شارك مؤسس مهرجان نانت السينمائي الدولي ومديره فيليب جالادو، في "ندوة التعاون العربي - الأوروبي في المجال السينمائي" التي حضرها ممثلون عن ستة عشر بلداً عربياً وأوروبياً وانعقدت في آب اغسطس الماضي ضمن فاعليات "ملتقى أصيلة الثقافي" في المغرب. عما دار في هذه اللقاءات، وعن أوضاع السينما عامة، والتحضيرات الجارية لمهرجان نانت الذي سيفتتح في العشرين من تشرين الثاني نوفمبر الجاري، كان ل"الحياة" لقاء معه: ما كانت نتائج "ملتقى أصيلة" حول التعاون العربي - الأوروبي في المجال السينمائي؟ وهل اتخذت قرارات ما؟ - لم نكن هناك لاتخاذ قرارات وإنما لتبادل الآراء وتقديم الاقتراحات حول مواضيع ثلاثة تمت مناقشتها وهي: الابداع في السينما، الإنتاج، والتوزيع، وأيضاً، كيف يمكن أوروبا والعالم العربي العمل معاً على هذه المستويات الثلاثة. واطلعنا على مواقف لم تكن معروفة لنا سابقاً في ما يتعلق بالكيفية التي تمكن أفلاماً أنتجت في بلد ما لتتوجه إلى جمهور محلي في الوصول إلى جمهور عالمي؟ وما نوعية الأفلام التي يمكن أن تدخل حيز الإنتاج المشترك؟ إذ ليستطيع الفيلم طرق أبواب أخرى، يجب أن يكون على قدر من القيمة الفنية وأن يتحلى بنظرة منفتحة، ويحافظ على ثقافته المحلية الخاصة من دون أن يكون غارقاً في هذه المحلية. هذا يقودنا إلى الحديث عن هجوم البعض في العالم العربي على الإنتاج المشترك مع أوروبا، إذ لا يرى فيه إلا السلبيات! مفترضاً أن دعم الأفلام لا يتم إلا إذا ركزت مواضيعها على النواحي المحلية السلبية! ما رأيك؟ - هذا نقاش لا يقوم على أسس سليمة. أولاً، ما المقصود "بالنواحي السلبية"؟ عندما نظهر حقيقة بلد ما ينعت الأمر بالسلبية! هل المطلوب إخفاء الحقائق ووضع الأقنعة وإبداء ما هو إيجابي فقط؟ أليس دور السينما إظهار الواقع وحقيقة الأشياء؟ إظهار الحياة كما هي في كل الأمكنة والبلاد؟ هذا الموقف لا يتصف بالأمانة، لأن المطلوب هو إخفاء الحقيقة. إنه نقاش سيئ، وهو ربما صادر عن أناس لم تدعم مشاريعهم لأن قيمتها الفنية كانت أقل من تلك التي لقيت الدعم. وثانياً، لا أستطيع القول أن كل الأفلام التي ساهمت فرنسا في إنتاجها كانت ذات مستوى فني عال. طبعاً ثمة أخطاء حصلت، إذ، أحياناً، يكون السيناريو جيداً، إنما الإخراج لا. لكن القول إننا نعطي الأموال لإظهار الأشياء السيئة، فهذا غير ممكن على الإطلاق! ولا أظن أن أعضاء لجان التحكيم، وهي لجان غير سياسية وأعرف الكثير من أعضائها، يقبلون بتلقي التعليمات من أحد عما يجب أن يقوله الفيلم عن بلد ما! هذا غير حقيقي، غير حقيقي، لو كنت في إحدى هذه اللجان لرفضت تسلم التعليمات من أي كان. ذُكر فيلم "الأبواب المغلقة" لعاطف حتاتة وخلوه التام من أي شخصية إيجابية؟! - السيناريو لا يقوم على الورود والمشاعر الطيبة. والسينما لا تقوم على التعميم، إنها تتناول أشخاصاً وليس نماذج محددة، يجب تجنب التعميم. في "الأبواب المغلقة" لم يقل أن كل مصر هي هكذا! لم يقل ذلك أحد، ولكن بعضهم فسر الفيلم على هذا النحو، ويظن أن الجمهور غبي وسيقوم بالتفسير هكذا. كيف يمكن التوصل إلى صيغة للتعاون العربي - الأوروبي في المجال السينمائي؟ - لا يوجد شكل محدد لهذا التعاون. السينما الأوروبية أنواع منها: التجارية، وسينما المؤلف. وتلك الأخيرة يهمها البحث عن مخرجين في البلدان الأخرى لدعمهم. والسينما الأوروبية تهدف لاجتياز الحدود واستقدام أفلام من بلاد أخرى لعرضها على الشاشات الأوروبية. نبحث عن الوسائل التي تذهب في هذا الاتجاه. مقاومة كيف يمكن لأوروبا أن تسهم في الحد من تأثير السينما الأميركية أو منع المد السينمائي الأميركي؟ - تخفيف التأثير الأميركي لا يأتي من منع الأفلام الأميركية، وإنما من إنتاج أفلام أفضل منها، ومن اعتماد سياسة تثقيف الجمهور. إذا تركنا السوق كما هي، فإن السينما الأميركية، التي تدفع مبالغ طائلة على الدعاية، هي التي ستكسب. فالجمهور يقول عن الفيلم الذي حصل على دعاية ضخمة: هذا القدر من الدعاية! لنذهب ونر! علينا أن نبين له أن السينما هي فن وأن ثمة نماذج أخرى بإمكانه الاطلاع عليها، وإعطاؤه الخيار، وذلك بتوزيع أفلام متنوعة المصادر. وبالطبع لن يقبل الناس الأمر بهذه السهولة، إذ يجب البدء من المدرسة وعندها يمكننا أن نأمل بتغيير ما. لقد حصل ذلك في فرنسا، إذ نجحنا في استقطاب نسبة كبيرة من الجمهورحوالى 50 في المئة نحو الأفلام الفرنسية، وبات هناك الآن نوع من التوازن بين السينما الفرنسية والسينما الأميركية. لماذا؟ لأن الجمهور الفرنسي ومنذ بدء السينما تشكلت لديه ثقافة سينمائية خاصة به، أسهم الأهل فيها والمدارس. كثرت المهرجانات السينمائية ومنها بخاصة تلك التي تهتم بالسينما "الأخرى" غير الأوروبية والأميركية. ما هو برأيك تأثير ذلك على الإنتاج السينمائي في تلك البلدان كماً ونوعاً؟ ولاسيما أن البعض "أيضاً!" يقول إن ثمة أفلاماً تنتج للمهرجانات فقط؟ - قد تساعد المهرجانات على تنشيط عملية الإنتاج السينمائي لأي بلد وتُكسب المخرج الذي نال إحدى جوائزها، أهمية إضافية في بلده. لكن لا يمكن إنتاج أفلام فقط من أجل المهرجانات، هذا غير وارد ولا معنى له، وإن تم فسيحصل عندها انقطاع ثقافي مع البلد، وعاجلاً أم أجلاً سيجد من يقوم بذلك، نفسه في مأزق. يجب العمل أولاً من أجل البلد الذي نعيش فيه. هل يتم، في المهرجانات اختيار الأفلام ذات المواضيع التي تلعب على حساسية الجمهور الأوروبي تجاه قضايا معينة، وضع المرأة، الوضع السياسي... في بلد ما؟ - ربما كانت هناك مهرجانات تقبل على أفلام من هذه النوعية، ولكنها ليست مهرجانات ذات مستوى، لأن المهرجان عندما يختار فيلماً فلقيمته الفنية وليس لموضوعه. ما الذي أعطى الأهمية لكياروستامي؟ إنه المستوى الفني العالي لأفلامه وليست مواضيعه. ولكن من ناحية أخرى، إذا تم تناول موضوع ما بطريقة جيدة تبرز نظرة شخصية، فلسفية للحياة فلم لا؟ وحتى لو كثرت الأفلام عن المرأة، ولعلك قصدت الأفلام الإيرانية بسؤالك، فهذا مقبول أكثر من الأفلام عن الأطفال، التي ربما قد تكون كثرت بعض الشيء، لأن تلك الأخيرة تبقى محدودة في تناولها، فشخصية الطفل تبقى أقل غنى من الناحية النفسية قياساً إلى الشخصيات البالغة. ولكن أفلام المرأة شيء مختلف. إن الأمر يبدو كما لو قلنا أن الغرب يقوم طوال الوقت بعمل أفلام عن الحب بين الرجل والمرأة؟ كل فيلم له خصوصيته ولكل شخصية خصوصيتها أيضاً. كيف ترى السينما العربية بعد متابعة ثلاث وعشرين سنة، هي عمر مهرجان نانت؟ - لا يوجد ما يمكن أن نطلق عليه سينما عربية. فثمة مسافات شاسعة بين المغرب وعمان، والجمهور مختلف، الاختلاف يأتي في الزمان والمكان. السينما، وتبعاً لظروف معينة، في كل بلد على حدة، في حال هبوط وصعود. في الجزائر، عرفت السينما مجدها في الستينات، والآن ولأسباب سياسية اختفت نسبياً. في تونس، انخفض الإنتاج حالياً بعد أن كان مرتفعاً في الثمانينات وأوائل التسعينات، وفي المغرب، ولأسباب ربما كانت سياسية أيضاً، نرى حالياً ارتفاعاً كمياً ونوعياً في الإنتاج السينمائي. وفي مصر يوجد الآن منتجان أو ثلاثة، يعتقدون بأن الجمهور ليس على هذا الغباء ويجب إنتاج أفلام ذات نوعية أفضل. أما في لبنان فهناك شبيبة تذهب إلى السينما، لمشاهدة أفلام جيدة، وبالتأكيد أن هذه الشبيبة متأثرة جداً بالسينما الأميركية إلا أن وجود العروض السينمائية الخاصة والمهرجانات، وطلاب يدرسون السينما يخلق جواً عاماً ملائماً. وعلى رغم أن معظم هؤلاء الطلاب، سيقوم في ما بعد بالعمل في التلفزيون إنما بالنظر إلى عددهم، فستكون هناك نسبة ستتجه حتماً إلى السينما. وفي سورية يبدو أن حركة جديدة في سبيلها إلى الظهور، إذ لغاية الآن لم نر جيلاً من المخرجين السينمائيين الشباب، بل جيلاً من المعروفين الذين ينجزون فيلماً كل سنوات عدة. وبالنسبة للخليج، توجد الإمكانات والجمهور، ولكن لا ثقافة سينمائية للأسف، ويمكن التغلب على ذلك بوجود إرادة سياسية لتطوير السينما ومساعدة المخرجين. أما الرقابة فهي ليست عذراً ولدينا إيران كمثال، كذلك السينما الأميركية التي كانت في أفضل أحوالها عندما كانت هناك رقابة. ماذا عن برنامج مهرجان نانت المقبل؟ - فيلم الافتتاح سيكون "فاطمة" للمخرج التونسي خالد غربال. أما في المسابقة الرسمية التي ستتضمن 12 فيلماً لم يسبق لها العرض في فرنسا، فننتظر أفلاماً من لبنان وسورية ومصر وتونس والمغرب لمشاهدتها، وكذلك أفلاماً أخرى من آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. وسيتم تكريم الممثلة المكسيكية كاتي جورادو والممثل المصري نور الشريف.