بكل مسؤولية وتحفظ: ضرب الاميركيون طالبان في أفغانستان، وهم يطاردون الآن اسامة بن لادن وقاعدته، وكان موقفهم مصيباً فقد اعتدي عليهم، والضربة وجهت الى ارهابيين، لا أي بلد اسلامي أو أمة المسلمين. ولكن بالمسؤولية نفسها والتحفظ أقول إنه اذا ضرب الاميركيون العراق، فالضربة ستمثل نهاية الأمة العربية كتجمع لشعوبها أو كقوة سياسية واقتصادية واجتماعية. ضرب العراق غير مبرر بقدر ما أن ضرب افغانستان مبرر، فإذا تجرأت الولاياتالمتحدة ونفذته، فإن الضربة تتعدى العراق نفسه ومؤامرة اسرائيل واليهود الاميركيين عليه، لتصبح إلغاء للأمة العربية وعلاقاتها الدولية ونفوذها ومستقبلها ككتلة اقليمية. أستعين بما أقرأ وأجمع، وأختار من المعلق اليهودي الاميركي تشارلز كراوتهامر قوله حرفياً: مئات القتلى في سجن قرب مزار الشريف. انتهك رمضان بوابل من القنابل الاميركية. الكفار الاميركيون انزلوا قوة على أرض مسلمة قرب قندهار. البريغادير جنرال جيمس ماتيس يقول: الآن نملك قطعة أرض من أفغانستان... قبل أسابيع كان خبراء الشرق الأوسط يحذرون من أن الحساسيات الاسلامية ستسبب انفجاراً ضد اميركا. ولكن أين تظاهرات الشارع العربي مع بن لادن وضد اميركا؟ لم يحدث شيء. في اليوم نفسه وفي الجريدة نفسها "واشنطن بوست" كان المعلق اليهودي الاميركي الآخر ريتشارد كوهن، وهو عادة معتدل متزن، يكرر الكلام نفسه تقريباً، فهو كتب يقول إن الولاياتالمتحدة شنّت حرباً على دولة اسلامية فلم تثر بقية العالم الاسلامي، ولم ينهض الشارع العربي الخرافي ويقلب الأنظمة الدكتاتورية. ولم تنقطع امدادات النفط. ودعا كوهن في مقاله الى استخدام القوة العسكرية لاطاحة صدام حسين، غير ان كراوتهامر زاد على التحريض الاهانة فهو استشهد بيهودي اميركي آخر هو مارتن كرامر، رئيس تحرير "فصلية الشرق الأوسط" الذي ألف كتاباً عن الموضوع، وقال في محاضرة "إن طريقة ترويض الشارع العربي ليست باسترضائه وبابداء الحساسية ازاءه، بل باستعمال القوة المجردة والانتصار عليه". ما يقول اليهود الاميركيون الثلاثة هؤلاء ومئة غيرهم ان الرأي العام العربي غير موجود، وان الولاياتالمتحدة تستطيع أن تضرب العراق وهي بأمن من أي رد فعل. ومن يدري فقد تضرب بعده سورية أو السودان أو ليبيا، أو حتى الصومال "المضروب على عينه" أصلاً. هل العرب ماتوا كأمة أو انهم لم يحيوا أصلاً إلا في مخيلة رومانسيين من أمثالي؟ ليس بيني وبين النظام العراقي أي ود، وأريد أن يرحل منذ سنة 1990، إلا انني لا أريد أن يرحل بضربة اميركية لحساب اسرائيل، تترك الوطن كله مستباحاً. أعترف بأنني أتقلب بين الغضب واليأس، إلا أن الصديق العزيز عمرو موسى، الأمين العام للجامعة العربية لم ييأس، وهو قال لي إن الرسالة الى الاميركيين يجب أن تكون "ارفعوا أيديكم عن ضرب العراق" وحذر من أن اي ضربة ستؤدي الى فوضى ما بعدها فوضى. ولكن هل سيحدث هذا فعلاً، أو ان الأمة انتهت كأمة؟ هناك عصابة اسرائيلية من اليهود الاميركيين وحلفائهم في الادارة الاميركية وحولها تريد ضرب العراق لترفع خطراً غير موجود على اسرائيل، ولتسيطر الولاياتالمتحدة على امدادات النفط نهائياً. كتبت غير مرة عن عصابة اسرائيل غير انني اليوم أكتفي بما نشرت "نيويورك تايمز" نفسها قبل يومين، فهي قالت إن الفريق الذي يريد ضرب العراق يضم وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، ونائبه بول وولفوفيتز، والجنرال وين داوننغ، رئيس قسم مكافحة الارهاب، وآي. لويس ليبي، مدير مكتب نائب الرئيس ديك تشيني. أما الفريق الذي يعارض الضربة، أو يدعو الى الحذر فيضم وزير الدفاع كولن باول ونائبه ريتشارد ارمتدج والجنرال انتوني زيني، المبعوث الاميركي الى الشرق الاوسط. ولم تحسم مستشارة الامن القومي كوندوليزا رايس موقفها على رغم تصريحاتها المتشددة. وتضم عصابة الاسرائيليين الذين تسميهم الجريدة "فريقاً"، واحداً من أخطر أنصار اسرائيل هو اليهودي الاميركي ريتشارد بيرل، فهو يرأس مجلس سياسة الدفاع الذي يضم 18 عضواً بينهم هنري كيسنجر وأمثاله. وكان المجلس الاستشاري هذا الذي لا يحمل صفة رسمية أرسل جيمس ووزلي، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية السابق، لدرس وضع العراق، إلا أن هذا أحرج بقية العصابة بفضح أوراقها، فكان أن أبعد، ظاهرياً على الأقل، بعد أن زعم ان لصدام حسين علاقة بإرهاب 11 أيلول سبتمبر أو الانثراكس، من دون أن يثبت شيء من مزاعمه. هل يريد القارئ مزيداً من أسماء جماعة اسرائيل؟ هناك وليام كريستول رئيس تحرير "ويكلي ستاندارد" الذي جمع 50 توقيعاً على رسالة لضرب العراق. وكل من وقع هو اعتذاري اسرائيلي آخر، ومن مستوى النائب اليهودي السابق ستيفن سولارز الذي ترك للنائب توم لانتوس، وهذا هنغاري تفضحه لهجته حتى اليوم، مهمة تمثيل اسرائيل في الكونغرس. وأكمل غداً.