} انتهت أمس المرافعات في قضية لوكربي، وعُلّقت جلسات المحكمة الاسكتلندية المنعقدة استثنائياً في كامب زايست هولندا حتى 30 كانون الثاني يناير الجاري لإفساح المجال أمام القضاة الثلاثة للتداول في الحكم الذي سيصدرونه في حق عبدالباسط المقرحي والأمين خليفة فحيمة اللذين يواجهان تهمة واحدة هي قتل 270 شخصاً في تفجير طائرة "بان أميركان" فوق لوكربي سنة 1988. بعد 84 يوماً من جلسات المحاكمة التي بدأت في 3 أيار مايو 2000 في قضية لوكربي، يبدو الآن ان الفصل الأخير من "أسوأ عملية إرهاب في بريطانيا" بات على وشك الانتهاء. وأمام القضاة الذين يرأسهم اللورد ساذرلاند، ثلاثة خيارات: الإدانة أو البراءة أو عدم ثبوت التهمة. فما هي الأدلة التي سيبني القضاة حكمهم على أساس قبولها أو رفضها؟ في ما يأتي أبرز "أدلة" الإدعاء العام مثّله كولين بويد واليستر كامبل، وأبرز نقاط ضعفها بحسب ما أشار اليه وليام تايلور، محامي المتهم الليبي الأمين خليفة فحيمة، وريتشارد كين، محامي المتهم الليبي الآخر عبدالباسط المقرحي. أدلة الإدعاء يعترف الإدعاء العام بأن قضيته ضد المقرحي وفحيمة تقوم، أساساً، على "الأدلة الظرفية"، أي انه لا يملك دليلاً واحداً قاطعاً يمكن من خلاله إثبات تهمة القتل على الرجلين. لكنه، في المقابل، قادر، في رأيه، على تقديم "مجموعة من الأدلة المتفرّقة" تُثبت، إذا نُظر اليها ككل، ان المقرحي وفحيمة مسؤولان عن تفجير طائرة "بان أميركان" في رحلتها الرقم 103 فوق بلدة لوكربي الاسكتلندية في 1988 مما أدى الى مقتل 270 شخصاً. 1- أول أدلة الإدعاء كان إثبات ان الطائرة انفجرت نتيجة قنبلة مزروعة على متنها. وهو، لهذا الغرض، استدعى عشرات الشهود من خبراء ورجال شرطة ومحققين تولوا جمع أجزاء الطائرة التي تناثرت فوق أميال من المناطق الجردية على الحدود بين انكلترا واسكتلندا. ولعل خُلاصة ما قالوا هو انهم عثروا، بين حطام الطائرة، على جزء صغير جداً بحجم ظفر الإصبع من جهاز توقيت فجّر قنبلة مفخخة مزروعة في جهاز تسجيل من نوع "توشيبا". وقالوا، أيضاً، ان هذا الجهاز كان موضوعاً في حقيبة "سامسونايت" محشوة بملابس تحمل إشارة تُحدد انها مُصنّعة في مالطا. 2- بعد "إثبات" ان الطائرة كانت ضحية تفجير، سعى الإدعاء الى إثبات مكان وضع الحقيبة المفخخة فيها. وهو جاء بخبراء أكدوا ان انفجار الطائرة في الجو وتحطّمها كان نتيجة حقيبة مفخخة موضوعة في حاوية الومنيوم تضم الحقائب التي شُحنت الى الطائرة التابعة لشركة "بان أميركان" في مطار فرانكفورت. وبحسب ما تدل وثائق الشحن، فإن هذه الحاوية نُقلت في مطار هيثرو الى الطائرة المنكوبة في الجزء الثاني من رحلتها الى نيويورك. 3- بعد ذلك، انتقل الإدعاء الى تحديد مصدر جهاز التوقيت وكيف انه فريد من نوعه. وهو، لهذا الهدف، جاء بخبراء شرحوا لهيئة المحكمة كيف انهم حددوا مصدر جهاز التوقيت في شركة سويسرية تدعى "ميبو" مقرها زوريخ ويرأسها شخصان هما إدوين بولييه وإيروين مسيتر. وقال الخبراء ان جهاز التوقيت كان فريداً من نوعه يُعرف باسم "أم. أس. تي - 13"، وانهم سألوا بولييه نفسه عنه فقال انه باع نُسخاً منه لليبيا. وفي هذا الإطار، أحضر الإدعاء بولييه ليُقدّم شهادته. لكن شهادته حملت العديد من التناقضات ولم تكن في الكامل مفيدة للإدعاء الذي، على رغم ذلك، استطاع ان يأخذ منه إقراراً بأمور أساسية عدة منها: انه باع أجهزة التوقيت "أم. أس. تي - 13" لليبيين، وانه كان على تعامل مع المقرحي الذي وصفه بأنه "مسؤول بارز" في المؤسسة العسكرية الليبية. وكشف بولييه، أيضاً، انه حضر مناورات تفجير - استهدف بعضها طائرات - خلال وجوده في صحراء في ليبيا. لكن بولييه حاول، في أحيان كثيرة، دحض أقوال الإدعاء. إذ جادل، مثلاً، بأن