اصبحت الملابس ظاهرة ثقافية تحدد هوية الانسان جغرافياً وتاريخياً، كما اصبحت عالمية الازياء هي العرف السائد. وازدادت في السنوات الاخيرة نزعة اتباع الموضة الاوروبية في اكثر مناطق العالم، وازدادت معها ظاهرة عارضات الازياء اللواتي تحول قسم كبير منهن الى نجمات تلاحقهن عدسات المصورين في اي مكان يذهبن اليه، كما اصبح العاملون في هذا المضمار مادة شهية للصحافة المقروءة والمسموعة والمرئية، الامر الذي جعل الجميع يظن انهن يعشن حياة مملوءة بالأضواء والشهرة والأموال. الا ان القليل من الناس يعرف ما يدور من قصص ومآس غريبة ومعاناة وأمراض خلف كواليس عارضات الازياء. فبعد ان تعرضت بعض عارضات الازياء في الآونة الاخيرة الى اعتداءات جنسية، وعمليات ابتزاز، وتسخير لممارسة البغاء في عدد من دور الازياء الكبيرة في مدن مثل ميلانو وروما وبريشا وتورينو، خرج مسلسل الفضائح هذه المرة الى واجهة الصحف والمجلات الايطالية بعد سنوات طويلة بعيداً من انظار واسماع الناس، وفجرته حادثة اعتداء جنسي تعرضت لها فتاة سلوفينية لم تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها، اجبرت على تعاطي المخدرات خلال متابعتها مهنة عرض الازياء في اقبية واحد من اكبر دور عرض الازياء العالمية وأشهرها وهو دار جورجيو ارماني في مدينة ميلانو. وكشفت لجان التحقيق الايطالية عن وجود عدد كبير من القاصرات من دول الاتحاد السوفياتي السابق، لا يحملن تراخيص بالاقامة او العمل على الاراضي الايطالية، تسخر المئات منهن في اعمال تخص عالم الموضة، والبغاء، والخدمات الاخرى الخاصة، وهو ما يتعارض مع القوانين الايطالية التي تحظر تشغيل القاصرين. ومثل امام القضاء عدد من المديرين المسؤولين عن عمليات التشغيل السري ليدلوا باعترافات اذهلت الرأي العام الايطالي وتتعلق بعمليات المتاجرة بالجنس البشري اشبه ما تكون بتجارة الرقيق الابيض، اذ تختار وكالات وهمية في بلدان اوروبا الشرقية الفتيات القاصرات، فتيات صغيرات يتمتعن بالمقاييس المطلوبة وتعد كل منهن بتدريسها في مدارس متخصصة للتأهيل الكامل لتصبح عارضة ازياء محترفة. وقبل موعد التسفير المتفق عليه بين العصابات الايطالية والروسية والالبانية والتركية تُوصى الفتيات الصغيرات اللواتي يحلمن بالمال والشهرة والجمال بضرورة توافر الثقة العالية بالنفس مهما كانت الظروف صعبة لأن دائرة الاضواء والشهرة هي الهدف الاسمى والاكبر. ويسفرن تحت اسماء وجوازات سفر مزورة بحجة السياحة، او طلبات للخدمة في البيوت الايطالية، او دراسة اللغة الايطالية في جامعة بيروجا الشهيرة بعد الحصول على الوثائق المطلوبة من خلال دفع الرشاوى، وحال وصولهن الى ايطاليا يعمل شركاؤهن من عصابات المافيا الايطالية على اخفائهن لتسهيل عملية بقائهن في البلاد بعد تغيير اسمائهن وألوان شعرهن واجراء عمليات تجميل مختلفة لاخفاء شخصياتهن الحقيقية بحجة ضرورات العمل. وكشفت التحقيقات أن هناك الكثير من دور الازياء متورطة في شبكات دعارة ومخدرات ولها علاقات بعصابات المافيا الالبانية والايطالية التي تنظم عمليات ترحيل الفتيات القاصرات الى مدن الشمال الايطالي بعد تقديم الوعود لهن بممارسة اعمال الموضة المربحة، الا انهن يجدن انفسهن على قارعة الطريق لممارسة البغاء، او القيام بأعمال تتعلق بتجارة المخدرات والسجائر، او خدمات اخرى متعددة كتصوير افلام الفيديو العارية التي تديرها عصابات المافيا. شقق مفروشة ويُستقبل معظم الفتيات القاصرات في شقق مفروشة توفرها بعض الوكالات المشبوهة، وسرعان ما تجد الفتاة نفسها مدعوة الى حضور حفلات التعرف على رجال الموضة، فيقدم لها الشراب والمخدرات الخفيفة المنشطة في بداية الامر، وسرعان ما تجد نفسها برفقة شباب آخرين وفي نواد ليلية اخرى