في الرابع من كانون الثاني يناير 1997، اعلن عضو اللجنة التنفيذية في حركة "الاتحاد الاسلامي" الصومالية رئيس عمليات الطوارئ فيها الشيخ حسن ضاهر عويس ان "الحركة" تخلت عن العمل العسكري وتسعى للوصول الى السلطة، وتؤيد أي زعيم اسلامي يتعهد اعلان "الجمهورية الاسلامية الصومالية". وقال في مؤتمر صحافي عقده في مقديشو: "من الآن فصاعداً تحولت حركة الاتحاد الاسلامي منظمة سياسية تسعى للوصول الى السلطة في الصومال. لكن هدفنا ليس السلطة فقط، ولكن ان نعمل على وصول رئيس مسلم يدير البلاد استناداً الى الشريعة. وسنعلن الولاء لأي زعيم يختاره الشعب ويتعهد اقامة الجمهورية الاسلامية الصومالية". بعد حوالى عامين وثمانية اشهر من إعلان الشيخ عويس، وصل الى رأس السلطة في "جمهورية الصومال الديموقراطية" الاسم الرسمي للبلد الدكتور عبدي قاسم صلاد حسن، وذلك بعد مؤتمر للمصالحة الوطنية عقد في منتجع عرتا في دولة جيبوتي المجاورة في آب - ايلول اغسطس - سبتمبر 2000. وفي ذلك المؤتمر انتخبه بعض من زعماء القبائل "رئيساً انتقالياً" للصومال، فعين "رئيساً انتقالياً للوزراء"، لكنه حالياً لا يسيطر سوى على جزء من العاصمة مقديشو وعلى بعض المدن خارجها. يتشكل الصومال من 18 اقليماً، خمسة منها في الشمال الغربي تمارس استقلالها منذ ايار مايو 1991 تحت اسم "جمهورية ارض الصومال" ولديها "رئيس" اسمه محمد ابراهيم عقال، وحكومة وبرلمان ونظام قضائي وجيش. ويتاخم هذه "الجمهورية" في الشمال الغربي كيان يتمتع بحكم ذاتي مستقل تأسس في اول آب اغسطس 1998 تحت اسم "ولاية بونت لاند الصومالية" ويشمل اربعة اقاليم تقول ارض الصومال ان اثنين منها تابعان لها ولدى هذه "الولاية" كما ل"ارض الصومال" "رئيس" هو العقيد عبدالله يوسف ومؤسسات ودستور. وتتنازع السيطرة على الاقاليم الاخرى، بما في ذلك اقليم بنادر الذي تقع مقديشو ضمنه، قبائل وميليشيات، وتسيطر حركة "الاتحاد الاسلامي" على عدد من هذه الاقاليم، وجيرت سيطرتها هذه ل"الرئاسة الانتقالية"، فصار لعبدي قاسم صلاد حسن جزء من السلطة العامة في البلاد، على مناطق خارج العاصمة عبر "الاتحاد". بعد عودة الرئيس صلاد حسن من جيبوتي اثر انتهاء مؤتمر عرتا في ايلول سبتمبر 2000، اعلنت المليشيات التابعة للمحاكم الاسلامية حل نفسها نهائياً ووضع كل قواتها في تصرف الحكومة الجديدة لتكون نواة جيش وطني جديد. كما اعلنت وضع كل خبراتها وامكاناتها في خدمة الحكومة. وشهدت خلال زيارتي مقديشو في كانون الاول ديسمبر الماضي اقفال عدد كبير من المحاكم الاسلامية التي كان "الاتحاد الاسلامي" اسس معظمها، كما شهدت تجمعات لقوات هذه المحاكم التي انتقلت الى ثكن ومواقع داخل العاصمة لاعادة تأهيلها وتوزيع عناصرها على اجهزة الدولة الجديدة ومؤسساتها، خصوصاً جهازي الجيش والشرطة. وخلال الزيارة نفسها، سألت الرئيس صلاد حسن عن المحاكم الاسلامية التي كانت تصدر احكاماً وتنفذها في حق مواطنين خلال الحرب، فأجاب: "هي عبارة عن خمس محاكم قبلية في جنوب مقديشو، وانضمت الينا في مؤتمر عرتا. وسيكون القضاء موحداً في اطار المؤسسة القضائية الرسمية التي ستأخذ موقعها ودورها، وبذلك ينتهي دور المحاكم الاسلامية". ولكن هل انتهى دور هذه المحاكم فعلاً؟ وهل كان صلاد حسن هو "الرئيس" الذي كان يشير اليه عضو اللجنة التنفيذية في حركة "الاتحاد الاسلامي" الشيخ حسن ضاهر عويس عندما قال: "هدفنا ليس السلطة فقط، ولكن ان نعمل على وصول رئيس مسلم يدير البلاد استناداً الى الشريعة. وسنعلن الولاء لأي زعيم يختاره الشعب ويتعهد اقامة الجمهورية الاسلامية الصومالية"؟ صلاد حسن لم يعلن "الجمهورية الاسلامية الصومالية"، لكنه لم يعلن ايضاً خلاف ذلك. فهو، بحسب مؤتمر عرتا، الرئيس الانتقالي، اي يحكم "جمهورية" من دون هوية لا تعترف عترف بها كل الاطراف المحلية، وذلك لفترة انتقالية يجري خلالها نقل البلاد من وضع الحرب واللادولة الى دولة لديها دستور وقوانين ومؤسسات. ربما لم يتسن لصلاد حسن خلال فترة ال15 شهراً التي امضاها حتى الآن على رأس "الجمهورية" تحويل هذه الجمهورية شكلاً معيناً من اشكال الحكم... فهل يستطيع احتواء الاسلاميين ويعلن "جمهورية تعددية"، ام يحتويه الاسلاميون ويعلنون "جمهوريتهم"؟