خبراء الإدعاء أخطأوا في تحديدهم مصدر حصول الانفجار في طائرة "بان أميركان" داخل الحاوية الألومنيوم. كذلك سعى الى ضرب ركن أساسي في نظرية الإدعاء بخصوص كون ليبيا هي الجهة الوحيدة التي باعها أجهزة التوقيت "أم. أس. تي - 13". إذ قال انه باع أجهزة مماثلة الى جهاز الأمن الألماني الشرقي السابق "ستازي" المعروف بتعاونه الوثيق مع "الجبهة الشعبية - القيادة العامة" التي يتهمها محامو الدفاع بأنها وراء تفجير الطائرة الأميركية. لكن الإدعاء رد عليه بأنه كاذب، وانه يريد تبرئة الليبيين الذين سعى الى الحصول منهم على قرض قيمته 8،1 بليون دولار. وزاد الإدعاء على ذلك بالقول انه كان يدرس ضم بولييه نفسه الى لائحة المتهمين بتفجير الطائرة، الى جانب فحيمة والمقرحي. 4- بعد ذلك جاء دور مطار فرانكفورت. وهنا قدّم الإدعاء شهوداً أفادوا ان حقيبة وصلت الى المطار من مطار لوقا المالطي، وانها نُقلت الى طائرة تابعة لشركة "بان أميركان" على رغم ان أي مُسافر لم يكن برفقتها. 5- ثم انتقل الإدعاء الى مالطا، فجاء بشهود كان أبرزهم توني جاوسي، وهو صاحب محل في منطقة سليما يُزعم ان الثياب التي عُثر عليها في حطام الطائرة جاءت منه. وأكد هذا الشاهد بالفعل ان الثياب جاءت من محلّه، وان شخصاً يُشبه المقرحي أشار اليه في قاعة المحكمة جاء الى محله قبل فترة قصيرة من كارثة الطائرة الأميركية واشترى مجموعة من الملابس منها ثياب للأطفال ومظلة لاحظ ان الرجل لم يكن مُهتماً بنوع الثياب ولا حجمها. 6 - ثم جاء دور الشاهد الرئيسي للإدعاء وهو عبدالمجيد جعايكة. وهذا عميل في الإستخبارات الليبية جنّدته الاستخبارات الأميركية في الثمانينات خلال عمله مع المقرحي وفحيمة في الخطوط الليبية في مالطا. وأبرز ما ورد في شهادة الجعايكة أن فحيمة كان يُخفي متفجرات في درج مكتبه في مطار لوقا في مالطا، وأن الليبيين كانوا يريدون تفجير طائرة أميركية أو بريطانية ل"الانتقام" لضحايا الغارات التي شنّتها واشنطن ولندن على ليبيا في 1986. وقُتلت إبنة للزعيم الليبي العقيد معمر القذافي في تلك الغارات. كذلك شهد الجعايكة بأنه شاهد فحيمة والمقرحي يحملان حقيبة سامسونايت في مطار لوقا، قبل فترة قصيرة من تفجير طائرة "بان أميركان". 7- واستطاع الإدعاء أيضاً ان يحصل على موافقة هيئة المحكمة على استخدام مفكّرة تابعة لفحيمة دليلاً ضده، على رغم انها صُودرت من مكتبه في مالطا بطريقة قد تكون "غير قانونية". ولعل أهمية هذه المفكّرة تكمن في أنها تُذكّره بضرورة الحصول على بطاقات تابعة للخطوط المالطية. ويزعم الإدعاء ان فحيمة استغل وظيفته في المطار لأخذ بطاقات تاغ من الخطوط المالطية ووضعها على الحقيبة المفخخة ثم دسّها، من دون المرور عبر التفتيش، بين الحقائب المتّجهة من لوقا الى فرانكفورت. 8- من الأدلة الأخرى التي جاء بها الإدعاء، شهادات تؤكد أن المقرحي كان يستخدم جوازات سفر مزورة استخرجتها له أجهزة الأمن الليبية، وانه استخدم هذه الجوازات في الانتقال الى مالطا والعودة منها الى ليبيا في يوم تفجير الطائرة. 9- ولجأ الإدعاء، أخيراً، الى السعي الى تحطيم نظرية يعرف ان محامي الدفاع سيحاولون إقناع هيئة المحكمة بها، وهي ان جماعة فلسطينية متشددة زرعت القنبلة في الطائرة قبل انطلاقها من فرانكفورت. وهو لذلك جاء بشهود أكدوا ان خلية "القيادة العامة" في فرانكفورت لا يمكن ان تكون مسؤولة عن تفجير الطائرة، إذ ان أفرادها الذين اعتُقلوا قبل شهرين من كارثة الطائرة الأميركية كانوا مُخترقين من أجهزة أمنية، إضافة الى ان أجهزة التفجير التي صودرت منهم كانت تعمل بطريقة مختلفة عن جهاز تفجير ال "بان أميركان" جهاز التوقيت الفلسطيني كان يُفجّر القنبلة عندما تصل الطائرة الى ارتفاع معيّن، في حين كان جهاز لوكربي يعمل كموقّت عادي فقط. ردود الدفاع ولعل أبرز ردود محامي الدفاع على هذه "الأدلة" يُمكن ان يُلخّص في الآتي: 1- ان عمل المحققين في جمع حطام الطائرة والعثور على جهاز التفجير لا يمكن الجزم بأن طرفاً خارجياً لم يتدخل فيه أو يعبث بمحتوياته. ولجأ الدفاع، في هذا الإطار، الى القاء ظلال من الشك على طريقة جمع الأدلة. 