8 ميداليات حصيلة أخضر البلياردو والسنوكر في بطولة غرب آسيا 2025    "هيئة الأدب" تدشن جناح المملكة في معرض مسقط الدولي للكتاب 2025    الهلال يجري مرانه الأخير قبل مواجهة غوانغجو    الفيحاء يتعادل مع العروبة في دوري روشن    القبض على إثيوبي في عسير لتهريبه (28) كجم "حشيش"    ذكاء اصطناعي للكشف عن حسابات الأطفال في Instagram    أطعمة للتخسيس بلا أنظمة صارمة    بوتين: على روسيا استغلال الحرب التجارية لتعزيز الاقتصاد    هيئة تطوير محمية الملك عبدالعزيز الملكية توقع مذكرة تفاهم    الهند تطرد مواطني باكستان من أراضيها وتغلق المعابر الحدودية معها    "سعود الطبية" تسجّل قصة إنقاذ استثنائية لمريض توقف قلبه 30 دقيقة    أمانة الشرقية توقع مذكرة تفاهم مع جمعية ترابط لخدمة المرضى والمجتمع    "الربيعة" يُدشّن محطة توليد أكسجين في مستشفى الطاهر صفر بتونس    وزير الثقافة يلتقي نظيره الكوستاريكي في جدة    الصندوق الثقافي يشارك في مهرجان بكين السينمائي الدولي    هالة الشمس تتوهج في سماء عسير وترسم منظرًا بديعًا    تنمية جازان تشارك في مهرجان الحريد ال21 بجزيرة فرسان    السياحة تشدّد على منع الحجز والتسكين في مكة المكرمة لحاملي جميع التأشيرات باستثناء تأشيرة الحج ابتداءً من 1 ذي القعدة    رحلة "بنج" تمتد من الرياض وصولاً إلى الشرقية    بناءً على توجيهات ولي العهد..دعم توسعات جامعة الفيصل المستقبلية لتكون ضمن المشاريع الوطنية في الرياض    الطيران المدني تُصدر تصنيف مقدِّمي خدمات النقل الجوي والمطارات لشهر مارس الماضي    المملكة والبيئة.. من الوعي إلى الإنجاز في خدمة كوكب الأرض    مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى مجددًا    صدور موافقة خادم الحرمين على منح ميدالية الاستحقاق من الدرجة الثانية ل 102 مواطنٍ ومقيمٍ لتبرعهم بالدم 50 مرة    جامعة بيشة تدخل لأول مرة تصنيف التايمز الآسيوي 2025    ختام مسابقة القرآن الوزارية بالمسجد الحرام    1024 فعالية في مهرجان الشارقة القرائي    خارطة طموحة للاستدامة.."أرامكو": صفقات محلية وعالمية في صناعة وتسويق الطاقة    الرجيب يحتفل بزواج «إبراهيم وعبدالعزيز»    المالكي يحصد الماجستير    تكريم متقاعدي المختبر في جدة    الجدعان مؤكداً خلال "الطاولة المستديرة" بواشنطن: المملكة بيئة محفزة للمستثمرين وشراكة القطاع الخاص    ملك الأردن يصل جدة    أكدا على أهمية العمل البرلماني المشترك .. رئيس «الشورى»ونائبه يبحثان تعزيز العلاقات مع قطر وألمانيا    أعادت الإثارة إلى منافسات الجولف العالمي: أرامكو.. شراكة إستراتيجية مع فريق آستون مارتن للسباقات    جامعة الفيصل تحتفي بتخريج طلاب "الدراسات العليا"    ناقش مع الدوسري تعزيز الخطاب الإعلامي المسؤول .. أمير المدينة: مهتمون بتبني مشاريع إعلامية تنموية تبرز تطور المنطقة    فصول مبكرة من الثقافة والترفيه.. قصة راديو وتلفزيون أرامكو    النصر يستضيف بطولة المربع الذهبي لكرة السلة للرجال والسيدات    منصة توفّر خدمات الإبلاغ عن الأوقاف المجهولة والنظار المخالفين    تصفيات كرة الطاولة لغرب آسيا في ضيافة السعودية    لبنان.. الانتخابات البلدية في الجنوب والنبطية 24 مايو    الشرع: لا تهديد من أراضينا وواشنطن مطالبة برفع