الاكتئاب مرض العصر، هو اكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً عند المرأة بعد القلق، ويسمّيه الأدباء سرطان الروح الذي يفتك بالنفس الانسانية ويحفر فيها ندوباً عميقة من الحزن واليأس ومصادرة اي احساس بالسعادة، ويحجب نور كل ما من شأنه ان يسطع في الفكر ويفعّل حيوية الذهن. فلماذا تسكن هذه الكآبة المحبطة أعماق نسبة كبيرة من النساء؟ هل بسبب تطورات الحياة وتشابكها، أم بسبب التركيب الفيزيولوجي للمرأة؟ "الحياة" التقت نساء تحدثن عن الكآبة وأسبابها. ميل المرأة الى الحزن تقول لجين خلف 26 عاماً، سكرتيرة: "من الطبيعي ان تشعر المرأة بالكآبة، وذلك بسبب التغيرات الفيزيولوجية التي تمر بها وتتسبب بجملة من الاضطرابات النفسية. ولكن شعور المرأة بالكآبة هو نسبي يختلف من امرأة الى اخرى لاختلاف الظروف التربوية والمعيشية التي تمر بها كل امرأة والاحباطات التي تزرع بذور هذه الكآبة داخل كل امرأة، وكثيرات من النساء لا يحاولن البحث عن وسائل معينة تخفف عنهن الشعور بالكآبة بل على العكس تجدهن ينسجمن مع هذه الكآبة، ويحاولن المحافظة عليها، ما ينعكس سلباً في علاقتهن مع الأفراد المحيطين بهن، فالنساء غالباً ما يملن الى الحزن والاكتئاب وتجد الكثيرات في ذلك متعة خاصة. فكرة التبعية أما هديل اسماعيل 23 عاماً، مصمّمة ملابس فترى ان عدم حصول المرأة على استقلاليتها هو سبب اساس لشعورها بالكآبة، "لو تحدثنا عن الأسباب الجوهرية التي تسبب الكآبة بشكل عام لوجدناها في الظروف العامة التي تحيط بالمرأة من احساسها بالضعف والعجز امام الظروف التي تقهرها وتحدد لها مسيرة حياتها، فكم من زوجة تعيش مع زوج لا تشعر معه بالانسجام الفكري والعاطفي وتستسلم لهذا الوضع المفروض عليها حفاظاً على اولادها من الضياع وخوفاً من المشكلات التي ستخنقها في حال الطلاق. وكم من فتيات يتحكم الأهل في اختيار مستقبلهن الدراسي والمهني والزوج ونمط الحياة الذي قد يكون غير متوافق مع رغباتهن وتوجهاتهن الفكرية، ففكرة التبعية التي تُفرض على الفتاة منذ مولدها حتى مماتها هي كآبة بحد ذاتها". الظروف الاقتصادية والاجتماعية وترى رولا سلامة 25 عاماً، موظفة: "ان المرأة لديها احساس بالكآبة اكثر من الرجل، الكآبة هي احساس مدمر يؤدي الى اليأس والتشاؤم حيال كل شيء. والانسان المكتئب هو المشلول لأن الكآبة تفقد الانسان حيوته ونشاطه، فعلاقاته الاجتماعية فاترة ولا يسعى لأن يطور نفسه في اي مجال، بل على العكس يتوقع المكتئب ان تصادفه دوماً الأحداث المؤلمة والفاشلة. وأنا أؤيد فكرة ان المرأة لديها إحساس بالكآبة اكثر من الرجل، إذ نلاحظ ملامح الكآبة ترتسم في وجه المرأة العربية وفي حركاتها وخطواتها التي غالباً ما تكون بطيئة خلافاً للمرأة الغربية التي تمشي مسرعة مندفعة نحو الأمام ونحو تحقيق طموحها. وهذا لا ينفي الشعور بالكآبة ايضاً لدى المرأة الغربية، ولكن المرأة العربية تعيش في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية تبعث في داخلها القلق والاحباط خوفاً من الزمن ومن المستقبل الذي تشعر امامه بالعجز كونها مسيّرة وغير مخيّرة، وكذلك كبح الطموح في داخلها. وكل هذه الأمور تؤدي بلا شك الى الكآبة. اما الرجل فأمامه الخيارات الكثيرة التي قد يجد فيها حلولاً تخفف من حدة الكآبة، فهو يستطيع مصادقة من يشاء ويستطيع الذهاب اينما يريد وبإمكانه اختيار العمل والدراسة التي يرغب بها وغير ذلك...". وتعتبر دارين عبدالغني 22 عاماً، جامعية ان الكآبة هي عارض طبيعي قد يرافق اي انسان. "من المؤكد ان الاكتئاب يعتريني في لحظات كثيرة. فعندما يصادفني فشل وخيبة امل تجاه موضوع ما يصيبني الاكتئاب وتختلف مدة هذا الاكتئاب الذي اشعر به احياناً