2- ان الإدعاء فشل في تقديم دليل على ان الحقيبة المفخخة انطلقت بالفعل من مالطا، وليس من فرانكفورت أو هيثرو، مثلاً، وهما مطاران توقفت فيهما طائرة "بان أميركان" في رحلتها المشؤومة. وقضى وليام تايلور، محامي المقرحي، وقتاً طويلاً في مرافعاته يُجادل بأن الحقيبة يمكن ان تكون زُرعت في فرانكفورت. وهو استشهد، في هذا الإطار، بتقارير أمنية وشهادات لموظفين في المطار تؤكد ان إجراءات الأمن فيه لم تكن صارمة. وركّز تايلور هنا نظريته على نشاط خلية "القيادة العامة" في المانيا وأجهزة التوقيت التي كانت في حوزتها، وعلى "الماضي الإرهابي" لهذه الجماعة الراديكالية الفلسطينية. وبالطبع، لم يكن تايلور يهدف من وراء اتهاماته هذه سوى إثارة الشكوك في نفوس القضاة. إذ ليس عليه ان يُثبتها. 3- تأكيد الدفاع ان جهاز التوقيت المستخدم في التفجير لم تملكه ليبيا فقط، بل سُلّم أيضاً الى جهاز ال"ستاسي" المعروف بعلاقاته الوثيقة مع "القيادة العامة". وهو، هنا، يلجأ الى شهادة بولييه نفسه واعترافه بأنه باع أجهزة "أم. أس. تي - 13" للأمن الألماني. ويهدف الدفاع من وراء ذلك الى وضع القضاة أمام خيار وحيد: إما الأخذ بشهادة بولييه كاملة مع التناقضات الموجودة فيها، وإما تركها كلها علماً انها تُشكّل أحد أعمدة "أدلة" الإدعاء. 4- ان شهادة صاحب متجر الملابس في مالطا لا يمكن الوثوق بها. ويشير الدفاع هنا الى ان الإفادة الأولية للشاهد أمام المحققين عرّفت الرجل الذي اشترى منه الملابس في متجره على انه محمد أبو طالب، الفلسطيني المسجون في السويد في قضايا إرهابية. ويلفت الدفاع الى ان "تعرّف" الشاهد المالطي على المقرحي في قاعة المحكمة يمكن تفسيره بأنه تحت تأثير مشاهدته مراراً صورة المتهم على صدر الصحف ووسائل الإعلام خلال السنوات الماضية. 5- طعن الدفاع كذلك في صدقية شهادة العميل المزدوج عبدالمجيد الجعايكة وجادل بأنه طمع في الحصول على مكافأة سخيّة من الأميركيين إذا قدّم معلومات تدين الليبيين بتفجير طائرة "بان أميركان". وقدّم الأميركيون، من حيث لا يدرون، مساعدة قيّمة للدفاع. إذ ان وثائق سرّية لأجهزة استخباراتهم، كُشفت أمام المحكمة، شككت أصلاً في نزاهة الجعايكة وفي المعلومات التي كان يُقدّمها لضباط ال "سي. آي. أيه" المسؤولين عنه. 6- ولا شك ان ريتشارد كين، محامي فحيمة، يشعر بأن وضعه أفضل من وضع رفيقه تايلور. إذ ان معظم الأدلة التي قدّمها الإدعاء خلال المحاكمة تناولت خصوصاً دور المقرحي وخلفيته في أجهزة الأمن الليبية وشرائه معدات عسكرية من شركة "ميبو" وتنقّله بجوازات سفر مزورّة. لكن الأدلة المقدمة ضد فحيمة تقتصر على مفكّرته المصادرة في مالطا وتخزينه المزعوم لمتفجرات في مكتبه في "الخطوط الليبية" في مالطا. وجادل كين، في مرافعته الختامية أمام المحكمة أمس، ان الاتهام لم يتمكن من تأكيد ان فحيمة كان بالفعل في مطار مالطا في 21 كانون الاول ديسمبر 1988 ولم يقدم اي عناصر حول الطريقة التي نقلت فيها القنبلة الى متن الطائرة وتفادي نظام حمايتها الامني. وقال كين أيضاً ان موكله قد يكون استخدم من قبل اجهزة الاستخبارات الليبية من دون علمه لتنفيذ الاعتداء. وقال ان ما من دليل يثبت ان موكله شارك في الاعتداء، وانه حتى وإن ساعد في الاعداد لتنفيذ حادث التفجير، فإن لا شيء يثبت انه قام بذلك بكامل ارادته.