صندوق الاستثمارات العامة يعلن إتمام بيع 100 مليون سهم في stc    وزير الخارجية يصل إلى فرنسا    "محمد الحبيب العقارية" تدخل موسوعة جينيس بأكبر صبَّةٍ خرسانيةٍ في العالم    "دار وإعمار" و"NHC" توقعان اتفاقية لتطوير مراكز تجارية في ضاحية خزام لتعزيز جودة الحياة    ا"هيئة الإحصاء": معدل التضخم في المملكة يصل إلى 1.9 % في أكتوبر 2024    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    ماجد الجبيلي يحتفل بزفافه في أجواء مبهجة وحضور مميز من الأهل والأصدقاء    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    رينارد: سنقاتل من أجل المولد.. وغياب الدوسري مؤثر    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    عصابات النسَّابة    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    محترفات التنس عندنا في الرياض!    رقمنة الثقافة    الوطن    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    صحة العالم تُناقش في المملكة    الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 تصل إلى لبنان    استعادة التنوع الأحيائي    أسرة العيسائي تحتفل بزفاف فهد ونوف    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    تعزيز المهنية بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.. وزير البلديات يكرم المطورين العقاريين المتميزين    المالكي مديرا للحسابات المستقلة    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    لاعبو الأندية السعودية يهيمنون على الأفضلية القارية    «جان باترسون» رئيسة قطاع الرياضة في نيوم ل(البلاد): فخورة بعودة الفرج للأخضر.. ونسعى للصعود ل «روشن»    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    قراءة في نظام الطوارئ الجديد    السيادة الرقمية وحجب حسابات التواصل    ترامب يختار مديرة للمخابرات الوطنية ومدعيا عاما    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    «الشرقية تبدع» و«إثراء» يستطلعان تحديات عصر الرقمنة    «الحصن» تحدي السينمائيين..    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    المنتخب يخسر الفرج    رينارد: سنقاتل لنضمن التأهل    أجواء شتوية    التقنيات المالية ودورها في تشكيل الاقتصاد الرقمي    الذاكرة.. وحاسة الشم    السعودية تواصل جهودها لتنمية قطاع المياه واستدامته محلياً ودولياً    أمير المدينة يتفقد محافظتي ينبع والحناكية    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    محافظ الطائف يرأس إجتماع المجلس المحلي للتنمية والتطوير    نائب أمير جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"مادة" شبكات بن لادن ... "مجاهدون" من طراز جديد ومن فئات مختلفة يصعب تعقبها والربط بينها . الناشطون الكامنون معظمهم في العقد الثالث ... نشأوا في المهاجر ويجمعون بين عنف الجنوح وعنف الجهاد
نشر في الحياة يوم 06 - 11 - 2001

سلط العمل الارهابي "الكوني" أو العالمي، في 11 أيلول سبتمبر، الضوء على شبكات أصحاب العمل المفترضين، وعلى منظمات وخلايا وأجسام تمت اليهم بصلات وعلاقات سعى التحقيق الأمني والقضائي في تعقبها وجلائها. فظهرت الى العلن، في بريطانيا وفرنسا وايطاليا وألمانيا واسبانيا وبلجيكا وهولندا والولايات المتحدة الاميركية وكندا، أي في المهاجر الأوروبية الأميركية، جماعات كانت قيد المراقبة الخفية والحذرة. وعجلت الحادثة الهائلة في إظهارها الى العلن، وتقديمها الى القضاء. وأفشت تحقيقاتٍ واعترافات وقرائنَ لم تتضح دلالاتها، أو دلالات بعض أجزائها، إلا غداة الزلزلة الاميركية. واضطر الخوف العام من إيذان تدمير البرجين النيويوركيين التوأمين بسلسلة هجمات مدمرة على مرافق منتشرة في أرجاء أوروبا وآسيا، أجهزة الأمن، في غرب أوروبا وشمالها، الى ملاحقة من كانت تراقبهم منذ بعض الوقت، ومباغتتهم واعتقالهم، قبل أن يبادروا هم الى ارتكاب أعمالهم.
