بوينس أيرس - أ ف ب، رويترز، أ ب - أطاحت "انتفاضة" الفقراء في الارجنتين بوزير الاقتصاد دومينغو كابايو وقد تودي بسائر أعضاء الحكومة، فيما قتل ستة عشر سخصًا في أعمال شغب رافقت الاضطرابات الاسوأ في البلاد منذ عشر سنوات والناجمة عن الضائقة التي سببتها إجراءات التقشف. وتحدى المتظاهرون في بوينس أيرس "حال طوارئ" أعلنها رئيس الدولة فرناندو دي لاروا لفترة ثلاثين يومًا، ونزلوا الى الشوارع مرددين هتافات مناهضة للحكومة وأطلقوا أبواق السيارات احتفالاً بالانباء عن استقالة كابايو. واحتشد المواطنون المبتهجون في الميادين الرئيسة أمام البرلمان والقصر الرئاسي ولوحوا بأعلام الارجنتين والمناديل، في مشاهد ترتبط عادة بتحقيق فوز كبير في كرة القدم. وقالت المتظاهرة إيلينا سيسيليا :"من الرائع أن كابايو قد ولّى. ولكن يجب أن يذهبوا جميعهم. لا نريد دي لا روا ولا أن يعود منعم. نريد حكومة عادلة من الشعب". وقبل ساعات من ذيوع الانباء عن استقالة كابايو، اضطرت الشرطة إلى التدخل لفض تظاهرة سلمية الى حد كبير، شارك فيها آلاف من أبناء الطبقة المتوسطة الذين طالبوا باستقالة دي لا روا بعدما فقد الكثير من شعبيته، واعتبروه غير قادر على اتخاذ أي إجراء فاعل. ولكن مع إعلان حال الطوارئ، تصاعدت الاحداث حدة، فاجتاح المتظاهرون خلال الليل المحلات التجارية في الاحياء الفقيرة، متذرعين بأنهم "جياع". واستمرت أعمال الشغب حتى الساعات الاولى من الصباح. وأحرق بعض المحتجين سيارات أمام القصر الرئاسي وحطموا واجهات المصارف تنفيسًا للاحباط الذي سببته القيود المفروضة على سحب الاموال والمدخرات. وقالت طبيبة متظاهرة أمام مبنى الحكومة: "سئمنا الفساد والجوع والفقر، وأعتقد أنه إذا لم يخرجوا سنخرجهم بالقوة". وقالت شابة عاطلة من العمل وأم لطفلين: "لسنا مسؤولين عما يحصل. كابايو ودي لا روا هما المسؤولان. لقد فقدنا الامل بمستقبلنا ومستقبل أولادنا". ولم تتمكن الشرطة من تفريق الحشود إلا باطلاق قنابل غاز مسيل للدموع وطلقات مطاطية، فاتخذت المواجهات منعطفاً داميًا، إذ أسفرت عن سقوط ستة عشر قتيلاً ومئات الجرحى، فيما اعتقلت الشرطة 328 شخصًا. وتكررت المشاهد نفسها في قرطبة، ثاني مدن الارجنتين في وسط البلاد كما أفادت صحافية من وكالة "فرانس برس". وقال مصدر حكومي إن الرئيس فرناندو دي لا روا قبل استقالة كابايو ليكون ثالث وزير اقتصاد يستقيل خلال عام. وأضاف أنه سيقبل أيضًا استقالة عدد غير محدد من الوزراء بعدما قدمت الحكومة استقالة جماعية ليل أول من أمس. ولم يعرف من سيخلف كابايو الذي كان محل إعجاب "وول ستريت"، لكنه أصبح هدفًا لانتقادات شديدة داخل بلاده لانه فشل في انقاذ ثالث أكبر اقتصاد في أميركا اللاتينية. وتعطي حال الطوارئ التي أعلنت أول من أمس، صلاحيات واسعة للحكومة لتجاوز الحقوق الدستورية وفرض حظر التجول والاعتقال واستدعاء الجيش. وتسري هذه الحال فترة 30 يومًا، وهي الاولى منذ وقوع أعمال شغب مماثلة عام 1989، حين أطيح بالرئيس السابق راوول ألفونسين. وفي 1990، لجأ خلفه الرئيس كارلوس منعم الى هذه الاجراءات ليقمع ثورة قامت بها مجموعة يمينية معادية للديموقراطية. وأما إجراءات الطوارئ التي اتخذها الرئيس الحالي، فلم تنجح إلا في زيادة الطين بلة، فتحولت التظاهرات من سلمية نسبيًا الى عنيفة، لا بل دموية، ما اضطر رجال الشرطة ومكافحة الشغب الى حراسة المتاجر المملوءة بالسلع استعدادًا لعيد الميلاد، بكامل عتادهم العسكري. وكانت الحكومة الحالية اعتمدت تسع خطط مختلفة للنهوض بالاقتصاد، آخرها نظام شد الاحزمة لضمان قدرة البلاد على خدمة الدين البالغ 132 بليون دولار. وعمل كابايو على تطبيق نظام تقشف حاد في موازنة عام 2002.. ويشكل الاتفاق على الموازنة مفتاح الحل لانه سيقنع صندوق النقد الدولي بتحرير ما قيمته 1.3 بليون دولار من أموال الطوارئ. أما الفشل فيعني المزيد من المشكلات. وفي خطاب أمس، دعا دي لا روا إلى وقف أعمال العنف والشغب، معتبرًا أنها "لن تحل المشكلات". كذلك دعا إلى التوصل إلى إجماع سياسي من أجل تحمّل "المسؤولية التاريخية" في تخليص البلاد من مأزقها، ولكنه لم يقدم أي اقتراحات محددة، ولم يذكر شيئًا عن مصير كابايو. وتعتبر الارجنتين اليوم أنها على شفا الهاوية اقتصاديًا، إذ يبلغ معدل البطالة فيها 18.3 في المئة. ويسقط يوميًا نحو ألفي شخص تحت عتبة الفقر في هذه الدولة التي كانت تزهو يومًا بأن فيها أكبر طبقة متوسطة في أميركا اللاتينية.