في مناسبة فوز الزمالك على الاهلي في الدوري المصري لكرة القدم، استضاف البرنامج الناجح جداً "القاهرة اليوم" الذي يقدمه الزميلان عمرو اديب ونيرفانا ادريس على القناة الثالثة من شبكة "اوربت" الفضائية ويشاركهما فيه الفنان حسين الامام بتقديم فترة طبخ ولا "اطعم"، الدكتور كمال درويش رئيس نادي الزمالك والناقد الرياضي المعروف الدكتور علاء صادق ومعهما التوأم حسام وابراهيم حسن وفاكهة الكرة المصرية حازم امام. ودخل الجميع في نقاش ساخن حول كل امور اللعبة الشعبية الاولى في مصر والعالم، لكن "الطباخ" المتميز تطرق الى موضوع حيوي جداً حين تساءل عن الفوارق بين الاحتراف في مصر وخارجها... ولماذا تراجعت اللعبة في بلاده في الآونة الاخيرة على رغم تطبيق هذا الاحتراف... وليسمح لي ان اضيف سؤالاً آخر: وماذا بعد مضي اكثر من عشر سنوات من تطبيق الاحتراف في ميادين كرة القدم المصرية؟ الجواب: تقهقر كامل وعلى مختلف الصعد! اذا كان الاحتراف في اوروبا يعني الالتزام ودقة التنظيم وبطولة دوري مبرمجة بالدقيقة والثانية، وتتخللها معسكرات اعدادية للمنتخب لا تطول اكثر من ثلاثة ايام بما في ذلك المباريات التجريبية والرسمية، فإن الاحتراف في مصر كان "بدعة" ولا يزال... وهو ما لم تستغرق دراسته سوى بضعة ايام عندما تم التفكير في تطبيقه، والمصيبة ان احداً لم يعمل على تطويره منذ اطلاق سراحه مطلع التسعينات! والنتيجة ان الاندية الكبيرة انفقت اموالها، وتساوى الجميع في حال "الطفر". وما زاد في الطين بلة طوال السنوات العشر الماضية ان برنامج مباريات الدوري بقى الغازاً وأن كل مدرب حل على المنتخب، خصوصاً الكابتن محمود الجوهري الشهير بلقب "الديكتاكورة"، اصر على المعسكرات التدريبية طويلة الامد... وكأن لاعبيه لا يتدربون في انديتهم، أو لا يوجد من يحسن تدريبهم فيها، او ان الإعداد للقاء منتخبات من عجينة تشاد ومالاوي وأثيوبيا يحتاج الى معسكرات وفترات تدريبية وكأنه يستعد لنهائيات كأس العالم. والنتيجة أن عزف الجمهور عن ارتياد الملاعب وراح اللاعبون جميعهم يلعبون اسبوعاً ويرتاحون اسابيع، وصاروا مرغمين على ان يبدأوا اي مباراة بعد كل توقف من نقطة الصفر، فضلاً عن ذبح الابداع لدى غالبية اللاعبين الذين يأملون بالوصول الى اعلى ما يتمنى المرء وهو في هذه الحال تمثيل منتخب بلاده... والسبب معروف، وهو اصرار كل مدرب على اختيار العناصر ذاتها في كل مناسبة ولسنوات كثيرة. فلماذا يجهد الجدد انفسهم طالما ان لا مكان لهم في المنتخب وأنهم سيتوقفون عن اللعب فترات اطول مما يلعبون؟ علا الصراخ لأن الأندية صارت من دون ايرادات واللاعبين غير الدوليين من دون رواتب او مكافآت والوجوه الشابة الصاعدة الواعدة من دون فرصة! وحتى احتراف المصريين في الخارج لم يكن على قدر الطموحات، وكُتب الفشل لغالبية اللاعبين، الذين انخرطوا فيه خصوصاً في اوروبا، باستثناء لاعبين او ثلاثة، لأنهم لم يدركوا مفهوم الاحتراف الحقيقي ومتطلباته واعتقدوا ان اهم عناصره هو المبلغ المالي الذي سيحصلون عليه، فكانت الطامة الكبرى عندما اجلس بعض الاندية لاعبيه المصريين على مقاعد البدلاء سنوات، ورفض البعض الآخر تجديد عقودهم نهائياً. والمحصلة ان ابتعادهم اضعف المسابقات المحلية على اعتبار انهم الأبرز، وهبط مستواهم الفني لأنهم لا يشاركون اساساً مع فرقهم الخارجية. لقد كانت متابعة مباريات الدوري المصري قديماً متعة في ارجاء الوطن العربي لا في مصر وحدها، ثم اختفت المتعة لعدم وجود مباريات اصلاً. ووضح للجميع ان المنتخب في مونديال ايطاليا 1990، وكأس الامم الافريقية عام 1998 في بوركينا فاسو لم يكن اكثر من سحابة صيف... إالا كيف نفسر ما آلت اليه الكرة المصرية بعدهما وفي ما بينهما؟ الاحتراف لا يمكن ان يكون له مردود ايجابي اذا لم يجد المناخ المناسب ليترعرع فيه وينمو، وأهم عناصر هذا المناخ الاهتمام قبل اي شيء آخر بالمسابقات المحلية، لأنها الاساس في كل شيء... والمنتخب ليس سوى فرع من فروعها المتعددة. لقد خيمت اجواء من التفاؤل على محبي الكرة المصرية مطلع الموسم الجاري عندما اعلن اتحاد الكرة انه سيكون هناك جدول لمباريات الدوري يحترم كل الارتباطات، وانه لا مجال لتأجيل اي مباراة مهما كانت الظروف. لكن ما حصل ان الاهلي مثلاً له مباراتان مؤجلتان ووافق الاتحاد له اخيراً على تأجيل مباراتين أخريين كي يتفرغ تماماً لمهمته "القومية" في دوري ابطال افريقيا، وكأن الاندية الاوروبية لا تشارك مثلاً في مثل هذه المهمات! عشوائية الاحتراف المصري كانت سمته الاساسية منذ انطلاقته في بداية التسعينات، وإذا لم يعمل المسؤولون على الرياضة في مصر على توفير المناخ المطلوب له كي يساهم في اصلاح الكرة المصرية... سنظل ومعنا الامام وأديب وصادق ومئات الآلاف من محبي الكرة المصرية نكرر التساؤلات ذاتها حتى بعد عشر سنوات اخرى مقبلة!