كانت المرة الأولى التي تظهر فيها عارضة الأزياء تلك، ممثلة في مسلسل تلفزيوني، عندما اتصل بهما مصوّر صحافي طالباً موعداً لتصويرها ونشر الصور في مجلة فنية معروفة في العالم العربي، فقالت له بالحرف: "إذا كنت تريد تصويري لموضوع الغلاف في المجلة فأنا راضية، أما اذا كانت الصور للنشر في داخل المجلة، فاعذرني لأنني لا أريد أن تكتب عني مجلة من دون أن أكون أنا نجمة الغلاف"! كانت المرة الأولى التي تظهر فيها عارضة الأزياء تلك في مسلسل تلفزيوني وطلبت ذلك الطلب الاستعلائي، فكيف بها اذا نجحت في التمثيل، وقفز اسمها الى خانة الأسماء الادائية البارزة؟ هذا هو الواقع. فالموقف الذي تتخذه عارضات الأزياء الوافدات الى التمثيل في المسلسلات اللبنانية عبر "البوديوم" ومنصّات عرض الأزياء، حيال أنفسهن في الاعلام، غريب وخالٍ من النطق ومشحون بأفكار لا علاقة لها بالتمثيل ولا بالقدرات الادائية بقدر ما تنمّ عن فهم خاطئ لطبيعة الاعلام. ولن يكون مفاجئاً القول ان عارضة أزياء اخرى احترفت التمثيل أخيراً رفضت الجلوس في مقابلة تلفزيونية تجمع عدداً من الفنانين إلا في الموقع الذي يظهرها امام الكاميرا ذات موقع رئيس بين الضيوف وكان منهم ممثلون يفوقونها شهرة وخبرة وتأثيراً، وقد تحقق لها ما أرادت خشية أن تغادر الاستديو محتجة، والحلقة يريدها الانتاج تجمع وجوهاً جميلة! انها عقلية "أزيائية" خارجية سطحية بفن يفترض ان له حرمته بين الفنون كافة. واذا كان الشكل الحسن والقوام الأحسن مطلوبين أحياناً في بعض الأدوار والمسلسلات والأفلام، فليس ذلك قاعدة على الاطلاق، فضلاً عن انه ليس هدفاً بذاته. غير ان انحياز بعض المخرجين والمنتجين الى الاشكال "الجمالية" أدخل الى ميدان التمثيل مجموعة من الأسماء بين صبايا وشبان لا امكانات تمثيلية عند أصحابها، وكل ما يتمتعون به هو ربما الإبهار الشكلي المفتقد أبسط شروط المضمون الفني. ويضع نقاد لبنانيون هذه الحال في خانة جملة من الأسباب التي أدت الى ايقاف مسلسلين لبنانيين عن العرض هما "الباشوات" و"حب أعمى"، للمخرج ميلاد الهاشم، فقد حفل المسلسلان بعارضات أزياء كثيرات، وبعارضي أزياء كثيرين يقومون بالأدوار الأولى فيهما من دون أي موهبة أو حتى معرفة بفن الأداء، فضلاً عن الركاكة في القصة والسيناريو والحوار ما أدى الى وضع المسلسلين تحت دائرة المنع بعد عرض الحلقات الأولى من كل منهما. ولعل نجاح المخرج ميلاد الهاشم سابقاً في تجربة تقديم مسلسل تلفزيوني نجح شعبياً وشكّل "ثورة" ولو محدودة في الطروحات التي كانت المسلسلات اللبنانية، عادة، تتطرق اليها في الانتاج السابق على صعيد القصة كما على صعيد الممثلين الذين كانت بينهم عارضات ازياء في تلفزيون لبنان، هو الذي جعله يظن أن بالامكان الانطلاق من تلك "الثورة" ثم تصديرها على عدد من التلفزيونات الاخرى والمسلسلات الاخرى حالماً بأن الأمورة سهلة ومهيأة لذلك. بيد أن ضعف النصوص بالكامل، ورداءة اداء عارضات وعارضي الأزياء التمثيلي وتراخي المخرج في ضبط عملية الاداء معتقداً أن جمال الممثلات والممثلين يغفر لهم اخطاءهم، جعل من المحاولة التلفزيونية منبراً "استعراضياً" لمفاتن العارضات لا أكثر. فوقع المسلسل الأول ثم المسلسل الثاني في المحظور. ان مسلسل "حب أعمى" الذي عرضت منه ثلاث حلقات قبل أشهر واختفى عن شاشة "المستقبل" وأصيب بالداء نفسه الذي أصاب "الباشوات" وكان يعرض على الشاشة نفسها قبل ثلاث سنوات، لم يكن يريد من نيكول بردويل وهي أشهر عارضات الأزياء اللبنانيات اسماً وجمالاً وحضوراً في هذا المجال، أكثر من أن تقف أمام الكاميرا لا غير. والمعرفة النقدية التي ينبغي أن تميز أي مخرج، كان يفترض أن تحرك ميلاد الهاشم فوراً باتجاه تعليم نيكول الاداء أو الاستغناء عنها، لأن ترك نيكول التي تمثل للمرة الأولى، على غاربها، دفعها من حيث لا تدري ربما الى الاستهانة أو استسهال العمل ككل، فغرقت في البحث عن انوثتها امام الكاميرا أكثر من البحث عن الممثلة فيها، وتالياً غرق المسلسل في "عرض" ما لا لزوم له ولا دور له ولا هدف له إلا "العرض". ولست أدري ما اذا كان صحيحاً ما قيل من أن نيكول بردويل تلقت بعد "حب أعمى" عرضاً من مخرج آخر لأداء بطولة مسلسل آخر. وذلك يعكس واحداً من أمرين: الأول هو أن المخرج "اكتشف" في نيكول ممثلة لم يخدمها "حب أعمى" ومخرجه ويريد هو أن يصحح الصورة، وهذا معقول. والثاني هو أن المخرج يريد أن يكرر خطأ ميلاد الهاشم بخطأ آخر في حق نيكول، وهذا غير معقول. حين لعبت نيكول بردويل قبل سنوات دوراً معيناً في برنامج تلفزيوني انتقادي على شاشة "LBC"، وبعد عرض الحلقة الأولى، انسحبت نيكول منه لأنها "لم تجد نفسها" كما قالت، إضافة الى ردود الفعل السلبية التي وُوجهت بها كممثلة، فهل تعود الى التمثيل بعد "حب أعمى" وبالمواصفات نفسها، فيقال ان حب نيكول للتمثيل هو أيضاً حب أعمى؟