العقوبات    الجائزة تحمل رسالة عظيمة    وادي حنيفة.. تنمية مستدامة    إطلاق 33 كائنًا فطريًا في محمية الملك خالد    تَذكُّرُ النِّعم    لا مواقع لأئمة الحرمين والخطباء في التواصل الاجتماعي    جائزة محمد بن صالح بن سلطان تنظم ملتقى خدمات ذوي الإعاقة    منجزاتنا ضد النسيان    من يلو إلى روشن.. نيوم يكتب التاريخ    التصلب الحدبي.. فهم واحتواء    نحو فتاة واعية بدينها، معتزة بوطنها: لقاء تربوي وطني لفرع الإفتاء بجازان في مؤسسة رعاية الفتيات        أمير المنطقة الشرقية يرعى حفل تخريج الدفعة ال55 من طلاب وطالبات جامعة الملك فهد للبترول والمعادن    بعد أن يرحل الحريد.. ماذا تبقى من المهرجان؟ وماذا ينتظر فرسان؟    بخبرة وكفاءة.. أطباء دله نمار ينقذون حياة سيدة خمسينية بعد توقف مفاجئ للقلب    الأمير محمد بن ناصر يرعى انطلاق ملتقى "المواطَنة الواعية" بتعليم جازان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"احتفالية" تعيد اليه حقه وتعيده الى موقعه الريادي . صلاح عبدالصبور يختلف حوله النقاد في ذكراه العشرين
نشر في الحياة يوم 17 - 11 - 2001

لعلها المرة الأولى يستعيد فيها صلاح عبدالصبور موقعه الحقيقي في الحركة الشعرية العربية المعاصرة بعدما حلّ به الظلم طويلاً سياسياً وشعرياً، سواء في مصر أم في العالم العربي. فالاحتفالية التي أحياها المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة طوال أيام ثلاثة لم تكن مجرد احتفاء بالذكرى العشرين لغياب هذا الشاعر الرائد بل كانت مناسبة حقيقية لقراءة تجربته أو لاعادة قراءتها عبر مقاربات مختلفة بلغت في أحيان حدّ التناقض. ولم يكن الحشد النقدي العربي الذي شهدته الاحتفالية إلا دليلاً على اصرار المجلس وأمينه العام جابر عصفور على كسر "عزلة" صلاح عبدالصبور واعادته الى المرتبة التي يستحقها في الحركة الشعرية العربية المعاصرة. وهي مرتبة تحتل حيّزاً مهماً من المشهد الشعريّ الذي رسخته ثورة الشعر الحرّ وما تلاها من تحوّلات في القصيدة العربية والمفهوم الشعري العربيّ. حضر الكثير من النقاد العرب على اختلاف الأجيال والتجارب، من المشرق العربي والمغرب، وحضر كذلك بعض المستشرقين، علاوة على الشعراء الذين قرأ بعضهم شهادات وشارك بعضهم في الأمسيات الشعرية التي رافقت الندوات النقدية. على أن اللافت هو اعتذار بعض الشعراء العرب "الروّاد" من أمثال أدونيس وأنسي الحاج ومحمود درويش وسعدي يوسف... وكان حضورهم ليضيف المزيد من "الاعتراف" العربي بريادة هذا الشاعر "المجدّد حقاً" كما وصفه جابر عصفور في كلمته الافتتاحية راجع نصها. لكن محمد الفيتوري وممدوح عدوان ومحمد علي شمس الدين لبّوا الدعوة فيما تغيّبت الشاعرة الاماراتية ميسون صقر لظروف قاهرة وفاة والدتها. أمّا الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي فكان "ممثل" الشعراء المصريين في افتتاح الاحتفالية وعلى المنبر الشعري وقرأ من شعر عبدالصبور، صديقه ورفيقه، وألقى قصيدة قديمة له كان رثى بها شاعر "أحلام الفارس القديم". وكان من المتوقع أن تكون كلمة حجازي في الافتتاح أشد استعاراً وحماسة وبدا لافتاً اصراره على حصر تجربة صلاح عبدالصبور ضمن المدرسة المصرية التي أمدّت الشعر العربيّ بالتجارب المهمّة والرائدة راجع نص كلمته.
