} يسود الشارع الفلسطيني مزيج من السخط والسخرية في ضوء استئناف الاتصالات الامنية بين الفلسطينيين والاسرائيليين بعد تراجع رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون عن قراره قطع الاتصالات مع السلطة، واصداره أمراً الى مسؤول جهاز الاستخبارات الداخلية شين بيت آفي ديختر باستئناف الاتصالات مع نظرائه من الاجهزة الامنية الفلسطينية بناء على طلب وزير الخارجية الاميركي كولن باول. ويعتبر الفلسطينيون ان ما يجري "مؤامرة دولية" تشبه في خطورتها قرار الدول العظمى مطلع القرن العشرين والذي استهدف الوجود الفلسطيني. أعلنت السلطة الفلسطينية اعتقال 15 عنصرا من الشرطة بتهمة تنفيذهم هجمات على القوات الاسرائيلية، واغلقت ست مؤسسات قالت انها تابعة ل"حركة المقاومة الاسلامية" حماس في قطاع غزة، وذلك في اطار الاجراءات ل"اعادة الهدوء وتثبيت وقف النار". في غضون ذلك، اعلنت حركة "فتح" في بيان وزع في غزة التزامها المطلق ما ورد في خطاب الرئيس ياسر عرفات في اول ايام عيد الفطر والذي دعا فيه الى وقف جميع العمليات العسكرية. لكن الحركة اكدت في المقابل تشبثها بالتعددية السياسية. وللمرة الاولى تعلن السلطة اعتقال افراد من اجهزتها الامنية في خطوة قابلتها اسرائيل بموجة اخرى من الاتهامات الى عرفات انه "المسؤول الاول عن اعمال العنف"، اضافة الى انتقادات وردت امس على لسان وزير الخارجية الاسرائيلي شمعون بيريز قال فيها ان "الاجراءات الفلسطينية على الارض لا تعكس التوقعات التي اثارها" عرفات. وابدى بيريز خلال مأدبة غداء مع ممثلي الاتحاد الاوروبي لدى اسرائيل استعداداً لسحب القوات الاسرائيلية من اي منطقة فلسطينية تضمن السلطة استتباب الهدوء فيها. وتزامنت تصريحات بيريز مع اعلان الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي ان لقاء سيعقد بين مسؤولين امنيين مساء الاربعاء، هو الاول منذ الاجتياح الاخير لمناطق تابعة للسلطة واعلان الحكومة الاسرائيلية قطع كافة الاتصالات معها بما فيها الاجهزة الامنية. وأكد مسؤول جهاز الامن الوقائي في الضفة الغربية العقيد جبريل الرجوب ان اجتماعا على مستوى رؤساء الاجهزة الامنية سيعقد مساء الاربعاء، موضحا انه ستتم مناقشة مسألة انسحاب جيش الاحتلال من مناطق السيادة الفلسطينية المصنفة "أ" ورفع الحصار المفروض على الضفة منذ أشهر. من جهتها، اعلنت اسرائيل ان شارون امر مسؤول جهاز الاستخبارات الداخلية شين بيت آفي ديختر باستئناف الإتصالات الأمنية مع الفلسطينيين "عندما تقتضي الضرورة لمنع هجمات ضد إسرائيل". ونقل عن مصادر أمنية إسرائيلية ان شارون "سمح بتسهيل تحركات أفراد الأجهزة الأمنية الفلسطينية داخل مناطق السلطة لتنفيذ عمليات اعتقال واحباط هجمات على اهداف اسرائيلية". واشارت المصادر الى "استعداد" الجيش سحب قواته من محيط مدينة نابلس، كبرى المدن الفلسطينية، لإفساح المجال امام الفلسطينيين لإثبات نياتهم واعتبار هذه المدينة "قضية اختبار". ويأتي الاجتماع الامني تلبية لطلب وزير الخارجية الاميركي كولن باول الذي دعا عرفات وشارون في اتصالين هاتفيين منفصلين الى استئناف الاتصالات الامنية. وقالت مصادر صحافية اسرائيلية ان باول طلب من شارون ان "تلعب اسرائيل دوراً في خلق اجواء الهدوء في المنطقة والتسهيل على حياة الفلسطينيين ورفع الحصار المشدد عليهم". وباستثناء حادث اطلاق نار واحد وقع