عادة إطعام الصائمين والفقراء والمساكين خلال شهر رمضان، داخل المسجد وخارجه قديمة، وهي احد الواجبات الإسلامية المعروفة، وتتجلى أكثر ما تتجلى خلال هذا الشهر في جوامع المغرب العربي حيث درجت عادة الافطار في جنبات الجامع بينما تظهر في شكل أقل في المشرق. وجوامع باريس التي تؤمها أعداد غفيرة من المؤمنين وجلّهم من المغاربة تغص لحظة الافطار بجموع تنتمي الى أعراق وقوميات متعددة. هذا التقليد يمثل في جملة ما يمثل تكاتف المسلمين وتكافلهم وانفتاحهم على الآخرين. فكل يوم قبل ساعات من موعد الافطار يتقاطر أهالي الخير من المسلمين، واحداً بعد الآخر حاملين عطايا متعددة تحتوي مواد غذائية كالرز والبطاطا والمعكرونة واللحم والخبز في أكياس تقدم الى مستودعات الأمانات التابعة للجوامع الباريسية، بينما فريق آخر يتألف من نساء ورجال، شبان وشابات يتسابقون لتحضير طعام الإفطار، والجميع يبذل أقصى جهده بمحبة، ليس من باب الحصول على البركة فحسب، بل من باب الشعور بالواجب أيضاً. ويعلو في القاعة صوت يقول "آجروا يؤاجركم الله". ويتكفل البعض بتنظيف القاعة فارشاً البسط والحصر المصنوعة من جريد النخل على الأرض في بعض الجوامع، وفي جوامع أخرى تُوضب الطاولات، آخرون يرتبون الصحون وعلب التمر وطاسات الحليب. وفي المطبخ تتعالى أصوات الأواني حيث النسوة والشابات يحضرن الطعام الذي يتألف في الغالب من "الطاجن"، أي الرز واللحم ومن الحساء وما تيسر من الفواكه. في قاعات الطعام داخل الجوامع تظهر أممية الإسلام بوضوح حيث الأعراق والانتماءات المختلفة كالأفارقة والعرب والشيشان والأتراك والايرانيين والصينيين يذوبون في بوتقة روحية واحدة في ظل الإسلام. ما يذكر ببعض أصحاب الرسول الذين ينتمون الى غير العرب كبلال الحبشي وسلمان الفارسي. يتقاسم الصائمون الطعام فيما تشيع مشاعر الرحمة والمحبة والألفة. ومن الملاحظ ان كثيرين جداً يؤمون الجوامع من أجل العشاء ولا ينتمون الى الإسلام، بل الى فئة المعوزين والمساكين. ولا يتم سؤالهم اطلاقاً عما إذا كانوا صائمين أو إذا كانوا مسلمين أم لا. فثمة أحاديث كثيرة تحض على اطعام الفقراء والمساكين. في قاعات الطعام في جوامع باريس يتجلى قول الرسول: "لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى"... أو الآية الكريمة التي تقول "ان أكرمكم عند الله أتقاكم". بعد انتهاء الطعام تتشابك الأيدي في جمع الأواني والحصر وتنظيف القاعات تمهيداً لإقامة صلاة العشاء وصلاة التراويح. وتغص كافتيريا مسجد باريس الكبير كل يوم بالشباب الذين يسهرون حتى ساعة متأخرة من الليل يشربون الشاي المنعنع، ويتداولون معاني رمضان وأهميته الروحية والاجتماعية، أو في أمور تخص المسلمين. تتعدد الأمكنة التي ينتمي اليها المؤمنون شرقاً وغرباً لكن المشاعر الروحية تبقى واحدة تحت ظل رمضان.