كان من البارز في احتفالية صلاح عبدالصبور الانفتاح على الأصوات الجديدة والشابة، المصرية والعربية، سواء في الندوات والشهادات أم في الأمسيات الشعرية. وشاء المجلس ان يتخطى الاحتفاء مظاهر التكريم والمديح والثناء فأتاح لبعض الأصوات الجديدة المجال لتعبّر عن رأيها النقدي السلبي أحياناً في بعض معالم التجربة التي خاضها صلاح عبدالصبور. كريم عبدالسلام وأحمد طه ووائل فاروق وجودت فخر الدين وفخري صالح وشوقي عبدالأمير قرأوا شاعر "أقول لكم" بحريّة تامة، منتقدين بعض "هناته" أو بعض الجوانب التي يرونها سلبية في تجربته. انها قراءة الجيل الجديد الذي يجد في صلاح عبدالصبور صورة الشاعر الحديث والرائد والقابل للنقاش والسجال. فصلاح عبدالصبور الذي ينتمي الى روّاد الثورة التفعيلية كان كما أشرت في شهادتي "مدركاً كل الإدراك أن من ضمن ما أضاف الى القصيدة التفعيلية "لهجة الحديث الشخصي الحميم" كما يعبّر. هذه اللهجة هي التي شرّعت القصيدة العربية الجديدة على اللاشعري سواء أكان مفردة أم عبارة أم مرجعاً... ويكفي احصاء "المعجم" اليومي واللاشعري في قصائد عبدالصبور حتى تبين بوضوح محاولة الشاعر المستميتة في كسر هالة الفصاحة والبلاغة والخطابية التي طالما هيمنت على الشعر العربي. يكفي ان يقول الشاعر جهاراً "آهٍ لو استفرغ ما في امعائي..." كي تتضح صورة "اللعنة" الشعرية كما تجلّت لدى شعراء الحداثة في العالم".
الشاعر بول شاوول ركّز في مداخلته النقدية على "موقع" عبدالصبور في الحداثة العربية وهو موقع "وان تقاطع مع ما ساد في فترة الستينات وما قبلها، تميّز بلغة خاصة ذات حجم غنائي متجدد، وذات درامية كثيفة وعميقة فتحت في قصيدته وفي مسرحه أفقاً متميزاً لا نجده عند سواه". الناقدة المغربية ثريا إقبال تناولت "مقولة الألم" في شعر عبدالصبور ورأت أن "الآمال لديه تصبح ضرباً من العبث والكون لا يروق للشاعر البته فيسعى عبثاً الى اصلاحه بالشعر والكلمة". وأضافت: "ربما يمكن القول ان قصائد عبدالصبور سجل شخصي لإنسان محزون". وتناولت الناقدة اللبنانية أمينة غصن أرسلت دراستها وتغيبت ظاهرة التناصّ في مسرحية عبدالصبور "الأميرة تنتظر" وحملت مداخلتها عنوان "بكائية المواجيد الليلية" وفي خلاصتها أن الأبطال في هذه المسرحية يميلون الى التخنّث والسلبية والعبث المجاني الذي يتهافت بإزاء "ميديا" سوفوكليس التي تقع في ما وراء البكاء والمأساة. ورأى الناقد السعودي عبدالله الغذامي أرسل مداخلته ولم يحضر أن "خطاب عبدالصبور الشعري والمسرحي كان خطاباً في كسر النسق الفحولي وتهشيمه وهو إذ يقرّ بشعرية الأب ويكبّر فحولته إلا أنّه في ضميره النصيّ كان الناقض لذلك والناسخ له. وما بين ذاكرة الاعجاب وفعل النقض يتأسس خطابه مادّاً بذلك الفتح الشعري الذي تولّد على يدي نازك الملائكة ريادة وتولاه السياب تأسيساً وتحقيقاً".
