قيل دائماً أن الزجل هو أبداع لبناني. وها هي أعلام الزجل اللبناني تخفق صادقة النبرة موحية بالحياة. فسكان الجليل عشاق قدامى للزجل، يعود ذلك للقرب الجغرافي والتاريخي من لبنان، وربما للرابط المصيري والتعاطف. وأذا سألت أحد بائعي "الكاسيت" في قرية من قرى الجليل عن مبيعاته فسيقول لك أن الزجل يتصدرها أسوة بالأغاني الحديثة. غير أن الاقبال على الزجل يطاول كل الأعمار، فطليع حمدان وموسى زغيب وزين شعيب وزغلول الدامور ومحمد مصطفى وأسعد سعيد وجريس البستاني وعادل خداج وغيرهم من أقطاب الزجل اللبناني الأصيل هم نجوم في عيون سكان الجليل. أما اذا سرت بسيارتك في مرتفعات الجليل الخضراء فأنك ولا ريب ستسمع القصائد الزجلية تنبعث من السيارات. وبسبب هذا الحب للزجل أقدم هواته على إقامة فرق زجلية، وإن لم تكن بمستوى الفرق اللبنانية، لكنها تعتبر الى حد ما ناجحة بأدائها. وكانت قرية "البقيعة" الواقعة في أعالي الجليل الأعلى سباقة في احياء حفلات الزجل. وحضر المهرجان الذي أقيم في قاعة المركز الجماهيري في القرية حشد من أهل الجليل والجولان المحتل والساحل الفلسطيني والمثلث ليشكل تظاهرة فنية أحياها الشعراء الزجالون أنور فضول وسلمان زين الدين ورأفت زين الدين من الجليل ووليد أبو صالح من الجولان. وأقبل الجمهور على المهرجان أكثر من اقباله على أمسيات الشعر الفصيح وبقي مطالباً بالمزيد على رغم وصول البرنامج الاحتفالي الى نهايته. لا بد إذاً من التركيز على ضرورة عدم تناسي التراث والتواصل الثقافي مع العالم العربي بكل ما يتصل بالابداع الانساني على رغم الحصار والظرف السياسي لأن الثقافة تتجاوز الحدود الاقليمية الى الجوهر الانساني وعطائه. وللتذكير فإن الموروث الفلسطيني من الشعر الشعبي قريب من نظيره اللبناني لجهة الأوزان وكلمات الأغاني والأهازيج كالقرادي والمعنّى والشروقي. فأغاني جفرا الفلسطينية هي مزيج من العتابا والدلعونا والميجانا. ولا تزال تردد في الأعراس والمناسبات بمعدل أكبر في مناطق الضفة الغربية مما في الجليل والساحل الفلسطيني. وبقي الحداء متبعاً في الأعراس، ولو شهد تراجعاً واضحاً في الجليل في العقدين الأخيرين لكثرة قاعات الأفراح واستعمال الأساليب الحديثة في إحياء السهرات الفنية.