شبكات كامنة
فأوقفت الشرطة الفرنسية وجاهياً أربعة مهتمين، بينهم الجزائري فؤاد صبور 36 عاماً، كانت الشرطة الألمانية اعتقلتهم وصادرت اشرطة "فيديو" في حوزتهم. وقادت الأشرطة هذه المحقق الألماني الى خطة كانت ترمي الى تدمير مبنى البرلمان الأوروبي في مدينة ستراسبورغ الفرنسية الشمالية. وباشرت النيابة العامة الفرنسية، في 14 أيلول، تحقيقاً في أعمال جماعة صغيرة من ثلاثة فرنسيين جزائريين، تنسب الى حوساني الشريفي، تولت تزوير عشرات وثائق السفر الفرنسية في تايلندا. وأوقفت أجهزة الأمن البلجيكية، في الاسبوع الذي أعقب 11 أيلول، نحو عشرين مظنوناً نسب بعضهم نفسه الى جماعة التكفير والهجرة المصرية المنشأ، وثبتت علاقة بعضهم الآخر بالجماعة الاسلامية المسلحة الجزائرية، وبفريد ملّوك، أحد أقطابها في أوروبا. وأقر مظنونون من الجماعة هذه بإعدادهم تفجير مبنى من مباني قيادة الأطلسي في العاصمة البلجيكية والأوروبية، بروكسيل، وهجوماً على مرفق من مرافق مدينة آنفرس التجارية والمالية، وبعض اعمال اليهود فيها. وبين المظنونين الموقوفين نزار طرابلسي، التونسي البلجيكي، ولاعب الكرة السابق مع احدى الفرق الألمانية.
وكشفت المباحث الأمنية الايطالية الغطاء عن حوادث متفرقة، منها توقيف الشرطة الكندية مصرياً قادماً من ميلانو بشمال ايطاليا وبين أوراقه خريطة مفصلة للبرجين التوأمين. وتقود الحوادث كلها، على نحو أو آخر، الى "قاعدة" اسامة بن لادن و"كوكبة" المنظمات التي تدور في فلكها. ويتولى الموقوفون بإيطاليا، شأن بعض "زملائهم" المفترضين بفرنسا، تزوير وثائق سفر، وجمع معلومات عن المباني الديبلوماسية الاميركية سفارة روما، على وجه الدقة، والمواظبة على زيارات مساجد أو نواد يرتادها بعض "علاقاتهم" و"اتصالاتهم". ونجح التنصت الألماني في ضبط تخابر بين أحد الموقوفين بإيطاليا وبين صلته بأفغانستان. ومعظم خيوط التحقيق، وبعض خيوط التهمة والظن، تقود الى طارق معروفي، "البلجيكي" الموقوف في الولايات المتحدة والوثيق العلاقة بصاحب "جماعة الدعوة والجهاد" الجزائرية حسان خطاب، والى محمد بوصخرية المعروف ب"المِلياني"، وينسب اليه تنسيق "أعمال" بن لادن في أوروبا، والموقوف بمدريد منذ أواخر حزيران يونيو.
وقبل انقضاء ثلاثة أسابيع على المقتلة الاميركية و"العالمية" أوقف المحققُ الفرنسي جمال البْغال أو البْقال في تهجئة أخرى، 35 عاماً، وهو سلمته سلطات دبي الى السلطات الفرنسية بعد ثلاثة أشهر من توقيفه. وكان الموقوف قال للمحقق الاماراتي، ثم رجع عن قوله، ان "أبو زبيدة"، أحد مساعدي بن لادن المقربين بقندهار، أمره بنسف السفارة الاميركية بباريس، وأبلغه ان نزار طرابلسي، المقيم ببلجيكا، هو "استشهادي" العملية المزمع. فكان استجواب جمال البْقال السُلَّم الى توقيف جماعة من الفرنسيين الجزائريين، تعد سبعة شبان، والى تعقب ثامن، هو كامل الداودي 27 عاماً، هرب الى ليستير ببريطانيا، ولم تلبث السلطات البريطانية ان سلمته الى السلطات الفرنسية في 29 ايلول.