بحجة التحضير الجسدي والمعنوي اللازمين للنجاح على اعلى المستويات لتغتصب، كما ان القادمة الجديدة يجب ان تمر بنظام صارم يشمل نظام الغذاء والآداب العامة، وتكون مجبرة على مرافقة الآخرين الى شققهم، باعتبار ذلك جزءاً من حسن الأداء والسلوك العام، بل والموهبة المتميزة التي تتماشى مع المعايير الجمالية والاخلاقية التي تلقى الاستحسان من قبل الجميع، وتُجرى جراحات تجميل سريعة لبعضهن كتكبير الصدر للتنافس مع الاوروبيات او جراحة في الوجه لتمتلك غمازتين، او اقتلاع اسنانهن واستبدالها بطاقم اسنان ناصع اكثر جمالاً. وتدور الايام على هذا المنوال لتجد الفتيات القاصرات انفسهن تحولن شيئاً فشيئاً الى عاهرات على رغمهن، ولا تربطهن بالعالم الذي حلمن به اية رابطة سوى ان المدينة الموعودة التي تزدحم بدور الازياء هي نفسها، الا انهن يقفن على الرصيف الآخر ويسمح لهن الظهور في الليل فقط وتحت حراسة عصابات الاجرام المنظم ورقابتها التي تدير شبكات الدعارة. ومع ان صناع الموضة ومصممي الازياء يدعون بأنهم يفضلون عارضات نحيفات للغاية ويعتبرون ذلك مثال الجمال والأناقة، وانهم يتبعون نظام التخسيس للفتيات في مراحل مبكرة من العمر قد يقضي في احيان كثيرة على حيوية الاخصاب لديهن، الا انه كشف في الآونة الاخيرة انتشار امراض خطيرة وسط الكثير من عارضات الازياء من الدرجة الثانية والثالثة وأبرزها مرض نقص المناعة المكتسبة الايدز وينتظر قسم كبير من الفتيات اللواتي ينتمين الى عائلات مرموقة الموت في اي لحظة بسبب اصابتهن بهذا المرض. عارضون مطاردون وهذا الامر يذكرنا بوكالة "بروف بوزيتيف" الاميركية لعارضي وعارضات الازياء الذين اصبحوا بين ليلة وضحاها من المطاردين من طرف المصورين لأنهم اصيبوا جميعاً بمرض الايدز، اذ ولدت هذه الوكالة عام 1994 حين اتصل احد العاملين في احد المختبرات الاميركية لصناعة الادوية بوكالة "مورغان مودلنغ" ليطلب منها عارضاً مصاباً بفيروس الايدز يستخدمه في الدعاية لمشروب مخصص لمصابين بهذا المرض، وقد نشر الاعلان وجاءت الطلبات بالعشرات وكانوا من حملة هذا المرض الخطير. وهكذا نشأت الوكالة الاميركية التي اشرنا اليها والتي اصبحت اشهر من نار على علم في مجال تحقيق الارباح. وليس غريباً ونحن نتطلع بين الحين والآخر في المجلات او برامج الموضة التلفزيونية رؤية عارضات نحيفات الى حد مبالغ، تبدو سمات المرض واضحة على وجوههن وأجسادهن الشبيهة بهياكل عظمية؟ ولا تقف الفضائح عند هذا الحد، فعارضات الازياء كما ذكرنا على درجات ومراتب، ومع ان عمر عارضة الازياء قصير نسبياً لأن معظمهن يبقين حتى الثلاثين في عملهن، الا ان ظاهرة التعصب العنصري تقف خلف الستائر المزركشة الانيقة، وخلف عدسات الكاميرات. فعارضة الازياء الاوروبية الغربية تعامل بأفضلية ملموسة عن زميلتها القادمة من اوروبا الشرقية، وهذه الافضلية تتمثل بالراتب والامتيازات والمكافآت والسفر الى الخارج، كما ان عارضة او عارض الازياء من بلدان افريقيا او آسيا لا يمكن التعاقد معها او معه بالعقد الذي تعقده الشركة المعنية مع الفرنسي او الايطالي او الانكليزي، بل بعقود خفية خصوصاً تهرباً من الضرائب، وكلنا يتذكر عارضة الازياء الصومالية ايمان اذ ذكرت في احدى مقابلاتها الصحافية أنها كانت تتعرض للتمييز العنصري، وكانت تجد صعوبة بالغة في الاندماج داخل الوسط الاجتماعي بسبب لون بشرتها، كما كانت تتقاضى اقل من نصف المبلغ الذي تتقاضاه اية عارضة ازياء اوروبية، والحال كذلك مع عارضة الازياء الشهيرة ناعومي كامبل التي تعاني التمييز العنصري، فزميلتها الالمانية كلوديا شيفر التي اعتزلت اخيراً للتفرغ للتمثيل تبلغ ثروتها اكثر من 18 مليون دولار في الوقت الذي لا تتجاوز ثروة ناعومي 3 ملايين دولار.