الناقد التونسي محمد لطفي اليوسفي تغيب بدوره رأى فيي مداخلته ان شعر عبدالصبور ينبني على "الكتابة بالذات وسطوة الذاكرة من تمزقات وتردد، من اندفاعات وتراجعات ولعلّ الكتابة بموجبها تصبح ذات طابع تذكّري". أما الناقد العراقي محسن جاسم الموسوي فتناول ظاهرة "توظيف التراث عند صلاح عبدالصبور" ورأى انه لا يتشكل في صورة واحدة عنده على الرغم من تواتر الاهتمام لديه طوال مسيرته الشعرية. فهو يبتدئ شأن عدد كبير من الشعراء المحدثين بمحاكاة النص الشعري القديم، منفتحاً عليه، متماهياً معه الى حدّ التطابق والمجاراة قبل أن يتمدّد في داخل محنة المتصوّف، قارئاً فيها مأساة المثقف، كما يفعل في "مأساة الحلاج"، مترسماً فيها التفاوت بين الخطاب الدارج والآخر الغريب والمريب والمهمّش...".
ولئن كان من المستحيل اختصار الدراسات والشهادات التي قدّمت وهي تربو على الستين فما يمكن قوله ان هذه الدراسات والشهادات تناولت معظم القضايا التي تشغل شعر عبدالصبور ومسرحه وكذلك معظم الملامح والجوانب والمعالم التي حفل بها. ومن الأسماء التي شاركت: محمد برادة، ادريس الملياني، الفريد فرج، بطرس الحلاق، بنعيسى بوحمالة، شربل داغر، شعبان يوسف، صلاح فضل، عبدالرحمن بن زيدان، عبدالكريم برشيد، ماهر شفيق فريد، محمد عبدالمطلب، محمد مصطفى بدوي، منى طلبة، وليد منير، يوسف زيدان وسواهم.
ومثلما تميزت الدراسات والشهادات بانفتاحها على المقاربات النقدية الجديدة والشابة اتسعت الأمسيات الشعرية لبعض الأصوات الشابّة سواء تلك التي تأثرت بصلاح عبدالصبور أم تلك التي لم تتأثر به. الشعراء المصريون حسن طلب ومحمد سليمان وعبدالمنعم رمضان وحلمي سالم قرأوا من قصائدهم القديمة والجديدة ما يؤكد علاقتهم "المتناقضة" بهذا الشاعر الرائد الذي يحتل صورة "الأب" في ذاكرتهم، تلك الصورة التي لا تكتمل إلا عبر التمرّد عليها. على أن التمرد الأوديبي هنا يعني أكثر ما يعني الاعتراف بسطوة الأب ولو عبر الثورة عليه. أما فاروق شوشة ومحمد ابراهيم أبو سنه وبدر توفيق فكانوا أوفياء كلّ الوفاء للشاعر الرائد. عبدالرحمن الأبنودي الذي كان واحداً من "غرماء" صلاح عبدالصبور في المرحلة الساداتية قرأ قصيدة "عاطفية" تمدح صلاح عبدالصبور وترثيه راثية الزمن العربي برمّته. محمد الفيتوري وممدوح عدوان ومحمد علي شمس الدين وجهوا تحية شعرية الى شاعر "شجر الليل" وكلّ على طريقته. وكان الفيتوري كتب قصيدة جديدة في "مديح" عبدالصبور لم تخل من النبرة الحماسية. أما مفاجأة الاحتفالية فكانت في ذلك الكرّاس الذي أصدره المجلس الأعلى للثقافة وضمّ مختارات من شعر عبدالصبور مرفقة برسوم للفنان عدلي رزق الله يستوحي خلالها عالم الشاعر معتمداً كعادته شفافية اللون وتلقائية اللمسة. في هذا الكرّاس الجميل يكمّل الرسم الشعر ويفجره ألواناً وأشكالاً هي في غاية الكثافة. لا يفسر الرسم القصائد هنا ولا يزيّنها بل يحوّل لغتها المكتوبة الى لغة مرئية، تخاطب العين والمخيّلة، البصر والوجدان. كان عدلي رزق الله قدّم شهادة في صلاح عبدالصبور تناول فيها موضوعات رئيسة لديه مثل: الشجن والحزن، الموت، الليل، التأمل، المرأة والحب.. وان كان من الصعب على جمهور "الاحتفالية" ان يتابع وقائعها كاملة ولا سيما الندوات التي كانت تُعقد بالتوازي فإن المداخلات كلها ستصدر لاحقاً في كتاب خاصّ. ولعل هذا الكتاب سيكون حقاً خير تكريم لهذا الشاعر الرائد الذي بمقدار ما ينتمي الى "تراث" الحداثة ينتمي الى المستقبل، مستقبل الشعر المتحرّر من ربقة الزمن والتاريخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.