واتفق توقيف كامل الداودي مع ابتداء محاكمة أربعة وعشرين اسلامياً مفترضاً بباريس، ينسبون الى "رأسهم" أو أقواهم ظهوراً المدعو ناصر ماماش 40 عاماً، الموقوف منذ أوائل 1997. وينتسب الأربعة والعشرون جزائرياً أو من أصل جزائري وتترجح سنهم بين 29 عاماً و50 عاماً، الى الجماعة الاسلامية المسلحة. وهم ضلعوا في تزوير وثائق ومستندات مهدت الطريق الى شحن سيارات مستعملة الى الجزائر، خبأوا في مخابئها أسلحة ومتفجرات تولى مستوردوها المزعومون، من بعد، نقلها الى قَتَلة "الجماعة". والوسيط بين الناشطين المحليين بفرنسا في تزوير الوثائق والأختام والأسماء وبين الجبال الجزائرية هو محمد كرّوش، الموقوف بتهمة سابقة نسبت اليه تنسيق أعمال تزوير وتهريب مع جماعة اخرى تعرف باسم ركنها محمد شلبي.
وبعد إمساك دام ستة أعوام أفرجت السلطات البريطانية عن رشيد رمدا أو رمضة؟، المعروف ب"الياس" والبالغ 31 عاماً والهارب من القضاء الفرنسي غداة أعمال تفجير بباريس، في أواخر تموز يوليو 1995، قتلت عشرة أشخاص وجرحت مئة وخمسين. ورمدا هذا، أو "الياس"، كان يحرر صحيفة "الأنصار"، لسان "الجماعة الاسلامية المسلحة" الجزائرية بأوروبا. وترجح الاستخبارات الفرنسية أنه موَّل عمليات "أمير" الجماعة فى أوروبا، علي توشنت، المقتول في 1998 بحسب السلطات الجزائرية. وكانت السلطات الفرنسية وقعت على وثيقة تمويل مصرفية لندنية لأمر بوعالم بنسعيد، المسؤول التنفيذي عن عمليات التفجير، وحملت لائحة أمر التمويل بصمات رشيد رمدا. وعلى رغم تعاون جهازي التحري، البريطاني والفرنسي، وتنسيقهما التحقيق بينهما، وقوة أدلة الضلوع، حال القانون البريطاني بين سلطات لندن وبين تسليم رمدا الى باريس. فاستفاد هذا من فرص الاستئناف أمام المجلس العدلي، وأمام مجلس اللوردات، على ما يتيح له القانون الأمر.
وإلى رشيد رمدا، كانت السلطات البريطانية تعتقل، في أواخر أيلول، لطفي رايسي، وهو طيار جزائري 27 عاماً يقيم منذ عام بلندن مع زوجته الفرنسية، ويتدرب على الطيران في مدرسة قريبة من مطار هيثرو اللندني. ويحمل لطفي رايسي اجازة طيران اميركية حصلها في أريزونا. وبحسب مكتب التحقيقات الفيديرالي الاميركي، مرّ أحد عشر ضالعاً في خطف الطائرات الاميركية الأربع من 19 بلندن، أو أقاموا بها، بين كانون الثاني يناير وحزيران يونيو 2001. وكان رايسي من "علاقات" محمد عطا والشحي وزياد الجراح الوثيقة، وأحد مدربيهم. ولا يبعد أن يكون هؤلاء، وغيرهم، خالطوا أنس الليبي 37 عاماً، اللاجئ السياسي والمظنون في حادثتي دار السلام ونيروبي، بمانشيستير ومساجدها، أو ان يكونوا مروا بياسر السري 38 عاماً، اللاجئ السياسي المصري والهارب من مصر غداة محاولة قتل عاطف صدقي، رئيس الحكومة المصرية، في 1993، والموقوف في قضية اغتيال القائد الطاجيكي الأفغاني، أحمد شاه مسعود، عشية 11 ايلول.
