سمع الجمهور صوت الممثل كفاح الخوص يرحب به، سائلاً إذا قام من معه بواجب الضيافة؟. وبطريقة أهل الريف السخية أجلس مؤسس «فرقة حكواتي المسرح» عام 2000، كل من أتى إلى المركز الثقافي الفرنسي في دمشق لحضور «ليلة حكايا المواويل». على خشبة مسرح صغير مفروش بالسجاد القروي الأحمر، جلس أعضاء «جوقة جابر» الزجلية (وسام برهان وعبد الرحيم برهان ومحمد علي الخوص) الذين وقفوا عند باب المركز قبل بدء الحفلة لاستقبال الضيوف. هي خطوة «نقلتنا زمنياً خمسين عاماً إلى الوراء» كما قال الشاعر وسام برهان ل «الحياة»، واصفاً الحدث بالسهرة الحكائية الزجلية التي تلتقي بالمنبر والمسرح معاً. «جوقة جابر» بمسماها الشعبي أسسها برهان عام 2002، محاولاً الخروج بالزجل الريفي من قرية الزبداني إلى كل سورية، للعمل على إحياء الذاكرة الشعرية الشعبية وتحديثها. أما دمج المسرح والحكاية والزجل، فإنه يتم للمرة الأولى... لكن بالطريقة نفسها التي يلتف بها الناس حول الزجالين في سهرات البيوت. ويختلف منطق الزجل بحسب منطقته، فمن الممكن أن يضيف الزجال بغنائه ال «العتابا» ما لم يستطع زميله أداءه، من دون أي تشابه، حتى مع التكرار بحسب برهان. وتفاعل الجمهور مع توتر مسرحي مختلق في سجال مشوّق بين «جوقة جابر» الزجلية، و «فرقة حكواتي المسرح»، اعتمد على تجاذب بين الحكاية والزجل، وتنافر بين محمد علي الخوص «الزجال»، وكفاح الخوص «الحكواتي». فمن قدّم من؟ هل بيت الزجل الذي أوصل الحكاية، أم أنها هي التي خلدت بيت الزجل في التراث الشعبي؟. رافق معدّ العرض ومخرجه كفاح الخوص أخاه الممثل إباء، في تقديم قص حكائي جديد بعيد من التراث، و آخر من ذاكرة الجدات، اعتمدا على الشخصيات التي أداها الشعراء بلغة الزجل. لكن الارتجال لم يغب عن مسار قصتي «ليلة حكايا المواويل» التي تناولتا كل ما يمكن أن يذكر في القرى بدءاً بالطبيعة وانتهاء بالمرأة. وتلون الزجل الذي رافقه عزف على الدفّ والناي، بين القصيد الطويل والعتابا والموشح الغزلي. «تَرك المتلقي حراً أمام الحكاية، لتفسيرها كما يحلو له»، هو الهدف الذي تحدث عنه كفاح الخوص لعرضه، محاولاً جمع القص والزجل في شكل يعيد إلى الذاكرة ما كاد ينقرض على مستوى السمع، إضافة إلى استحضار للسهرة الزجلية الدافئة – الغائبة، التي تعقد تقريباً كل شهر بعيداً من ضجة المدينة. وترى «فرقة حكواتي المسرح» أن الحكاية الشعبية كمضمون والحكواتي كشكل هما البوابة الأساسية لتأصيل المسرح العربي.