باختلاف شدة المؤثر الذي يتسبب به. وقد اشعر احياناً اخرى بالاكتئاب من دون وجود اي سبب، فمثلاً عندما استيقظ احياناً من النوم اشعر بكآبة ترافقني طوال اليوم وكذلك فصول السنة تؤثر بما نشعر به، فالطقس الخريفي مثلاً يثير في داخلي كآبة وحزناً. ولكن الكآبة ليست هي دوماً مرضاً بحاجة الى العلاج النفسي بل اعتبرها عارضاً عادياً يصيب اي انسان، قد يدوم لفترة قصيرة ويزول". تعب وشقاء وتطرح ريم اللبني 23 عاماً، جامعية الظروف العامة التي تعيشها المرأة العربية كمسبب اساس لنمو الكآبة في اعماقها. "كل ما هو محيط بحياة المرأة يدعو الى الكآبة لكثرة ما تتعرض له من تعب وشقاء يتراكم في اعماقها ويشكل لديها كآبة، فمنذ الصغر تربى الفتاة على جملة من الأوامر والضوابط والتحذيرات المبالغ بها، عدا التفريق السائد في مجتمعنا العربي بين الذكر والأنثى الذي يكون دوماً في مصلحة الذكر ويجعل الفتاة تكره نفسها، وتصاب بالكآبة، خصوصاً في مرحلة المراهقة. ولأن المراهقة هي سن التناقضات بامتياز وغالباً يفقد الأهل اسلوب الحوار والتعامل الملائم مع ابنتهم المراهقة التي تفتقر الى الثقة بالنفس في هذه السن الحرجة. وفي مرحلة النضوج والشباب تكثر المسؤوليات الملقاة على عاتق الفتاة كتأمين مستقبلها في العمل والزوج المناسب وكثيراً ما تصدمها هذه الأمور، إذ لا تجد العمل المناسب الذي تومّن من خلاله استقلالها المادي وبالتالي استقرارها النفسي، اضافة الى خيبات الأمل التي يجلبها الرجل عند ارتباطه بالفتاة من خلافات وفشل ... فكثيرة هي الظروف التي تخلق الكآبة داخل المرأة العربية". الرجل وتوجّه سعاد محمد 27 عاماً، ربّة منزل اصابع الاتهام نحو الرجل كسبب اساس في الكآبة للمرأة. "اعتقد ان الرجل هو من الاسباب الجوهرية التي تتسبب في حالات الكآبة لدى الفتيات والنساء. فكثيرات من الفتيات خدعن بشبّان كان الهدف من علاقتهم بهن التسلية وتضييع الوقت. في حين تكون الفتاة تتعامل مع هذا الشاب بكل ما تملك من اخلاص ومشاعر صافية، وعندما تصدم الفتاة بحقيقة هذا الشاب فإن الصدمة سوف تسبب لها حال كآبة دائمة، وقد دفعت هذه الكآبة فعلاً فتاة اعرفها الى الانتحار. ومن ناحية ثانية تتصف علاقة الرجل مع زوجته دائماً بتقديم المرأة التنازلات ومسايرته في كل شيء وهذا يتسبب بكآبة لأن المرأة تشعر في قرارة نفسها بأن كرامتها مهدورة وهي لا تستطيع فعل شيء حيال ذلك. وحتى علاقة الفتاة مع والدها غالباً ما تقوم منذ الصغر على القمع، ومصادرة الحرية وكذلك الأمر بالنسبة الى الأخ الذي نجده في كثير من الأحيان أنانياً في تعامله مع اخته، لا يشعر بها ولا يقف الى جانبها في المواقف الصعبة". تصورات علاجية وتطرح سميرة فحيلي 26 عاماً، خريجة علم اجتماع حلولاً لتخفيف ما تشعر به المرأة من كآبة. "الاكتئاب ليس بالأمر السهل، وعلى المرأة ألاّ تتجاهله لأن استفحاله وتمكنه من النفس قد يتحول الى مرض نفسي يعوق صاحبه عن ممارسة حياته بشكل طبيعي وقد يدفع الى الانتحار في بعض الحالات المرضية، فمن الضروري ان تكون المرأة ذات شخصية قوية وتحاول ان تخفف من حالات الاكتئاب التي تشعر بها، بل عليها ان تجعل من الاكتئاب نفسه دافعاً يدفعها للتغلب عليه من خلال الصبر والإيمان امام الأمور العقيمة والمستعصية الحل، وأن تجد للسعادة مدخلاً في حياتها. وتحاول المرأة ان تفرغ ما بداخلها من حزن وألم بالبوح للأصدقاء، والابتعاد من المؤثرات التي تسبب لها الحزن والكدر. فالوحدة هي التربة الخصبة التي يترعرع الاكتئاب فيها. وأعتقد ان المؤسسات التربوية والاجتماعية يجب ان تخفف من حدة الأعباء التي تثقل كاهل المرأة والتي تسبب لها الكآبة على صعيد العمل او الدراسة والضغوط الأسرية والمشكلات الصحية".