ونظير لطفي رايسي، الطيار، كانت اجهزة الأمن الاميركية أوقفت متدرباً على الطيران يدعى زكريا الموسوي 33 عاماً، المغربي الفرنسي، ببوسطن قبل الحادي عشر من أيلول. وتظن اجهزة الأمن ان الموسوي هو من كان يفترض فيه أن يُتم عدد الانتحاريين الى عشرين. ولكنه أوقف في مخالفة اقامة ثانوية. وهو كان قادماً من لندن، حيث أقام منذ أوائل العقد العاشر ودرس وحصل على دكتوراه في التجارة الدولية.
والى هؤلاء الذين مرت أسماؤهم، فؤاد صبور وحوساني الشريفي وفريد ملوك ونزار طرابلسي وطارق معروفي ومحمد بوصخرية وجمال البْقال وناصر ماماش وكامل الداودي ومحمد كروش ورشيد رمدا ولطفي رايسي وزكريا الموسوي وياسر السري، ثمة عشرات آخرون من زملاء هؤلاء وأصحابهم و"إخوانهم". وبعضهم أوقف، وما زال بعضهم الآخر طليقاً ومتخفياً هارباً. وفي ضوء تدمير البرجين التوأمين، والتحريات عن التسعة عشر انتحارياً الذين تولوا خطف الطائرات الأربع وما أفضت اليه من وصف "منهاج عمل" وطريقة، في هذا الضوء انتبهت الأجهزة الأمنية والقضائية في بعض الدول الأوروبية والولايات الاميركية الى ان حوادث سابقة - يعود بعضها الى أشهر قليلة، وبعضها الآخر الى ستة أعوام - إنما تمتُّ بعلاقة قوية الى "مسارح" الاسلاميين في أفغانستان والجزائر والبوسنة وبلاد الشيشان، والى مصر على قدر أقل. ويكاد الفلسطينيون يغيبون عن هذه المسارح.
مصادر جديدة
ومعظم من كانوا أوقفوا واعتقلوا وقضى فيهم القضاء بحكمه، ومن أوقفوا في الأسابيع الثمانية الأخيرة، نشأوا وشبوا في المهاجر الأوروبية، وبلغوا العقد الثالث من العمر وهم يدرسون ويعملون في مدن غرب اوروبا وشمالها ويتنقلون بينها. ولاحظ مراقبون ودارسون سمات مشتركة بين هؤلاء الذين ائتلف منهم مادة "القاعدة" أو "الجبهة العالمية" وأعمالها وطريقتها. فالناشطون الذين تتوسل بهم المنظمات "الأفغانية" الى اغراضها - منذ عقد التسعينات وغداة انفراط المعسكر السوفياتي، وانفجار بعض دول البلقان ومجتمعاتها وهزيمة الجيش العراقي والحرب الأهلية الجزائرية وترجح المفاوضات والعلاقات العربية والإسرائيلية بين مد وجزر - ليسوا كلهم في المرتبة الأولى من الفتيان المتحدرين من ضواحي المدن الأوروبية المضطربة، على ما كانت الحال حتى منتصف العقد العاشر.
فإلى هذه البيئات، وهي لا تنفك مصدراً من مصادر "المجاهدين"، ينتخب فريق "الآباء" "أبو حفص" و"أبو جعفر" و"أبو قتادة"... المبثوثين في مساجد المهاجرين وأحيائهم وحاراتهم، في المدن الكبيرة والصغيرة، ينتخبون شباناً أقل فتوة وأنضج سناً، وأتمّ بعضهم دراسة تقنية أو علمية وجامعية متقدمة. ويذهب احد قضاة التحقيق الفرنسيين في قضايا إرهابية الى تقديم "الآباء" أو "الأمراء" اصحاب التحصيل العلمي والتقني على الخامات الفتية المستميتة، فهؤلاء، الفتيان المستميتون، لا تتخطى مؤهلاتهم الذهنية والاجتماعية الشخصية رباطة الجأش، القوة على التستر وقتاً طويلاً، الكتمان القدرة على الاغتيال أو الخطف أو ركن السيارات المفخخة. ولكنهم غير مؤهلين للكمون والإعداد الصبور والمتريث لعمليات يستدعي إنضاج شروطها اعواماً قد لا تقل عن الأربعة أو الخمسة.
