديبلوماسية في شكل لا يورطه بأزمة منهجية في الداخل، خصوصاً أن زيارته العراق ترافقت مع حملة مركزة من مؤسسة الاذاعة والتلفزيون التي تعبر عن سياسة الجناح المحافظ في إيران، إضافة إلى التركيز الإعلامي على "استشهاد" أحد ضباط "الحرس الثوري" متأثراً باصابات تعرض لها أثناء الحرب العراقية - الإيرانية بالأسلحة الكيماوية. أوساط مطلعة تذكّر بالحديث الذي جرى بين الرئيس صدام حسين والوزير خرازي، والذي صدرت في شأنه أوامر مشددة إلى إدارة التلفزيون الإيراني بعدم عرض أي صور، والاكتفاء بعرض صور اللقاء مع نائب الرئيس طه ياسين رمضان. وتؤكد هذه الأوساط أن صدام يتمتع باطلاع دقيق على توزيع موازين القوى بين الأجنحة والتيارات السياسية في إيران، ويدرك مَن مِن الأجنحة يستطيع اتخاذ القرار وضمان تنفيذه. وتشير إلى أن الأسئلة والعروض التي قدمها صدام أمام ضيفه الإيراني، كانت مفاجئة، تتضمن استعداداً عراقياً للتعامل الجدي مع إيران، على كل الصعد، شرط أن يكون لدى الطرف الآخر الاستعداد ذاته. وعندما تطرق الحديث إلى قضية المعارضتين الإيرانيةوالعراقية على أراضي البلدين، والطلب الإيراني من العراق تقديم مساعدة في هذا الإطار، والعمل لوقف نشاطات "المجموعات التخريبية" المعادية لإيران، انطلاقاً من أراضي العراق، أبدى صدام قبوله بذلك، وقال موجهاً كلامه إلى خرازي: "نحن مستعدون لتسليم قوى المعارضة الموجودة في العراق للدولة الإيرانية، وفي أي شكل تراه مناسباً... تريدونهم أحياء أم أسرى في السجون العراقية أم قتلى، أم نعمد إلى اجبارهم على التحرك نحو الداخل الإيراني، وعندما يكون لكم حرية الخيار في اتباع الاسلوب الذي ترونه مناسباً معهم... مع وعد بعدم ابقاء أي شخص من التابعية الإيرانية يعمل في المعارضة داخل العراق، ولكن في المقابل، هل يمكن الحكومة الإيرانية ودولة الرئيس محمد خاتمي، العمل لتطبيع العلاقات وتحجيم المعارضة العراقية في إيران، فضلاً عن اخراج كل من تولى من عناصرها منصباً في الدولة والسلطة من مركزه ومنصبه"، في إشارة واضحة إلى رئيس السلطة القضائية في إيران محمود شاهرودي الذي كان الناطق الرسمي باسم "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية" في العراق. ونقلت الأوساط المطلعة عن صدام قوله: "عندما تستطيع دولة الرئيس خاتمي ضمان تنفيذ هذه الأمور - ولن تستطيع باعتبار أن القدرة على اتخاذ هذا القرار بحاجة إلى مسوغ ديني من طرف يملكه، والتعاطي مع هذه القوى لا يقع في نطاق صلاحيات الدولة، بل في نطاق استراتيجيات النظام - يمكن الحديث عن تطوير العلاقات". واللافت أن كل قنوات التلفزيون الإيراني، عمدت بعد زيارة خرازي للعراق، إلى بث سلسلة برامج ومسلسلات تتعلق بالحرب بين البلدين 1980-1988 وتذكّر بما قام به الجيش العراقي أثناء احتلاله قسماً من الأراضي الإيرانية والفظائع التي ارتكبها"، فضلاً عن أعداد الشهداء وأماكن استشهادهم وبطولاتهم. ويمكن لواحد من هذه البرامج أن يشكل مؤشراً، وهو بعنوان "الميداليات المكسورة"، حكاية "الهزيمة العراقية" في الحرب، على لسان ضباط من الجيشين.