يحتل المدير الفني لمنتخب كرة القدم المصري محمود الجوهري مكانة مميزة بين افضل المدربين العرب على مر العصور، وجاء اختياره حديثاً بين احسن 21 مدرباً في العالم لعام 98 تأكيداً جديداً على كفاءته. هو المدرب الوحيد الذي حقق كل كؤوس المسابقات الافريقية. فاز لاعباً بكأس امم افريقيا عام 59 ونال لقب هدافها، وعاد بعد 39 عاماً ليفوز بالكأس ذاتها كمدير فني للمنتخب في بوركينا فاسو، واصبح الافريقي الوحيد الذي ينال الكأس لاعباً ومدرباً... ونال كمدرب كأس ابطال اندية افريقيا عام 82 وكأس الكؤوس عام 84 مع الاهلي، وكأس الابطال والكأس السوبر عامي 93 و94 مع الزمالك... وقاد منتخب مصر في مونديال 90. كل هذا التاريخ الناصع لا يشفع للجوهري عند جماهير كرة القدم المصرية لا سيما انصار الاهلي الذين يرونه خصماً دائما لفريقهم. والغريب ان انصار الزمالك تحولوا ايضاً ضده في الفترة الاخيرة معتبرين انه يظلم لاعبيهم في تشكيلاته لمنتخب مصر ويختار عدداً اكبر من لاعبي الاهلي. وانصار الاندية الاخرى تنظر له بغضب لأنه اغفل معظم لاعبيها وركز على نجوم الاهلي والزمالك. "الحياة" حاورت الجوهري في حوار صريح من جانبها وحريص من جانبه: الجوهري لغز الكرة المصرية الاول! هل تشعر ان انصار الاهلي لا يحبونك؟ - بالعكس ... الاغلبية الضخمة من جمهور الاهلي تحبني جداً... الكبار منهم يتذكرونني لاعباً مخلصاً حقق بطولات كثيرة، والجيل الوسط يتذكرني مدرباً حقق كأس افريقيا للمرة الاولى وقدم للنادي عدداً كبيراً من اللاعبين. والجيل الجديد يتابعني مع منتخب مصر ويشكل نسبة عالية من الجماهير التي تذهب الى الملعب وتهتف للاعبين ولي. ماذا عن جماهير الزمالك؟ - تقف معي دائماً... الكثيرون منهم يطالبونني بالعودة الى فريقهم لاعادة البطولات اليه بعد الفترة الناجحة التي امضيتها معه. وجماهير الاندية الاخرى غاضبة لعدم ضم النجوم امثال محمد ابو جريشة من الاسماعيلي واحمد ساري من الاتحاد وابراهيم المصري من بورسعيد؟ - رصيدي الاكبر من الحب موجود بين جماهير الكرة خارج القاهرة، وألمسه بنفسي عند دخول ملاعب الاسكندرية والمحلة وبورسعيد والاسماعيلية. لكن انضمام اللاعبين الى المنتخب تحكمه قواعد فنية وبدنية وخبرات ولا يرتبط بشعبية اللاعب ومكانته في ناديه. حرصت دائماً على اكتشاف نجوم الاندية وضمهم الى المنتخب، ولم يكن عبد الظاهر السقا نجماً في المنصورة ولم يكن احمد حسن مشهوراً في الاسماعيلية ولا عبد الستار صبري في المقاولين العرب وتألقوا جميعاً مع المنتخب واصبحوا نجوماً واحترف حسن وصبري. لهذا افضّل المعسكرات الطويلة اكبر الاتهامات للجوهري انه يحرص على اقامة المعسكرات الطويلة للمنتخب على حساب انتظام الدوري المحلي ما يفسد المسابقة؟ - اولاً لست مسؤولاً عن وضع برنامج الدوري، وهو من اختصاص لجنة المسابقات، لكنني مسؤول عن برامج اعداد المنتخب وفقاً لارتباطاته الدولية. المشكلة الرئيسية في مصر ان مستوى مسابقة الدوري ليس عالياً بسبب تباين المستوى بين الفرق، الامر الذي يؤثر سلباً على لياقة اللاعبين البدنية والفنية، ولا يوجد امامي بديل سوى جمع اللاعبين لفترات طويلة قبل المسابقات الرسمية لاستعادة تلك اللياقة المفقودة. لكنك قررت وقف الدوري قبل كأس القارات قبل تأجيلها لمدة خمسين يوماً رغم وجود 3 لاعبين فقط من اندية الدوري أساسيين في تشكيلة المنتخب في مقابل 8 محترفين من اندية اوروبا. - لا يمكن لأحد الادعاء ان تشكيلة منتخب مصر تضم 8 محترفين و3 محليين باستمرار، لكنها تعتمد دائماً على أحسن اللاعبين الجاهزين في وقت المباراة. واذا وضعت في اعتباري وجود المحترفين الثمانية باستمرار من دون تجهيز الآخرين سيكون الامر وبالاً على المنتخب عند غياب محترف أو اكثر. السبب الرئيسي في طلبي لفترة توقف طويلة لتجهيز المنتخب هو محاولة طبع الاسلوب الذي ألعب به، وهو يختلف كثيراً عن اسلوب الاندية، هناك أكثر من اساسي يلعب في المنتخب والنادي في مركزين مختلفين، ولكل مدرب رؤيته واسلوبه. اصبح دخول اللاعبين الى المنتخب وخروجهم منه امراً أشبه بباب المدرسة الابتدائية. الداخلون كثيرون والخارجون اكثر ما يعني عدم استقرار؟ - نحن في مرحلة تجارب قبل كأس القارات، ولدينا عدد من اللاعبين الاساسيين الذين يمثلون عموداً فقرياً للمنتخب، لكننا نبحث عن احسن العناصر والباب مفتوح دائماً أمام جميع اللاعبين للدخول ثم الخروج وسيظل الوضع كذلك حتى نهاية الموسم الحالي، وفي نهايته سيكون القرار النهائي باختيار 22 لاعباً لتمثيل مصر في كأس القارات، ووجود 15 لاعباً في الهيكل الاساسي لا يحول دون استبعاد أي منهم لو تدنى مستواه. لم يبق الا اتهامي بهبوط اسوان! اكدت رغبتك في اعتزال التدريب بعد كأس القارات، ما يعني انسحابك من الدفاع عن لقبك في كأس الامم الافريقية المقبلة. هل هذا صحيح؟ - بالفعل. كنت راغباً في الانسحاب من تدريب المنتخب في كانون الثاني يناير المقبل بعد كأس القارات التي تأجلت ولم يدفعني الى تلك الرغبة سوى الجو الخانق في الاعلام المصري الذي يكيل لي الاتهامات بشكل دائم. ولم يبق الا اتهامي بهبوط اسوان او اهدار حسام حسن لفرصة في الدوري. حققت مع منتخب مصر الكثير لكن طموحي لم ينته، واتمنى الفوز بكأس القارات والاحتفاظ بكأس الامم الافريقية عام 2000 والوصول الى نهائيات كأس العالم عام 2002 واحراز مركز متقدم فيها... لكن تلك الطموحات يجب ان يواكبها دعم كامل من كل الجهات وعلى رأسها الاعلام. وهل تحصل على دعم من الجهات الاخرى؟ - بصراحة، دعم الدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء ورئيس المجلس الاعلى للشباب والرياضة كامل، ونحظى بتشجيع هائل من الرئيس حسني مبارك واللاعبين والجمهور الرائع. ولكن العناصر الاخرى لا تسير على المستوى ذاته. إذن... لم يبق الا اتحاد الكرة والاعلام؟ - الاتحاد يؤيدني غالباً لكن ليس بشكل جماعي، وعندما ابديت رغبتي في الانسحاب خرج بعضهم بتصريحات للصحف عن تجهيز البديل، لكن رئيس الاتحاد سمير زاهر وقف بقوة مؤيداً استمراري ودعمي. يتهمك الاعلام انك السبب في خسارة مصر لكأس العرب بالهروب بفريقك الى مباريات ودية ضد ساحل العاج واستونيا ومقدونيا والدفع بالمنتخب الاولمبي مكانه؟ - كنت متحمساً للمشاركة في كأس العرب باعتبارها محكاً قوياً قبل كأس القارات وطلبت من اتحاد الكرة السعي لدى الاتحاد العربي لتأجيلها الى نهاية عام 98 ليكون الفريق جاهزاً. ولكن الاتحاد العربي تمسك بموعدها غير المناسب للمنتخب المصري الذي يعتمد اساساً على مجموعة من المحترفين في اوروبا. وكان استقدامهم لمباريات كأس العرب مستحيلاً والمشاركة من دونهم تعرض سمعة الفريق للاهتزاز. بعض قراراتك تبدو غريبة. وعلى سبيل المثال الشقيقان حسام وابراهيم حسن نجمان في الاهلي، لكنك تضم حسام وتتجاهل ابراهيم . لماذا؟ - لا خلاف على ان ابراهيم حسن احد النجوم الكبار في السنوات العشر الاخيرة، وادى واجبه تماماً مع المنتخب، لكن المرحلة الحالية تعتمد على التجديد ووجدنا في ياسر رضوان المحترف في هانزا روستوك الالماني بديلاً ممتازا لابراهيم، والتفكير في المستقبل هو الذي يدفعني الى عدم الاعتماد على ابراهيم... اما حسام فهو الهداف الاول للاهلي ومصر وافريقيا ولا يمكن لأي مدرب عاقل الاستغناء عنه تحت أي ظرف، واذا ظهر في مصر مهاجم على مستوى مماثل لحسام فنياً وبدنياً ستكون الاولوية للأصغر سناً... كلكم تذكرون الهجوم الذي تعرض له حسام قبل السفر الى بوركينا فاسو، ووصل الامر الى اتهامي بمجاملته على حساب مصر، وانتهى بخضوع الجميع امام حقيقة واحدة وهي ان حسام هو الافضل وبفارق شاسع. متى تعتزل التدريب... ومن هو خليفتك في المنتخب؟ - اتمنى ألا اعتزل التدريب حتى آخر يوم في حياتي... انه عشقي وحياتي وكل شيء... اعيش حياتي كمدرب حتى أثناء النوم. وما اكثر المرات التي اقوم فيها من نومي لأسجل ملاحظة أو فكرة... لكن مسألة اعتزال التدريب واردة وترتبط بحالتي الصحية وقدراتي البدنية والظروف المحلية ولا يمكنني اختيار خليفة لي في المنتخب لأنها مسؤولية اتحاد كرة القدم. مصر عامرة بالمدربين الوطنيين الممتازين الذين اثبتوا كفاءتهم ويحتاجون فقط للفرصة الكاملة لاثبات الوجود، والفارق بين المدرب الوطني والاجنبي هو الولاء للبلد وللمنتخب والتفكير في المستقبل. مشوار ناصع بدأ محمود الجوهري كرة القدم ناشئاً في ملاعب النادي الاهلي في منتصف الخمسينات، ولعب سريعاً في الفريق الاول وسط العمالقة صالح سليم والضظوي والفناجيلي وعادل هيكل والشربيني وطه اسماعيل، وحقق مع الاهلي نجاحاً ضخماً ففاز ببطولات الدوري والكأس مرات عدة. وشارك المنتخب المصري الفوز بكأس الامم الافريقية الثانية 1959 في القاهرة ونال لقب هدافها برصيد 4 اهداف واجبرته الاصابة العنيفة في الركبة على اجراء اكثر من جراحة في اوروبا لكنه لم يشف تماماً فأعلن اعتزاله مبكرا وفقدت الملاعب المصرية اسرع اللاعبين واشهرهم في التسديدات القوية على المرمى. تخرج من الكلية الحربية وعمل ضابطاً في القوات المسلحة واشتغل في التدريب طويلاً في النادي الاهلي واسندت له الادارة مهمة تكوين فريق جديد يحمل اسم "امل الاهلي" فتمكن من تفريخ اكثر من ناشئ موهوب لصفوف الفريق الاول قبل ان يسافر الى جدة للعمل مساعداً للالماني ديتر كرامر في نادي الاتحاد، وهناك تعلم كل شيء عن فنون وخطط كرة القدم على يدي كرامر احد خبراء التدريب المعدودين في العالم. عاد الى القاهرة صيف 1982 ليبدأ مشواراً ناصعاً... عمل مديراً فنياً لفريق الاهلي الذهبي الذي ضم الخطيب ومصطفى عبده ومصطفى يونس واكرامي وثابت البطل وابو زيد، وقاده بعد شهور قليلة الى احراز كأس اندية افريقيا الابطال للمرة الاولى في تاريخه، وتمكن من احراز كل بطولات الدوري والكأس المحلية وكأس الكؤوس الافريقية. وحقق انجازاً خارقاً في صيف 1985 عندما قاد مجموعة من شباب الاهلي دون 19 عاماً - في غياب كل لاعبي الفريق الاول سواء للايقاف او للانضمام لمنتخب مصر - للفوز على الزمالك 3-2 في ربع نهائي كأس مصر. وبعد خلاف حاد مع صالح سليم رئيس الاهلي، سافر الجوهري في سلسلة جولات خليجية درب خلالها في الامارات وسلطنة عمان وعاد الى مصر عام 1988 لتولي مهمة تدريب منتخب مصر، وقاده الى نهائيات كأس العالم 1990واكتمل الانجاز بالفوز بكأس العرب عام 1992. تولى الجوهري تدريب المنتخب المصري 4 مرات مختلفة وقاد منتخب عمان في تصفيات مونديال 98 لكنه فاجأ الجميع عندما قبل تدريب الزمالك في ايلول سبتمبر 1994 وهو الاهلاوي قلباً وقالباً. لم يكتف بهذه المفاجأة بل انزل بفريقه السابق الاهلي هزيمتين في ثلاثة شهور في الدوري المحلي والكأس السوبر الافريقية، وقاد الزمالك الى الفوز بكأس الاندية الافريقية الابطال والسوبر. والغريب ان الزمالك لم يفز على الاهلي مطلقًا على مدار خمس سنوات بعد هذين الفوزين. الفصل الاخير للجوهري مع منتخب مصر كان عجيبا لأنه تولى المهمة وهو يعمل مديراً فنياً لمنتخب عمان. ووافق اتحاد الكرة العماني على الاستغناء عنه قبل انقضاء عقده فعاد الى مصر ولم يوفق في تصفيات مونديال 1998 ولكنه اعاد البسة الى شفاه المصريين واحرز لبلاده كأس الامم الافريقية 1998 في بوركينا فاسو. وتبقى الاوسمة الثلاثة التي نالها محمود الجوهري من الرئيس المصري حسني مبارك كأجمل ذكرى في تاريخه الناصع مع كرة القدم.