ويصف البلجيكيان مونيك رانديرز وآلان غرينيار الإسلاميين على النمط الأفغاني، وذلك في مرآة أربع قضايا جزائية كبيرة قاضت فيها العدالة البلجيكية جماعتين تربطهما بالجزائر روابط قوية، بالتنقل الدائم بين بؤر اوروبية متفرقة وهو سبب في استمالتهم اصحاب الإلكترونيات والمعلوماتية، والتستر على الهويات وتغييرها بين الإقامة والإقامة وهذا السبب في طلب تزوير الوثائق المختلفة وفي العثور على مثل هذه الوثائق في مخابئ هذه الجماعات. ويسعى أفراد الجماعات "الأفغانية"، المتحدرة من "الإخوان" المصريين وانشقاقاتهم الكثيرة ومن الجماعات الجزائرية المتقاتلة وبعض الحركات المشرقية التي امتحنتها الخمينية في صيغتها الحزب اللهية، يسعون في الكفاية الذاتية المالية. فيلجأون الى الجباية الطوعية، ويسرقون، ويفرضون "الخوّات"، ويتاجرون بالمهربات. وإذا اعتقلوا، وهم يعتقلون على الأغلب في جنح فرعية مثل التزوير أو السرقة وقلما يؤخذون في أمور "سياسية"، استعملوا اعتقالهم في استمالة انصار جدد.
فالسجن، شأن المسجد والمصلى و"النادي"، هو وسيلتهم الى مخالطة "محرومي" جماعات المهاجرين وأولادهم المولودين في المهاجر الغربية، و"مستضعفي" هذه الجماعات. ودأبهم إنشاء رابطة بين احوال المحرومين والمستضعفين الشبان والفتيان في المهاجر، وبين احوال اخوانهم في المعتقد والإيمان، في بلدانهم الأصلية أو بلدان آبائهم. ولعل العنف هو الرابطة الأظهر والأقوى. فمن طريق العنف الجانح أو الجرمي، وبواسطته، ينقلب سجناء السجون "الغربية"، والشبان المضطربون في هامش الحياة المختلطة والعامة، الى "مناضلين" مظلومين لا جريرة لهم غير القيام على الظلم الذي يوقعه عليهم "الكفار"، والمتحاملون على الإسلام، ومصاصو دماء اهله وخيرات بلاده وداره.
وأصحاب "التكفير والهجرة" - و"الجماعة" و"الجهاد" المصريان من فروعها شأن جماعة "الدعوة والجهاد" الجزائرية - جعلوا من مخالطة الجانحين في السجون وفي احياء الضواحي طريقة ومذهباً. فهم يتقربون من اهالي الفتيان والشبان بالتنديد بتبعة المجتمعات الغربية القاسية عن إخفاق ابنائهم وأولادهم في الدراسة والعمل، وبتبعتها عن "التحلل" الخلقي وما ينجم عنه، على زعمهم، من إباحة جنسية وإدمان مخدرات وعدوى أمراض مميتة. ومن وجه آخر، يتولون تقديم الأعذار والتأويلات المُطَمْئنة لجيل الأبناء والأولاد الجانحين منهم وبعض من امكنهم سعيهم، وأمكنتهم ظروف مؤاتية، من الخروج من الجنوح والإخفاق. فيصيب الدعاة "الأفغان" جماعات المهاجرين على اختلافها: الأهل وأولادهم المتخبطين والمفلحين على حد قريب. وهم يسعون سعياً حثيثاً في الإيقاع بين المهاجرين وبين مَهاجرهم والمجتمعات المضيفة، وفي توسيع الفجوة المتأتية من الغربة والوفادة والاختلاف وضعف الاندماج.