قرب مستوطنة مقامة على اراضي الفلسطينيين شمال مدينة رام الله ادى الى اصابة جندي بجروح طفيفة وفقاً لمصادر اسرائيلية، لم تسجل حوادث على الجانب الفلسطيني، فيما واصل الجيش عمليات اقتحام القرى وحملات الاعتقال، وتوغل مسافة خمسة كيلومترات داخل مدينة جنين الخاضعة للسيادة الفلسطينية، وقصف بالرشاشات الثقيلة حواجز لقوات الامن الفلسطيني واصاب احد افراد "القوة 17" التابعة لحرس الرئاسة اصابة خطيرة بالظهر ومنعه من الوصول الى مستشفى جنين بسبب الحصار المشدد والحواجز العسكرية، ما اضطر الفلسطينيين الى نقله الى مستشفى طولكرم عبر الطرق الوعرة والموحلة بسبب الامطار الغزيرة. وقال شهود فلسطينيون ان عمليات التوغل شملت ايضا قرية جلقموس المجاورة حيث بحثت قوات الاحتلال عن وسائل قتالية ومتفجرات. وقالت مصادر عسكرية اسرائيلية انه عثر على بعض المتفجرات داخل احدى المغارات في القرية وتم تفجيرها في الموقع. ولا يزال الحصار الخانق والمشدد غير المسبوق مفروضاً على المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية التي قسمت وقطعت اوصالها بالوسائل والطرق المختلفة. الى ذلك، كشفت تقارير صحافية اسرائيلية ان وزارة الدفاع الاسرائيلية بدأت عملياً ومنذ فترة بتنفيذ عملية "الفصل" على طول "الخط الاخضر" الفاصل بين الضفة الغربية واسرائيل. وكتبت صحيفة "هآرتس" العبرية ان عمليات تشييد الجدران ونصب الاجهزة الالكترونية على امتداد عشرات الكيلومترات خصوصا في المنطقة الواقعة بين ضاحية الشويكة ومدينة طولكرم تمتد يوما بعد يوم "تحت حجة الاجراءات الامنية" خوفا من ان يعتبرها الفلسطينيون تنازلا إسرائيليا بسبب الانتفاضة. وفي المقابل، حذر خبير الشؤون الاستيطانية خليل تفكهجي من "بيت الشرق" من ان اسرائيل تعيد رسم "الخط الاخضر" وفقاً لرؤيتها الخاصة والداعية الى ضم الكتل الاستيطانية الضخمة المقامة على جانبي الحدود من جهة، وانشاء مناطق "امنية عازلة" تمتد على كلا الجانبين وتبتلع مزيداً من الاراضي. وكانت اسرائيل اعلنت 80 كيلومترا في المنطقة الواقعة بين طولكرم وجنين منطقة عسكرية مغلقة، وذلك لتعذر اقتطاع هذه الاراضي وضمها خارج اطار "الخط الاخضر". في قطاع غزة، دهمت اجهزة الامن الفلسطينية ليل الثلثاء - الاربعاء عددا من المؤسسات والاحزاب حديثة العهد أسست في عهد السلطة واغلقتها بالجنازير وكتبت قرب ابوابها عبارة "مغلقة بأمر السلطة". ومن بين المؤسسات المغلقة مؤسسات رياضية ودينية واجتماعية نشطت في عهد السلطة للقيام باعمال خيرية واجتماعية واعمال اغاثة وتوزيع مواد تموينية. واعلن مصدر رفيع في الشرطة الفلسطينية ل"الحياة" امس ان "السلطة واجهزتها الامنية اغلقت بعض المؤسسات التابعة لجهات تقوم بالتحريض على اعمال العنف ومخالفة القوانين"، مضيفاً ان "اجراءات اخرى ستتبع هذه الاجراءات لتثبيت وقف النار نهائيا ومنع شن هجمات بقذائف الهاون" على المستوطنات وقوات الاحتلال. ونفى ان تكون المؤسسات المغلقة تقوم بتوزيع مواد تموينية على المواطنين، مشيرا الى انها تقوم بالتحريض على اعمال العنف. ونفى احد قياديي "حماس" سعيد صيام ان تكون المؤسسات المغلقة تابعة للحركة، وقال ل"الحياة" في غزة امس ان السلطة اغلقت مقار احزاب تأسست في عهد السلطة ولا علاقة لها بالحركة، في اشارة الى ان القائمين على هذه الاحزاب قياديون سابقون في الحركة انسلخوا عنها قبل سنوات.