في ظل غياب مثير للتساؤل لأي موقف رسمي إيطالي بشأن قرار رئيس الحكومة الإسرائيلية ارييل شارون منع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات من المشاركة في الاحتفال بعيد الميلاد في بيت لحم شكلت ردود فعل الكنيسة الكاثوليكية صدى مؤثراً إزاء "القرار التعسفي" الذي حرم الرئيس عرفات من أداء الزيارة التقليدية لكنيسة المهد في بيت لحم منذ العام 1995. وبعدما قال الناطق باسم الفاتيكان يواكيم نافّارّو فالس إن وزارة الخارجية في حاضرة الفاتيكان "اتخذت خطوة ديبلوماسية تجاه قرار المنع التعسفي الذي مورس ضد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات"، دوت كلمات الحبر الأعظم البابا يوحنا بولص الثاني صباح اول من أمس في ساحة القديس بطرس بحاضرة الفاتيكان عنيفة وموجعة ضد الحكومة الإسرائيلية، اذ قال البابا في القداس الذي حضره آلاف المصلين: "انني أحمل في قلبي كل يوم عذابات ومشاكل الأرض المقدسّة المأسوية"، ودعا "أصحاب النيات الحسنة وبناة السلام إلى العمل من أجل السلام انطلاقاً من السلام الذي يشع من وجه ذلك الوليد الذي رأى النور في تلك المغارة" في بيت لحم والذي "يمكن أن تجد فيه قسمات جميع الأطفال في العالم، قسمات الطفل الفلسطيني والإسرائيلي والأميركي وابن عائلة الهوتو أو التوتسي أو الطفل الأفغاني". وطالب الحبر الأعظم "النساء والرجال المتعطشين إلى السلام" ب"استيعاب رسالة السلام التي يتضمنها عيد الميلاد المجيد" وحضّ المجتمع الدولي على العمل من أجل إنقاذ الأطفال من المصائر المأسوية التي تحيق بهم ، لأن إنقاذ الأطفال يعني إنقاذ البشرية. وذلك ما يطالبه بنا بقوة ذلك الطفل الذي ولد في تلك المغارة في بيت لحم ويطالبنا به الرب الذي منحنا الأمل وحق امتلاك ذلك الأمل". ويصف مطلّعون على السياسة الفاتيكانية حول الشرق الأوسط إن موقف الفاتيكان من خطوة شارون بانها "نقدية للغاية وستترك بالتأكيد آثاراً على مستقبل العلاقة بين تل أبيب والفاتيكان، سيما وأن الفاتيكان تعتبر حضورالرئيس الفلسطيني في قداس ليلة عيد الميلاد من كل عام حقاً مشروعاً لزعيم شعب من جانب، وتعتبرها من جانب آخر ضمانة وتأكيداً لتعددية المجتمع الفلسطيني الذي يشارك بأكمله في النضال من أجل مستقبله وبناء الدولة الوطنية المستقلة". وفي السياق ذاته وصف أسقف ميلانو الكاردينال كارلو ماريا مارتيني قرار حكومة شارون منع الرئيس عرفات من المشاركة في احتفالات عيد الميلاد بأنه "عنف مجاني" حال دون وصول "القائد المعترف به من جانب الشعب الفلسطيني إلى بيت لحم". وأضاف: "في هذه السنة تمكن العنف من الانتصار حتى في بيت لحم" مهد السيد المسيح. وتحمل كلمات الكاردينال كارلو ماريا مارتيني 75 عاماً معنى عميقا نظراً للموقع البارز الذي يشغله أسقف ميلانو في الكنيسة الكاثوليكية ولرمزية المكان الذي جاءت فيه فقد أطلق الكاردينال مارتيني إدانته هذه للعنف الشاروني في القداس الذي أقامه في سجن ميلانو المركزي أوبرا ، كما لو أنه يرسل كلمات التضامن مع "سجين" رمزي آخر هو الزعيم الفلسطيني الذي تطوّقه الدبابات والمدرعات التي تأتمر بأوامر شارون. وقال الكاردينال مارتيني: "اننا، متحدون ببيت لحم وبما تمثله هذه المدينة من معانٍ للبشرية، نشعر أن عيد الميلاد هذه السنة مختلف". وأضاف: "متحدون في العذاب مع هذه المدينة التي باتت تمثل اليوم رمزاً من رموز الصراع والحروب التي تُنزف الكثير من الدماء في أرض المسيح والكثير من بقاع الأرض". وأكد الكاردينال مارتيني أن "كل هذا يحضّنا على ان نتذكر أننا نعيش في هذه السنة عيد ميلاد مختلف عن سوابقه، والذي عبر عنه قداسة البابا يوحنا بولص الثاني بالقول أن غمامات قاتمة تهيمن على أفق العالم". وفي تطور آخر وصف أحد قادة اليسار الإيطالي المعارض قرار شارون بأنه "جرح أصاب الشعب الفلسطيني بأكمله". وقال رئيس مقاطعة كمبانيا عاصمتها نابولي أنطونيو باسّولينو: "انه لأمر خطير أن لا يتمكن الرئيس عرفات من المشاركة في قدّاس عيد الميلاد المجيد". وأضاف في تصريحات ادلى بها في بيت لحم التي يزورها على رأس وفد من المقاطعة بمناسبة عيد الميلاد: "ينبغي العمل من أجل وقف تدهور الأمور بعد أن تجاوز كل الحدود"، و"علينا أن نعمل من أجل بذل كل الجهود لإعادة عملية السلام إلى مسارها الأمر الذي يحتاج مشاركة جادة وأساسية من جانب المجتمع الدولي".