ومن اليسير تتبع معالم هذه الطريقة في سِيَر بعض من اعتقلتهم او تعقبتهم اجهزة الأمن، وحقق القضاء في أفعالهم، في الأسابيع الأخيرة، وفي سير بعض من نظرت المحاكم في قضاياهم قبل ايلول من هذا العام.
بين المسجد والمعسكر
وإذا كان زكريا الموسوي وكامل الداودي مثالين مختلفين على فئة من "المجاهدين" الجدد يجمع أفرادها بين الدراسة والعمل العاديين والناجحين وبين رفض الاندماج في الحياة العامة المحلية، فثمة عشرات آخرون في ألمانيا واسبانيا وفرنسا من فئة تقليدية يغلب التهميش الاجتماعي على افرادها. ومن هؤلاء رضوان حمادي 31 عاماً اليوم وستيفان آية عدِّير 26 عاماً. وهؤلاء المهمّشون لم يتمّوا تعليماً، ولم يزاولوا عملاً دائماً، ولم ينشأوا في عائلات متماسكة. ومعظمهم أقام في أحياء سكن متصدّعة أو أُجلوا عن مساكنهم.
وبلغ عدد الفتيان والشبان الذين سافروا الى معقل "الجهاد" بأفغانستان من حي لاكورنوف الباريسي وحده، بين 1992 و1993، أربعة عشر. وعلى رغم ان رجال المباحث الفرنسيين يرجحون ان معسكرات التدريب التي تردد اليها الفتيان والشبان هؤلاء تقع في حياة آباد، وهي منطقة باشتونية في باكستان ويتولاها رجال حكمتيار، فمثال التجنيد والتعبئة والإعداد والتمويل والتنسيق الذي اتبعه عبدالإله المغربي هو نفسه مثال بن لادن وخلاياه. ويقع المحققون على تقسيم العمل الذي وصفه القرار الاتهامي في حق "جماعة ابو عائشة" الطرابلسي اللبناني: فيندب واحد الى العقيدة، وآخر الى التدريب، وثالث الى شراء السلاح، ورابع الى الاتصال ... وعلى هذا النحو نظم جمال البقال جماعته، ومحمد بن صخرية جماعته بإسبانيا وكريستوف كاز "عصابة روبيكس" وقتيلها مع ثلاثة آخرين معه، ومحمد كروش جماعته...
وعلى نحو واحد يختار "الأمراء" والمرشدون مريديهم وقادتهم و"مجاهديهم" ويعدّونهم للأمر الجلل الذي يعدونهم له، وهو الموت طوعاً في سبيل الاسلام وعزته ونصرته، على قول نعيم قاسم مساعد امين عام "حزب الله" اللبناني متفادياً الجواب الصريح عن وصف اصحاب 11 ايلول الاميركي. فما يتشارك فيه "المجاهدون" الى اي من الفئتين انتسبوا، هو اختبارهم انقطاعاً في مسيرهم الدراسي والمهني والشخصي يبعدهم، وهم في العشرين او قبلها بقليل او بعدها بقليل، من مجرى يفضي الى اندماجهم في مجتمع المهجر الأوروبي. فكأن لسان حالهم إذ ذاك هو ما كتبه أحد الشبان الجزائريين الستة، من "جمعية الدعوة والجهاد"، الذين أوقفتهم المباحث الإسبانية، في يومياته: "كل هذا خواء في خواء، وحياتي كلها تبعث على الكراهية. وبمشيئة الله تعالى سأمضي قدماً، كان الله بعوني". ففي مبتدأ "الانحراف"، او "الانقطاع" و"الانزلاق" ما سمته والدة زكريا الموسوي "الإصابة بكراهية النفس". فيعالج متطوعون الداء ب"الجهاد الأفغاني"، ويتوسعون في معناه، ويدخلون تحت هذا المعنى ضروب العنف كلها، تلك التي تقود الى مركز التجارة العالمي او البنتاغون او السفارات الأميركية، وتلك التي تؤدي الى قتل شرطي او سائق سيارة صادف مروره او صاحب محطة محروقات...
* مدرّس علوم اجتماعية في الجامعة اللبنانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.